شعار قسم مدونات

بعد الربيع العربي.. هل حقّق تُجّار السلاح أرباحهم؟

blogs الأسلحة

من المُهم النظر لثورات المنطقة العربية المعروفة إعلامياً "بالربيع العربي" من زاويةٍ اُخرى، ولكن ليس بالضرورة أن يعني ذلك إننا ننظر للظاهرة من الزاويةِ التقليدية من خلالِ ما يسمى "بنظرية المؤامرة"، إذ أن القضية أبعد ما يكون عن ذلك الجانب التحليلي التقليدي والضيّق. هذه الزاوية يمكن أن تنطلق من الفرضية التي تقول: إن قرار نشوب الحرب وإطالة أمده يعود في الغالب للوبيات إنتاج الأسلحة الذين يمتلكون نفوذاً لا يمكن تجاهله. وهم يمثّلون قطاعاً واسِعاً من البراغماتيين والديماغوجيين الذين في الغالب ليس لديهم رادع أخلاقي أو قيمي أو إنساني.

 

وإذا تقمّصنا دور مُنتجي السلاح؛ سنجد أنهم ينطلقون من قاعدة بسيطة وهي أن السلاح يُنتَج ليُستخدم. ولكن يا تُرى ما هو سبب نشوب الحروب؟ الإجابة أيضاً عند المنتجين؛ إذ لا يخرج سبب نشوب الحروب بالنسبة لهم من شيئين، إما لتجريب السلاح الجديد، ونجاح التجربة يؤدي بلا شك إلى السبب الثاني؛ وهو تسويق وبيع ذلك السلاح.

أي مراقب حصيف يُلاحظ أن هناك ظواهر أنتجتها ثورات الربيع العربي مثل: سوء الأوضاع المعيشية وما نتج عنها من ظواهر اجتماعية تمثّلت في الحِراك الاجتماعي السلبي ودخول عدد كبير من المواطنين في الدول التي شهدت ثورات أو الدول التي لم تتقدم فيها الثورة تحت خط الفقر. غير أن أهم تلك الظواهر بلا شك؛ الحروب الأهلية التي لا زالت تحصد أرواح ملايين البشر في اليمن وسوريا وليبيا والعراق، وكذلك بروز تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كتطور لجماعات الإسلام الجهادي وما نتج عنها من حروب ودمار وقتلى.

على الرُغم من التاريخ القصير للثورات وأحداثها، برز فاعلين مختلفين في غضون تلك الفترة القصيرة، إذ تحرّكت الجماهير في البداية، ومع مرور الوقت برزت الثورات المضادة والدولة العميقة

الجماهير التي خرجت في أغلب دول الربيع العربي وكذلك التي خرجت في الدول التي لم تتقدم فيها الثورة؛ لها مطالب مشروعة إذ أن المطالب وحسب الشعارات التي رُفعت في أثناء الثورة هي الحرية والديمقراطية، والموضوع الأهم تحسين الاقتصاد. ولكن الآن وبعد مرور أكثر من سبعة أعوام من تاريخ بداية تلك الثورات، وبحسابات الربح والخسارة يمكن القول أن الخاسر الأكبر في هذا الفعل السياسي والاجتماعي هي الجماهير التي خرجت، حيث قُدّر عدد القتلى في الحرب السورية حتى عام 2016 حوالي 470 ألف. وفي اليمن قتل 58 ألف وبات 21 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية. في ليبيا بلغ عدد القتلى 58 ألف قتيل. وبالإضافة إلى القتلى هناك ملايين النازحين واللاجئين والمشرّدين.

على الرُغم من التاريخ القصير للثورات وأحداثها، برز فاعلين مختلفين في غضون تلك الفترة القصيرة، إذ تحرّكت الجماهير في البداية، ومع مرور الوقت برزت الثورات المضادة والدولة العميقة وأجهزة المخابرات، ثم تحوّلت الأحداث بصورة دراماتيكية لتبرز فاعلين من عدة اتجاهات يقودها التيارات البراغماتية ووكلاء الحرب وتُجّار السلاح وقطاع واسع من المرتزقة. ووسط كل ذلك ضاعت المطالب والشعارات لتحل محلها أماني لوبيات الأسلحة ووكلاء الحرب في أن يُفتح سوق جديد لهم للترويج لمنتجاتهم الفتاكة وتحقيق الأرباح المليارية. المعادلة الاقتصادية البسيطة تقول أن هناك علاقةٌ طرديةٌ بين العرضِ والطلبِ، كما أن من مُحددات الإنتاج مدى وجود أسواق أو مستهلكين. بهذا الفهم، تَنتِج الشركات التي تعمل في هذا المجال سلعتها "الأسلحة" وهي ضامنة وجود أسواق لتسويقها.

شراء أسلحة بمليارات الدولارات.. ضد مَن؟

من ضمن الأشياء التي أظهرتها قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وردود الأفعال الإقليمية والدولية تجاهها موضوع تجارة الأسلحة، إذ أن هناك دولاً عديدة أطلق مسؤوليها تصريحات بخصوص هذا الموضوع. فمثلاً، قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أنه لا يستبعد أن تلغي بلاده صفقة أسلحة ضخمة مع الرياض على خلفية قضية خاشقجي، وتتعلق الصفقة ببيع مدرعات خفيفة بقيمة 9.9 مليار يورو، وأوضح وزير الاقتصاد الألماني في تصريحات لقناة تلفزيونية المانية ان دول الاتحاد الأوروبي يجب أن تُوقف صادرات الاسلحة للسعودية كي تزيد الضغط عليها بشأن قضية خاشقجي وتتجاوز قيمة صفقة الأسلحة الألمانية المصدرة إلى السعودية 460 مليون دولار، هذا بخلاف دول الاتحاد الاُخرى مثل بريطانيا وفرنسا. ولا زالت الضغوط تتزايد على الإدارة الأمريكية من أوساط عدة فيما يتعلق بضرورة إلغاء أو على الأقل تجميد الصفقة العسكرية مع المملكة العربية السعودية على خلفية القضية.

ونشرت منظمة العفو الدولية تقريراً عن الإنفاق العسكري، وحسب التقرير زاد مجمل الإنفاق العسكري العالمي من 1.14 تريليون دولار في علام 2001 الى 1.76 تريليون دولار في 2015 بارتفاع نسبته 50 في المائة. وحسب التقرير أيضا تنامي الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط من 130 مليار دولار إلى 181 مليار دولار في الفترة بين عامي 2008 و2014 .

لقد وأدت الثورات (الربيع العربي) منذ تسليح الثُوّار وردة فعل الثورات المضادة، وكل ما يدور في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط هي عبارة عن أنشطة لكبار مصنِّعي الأسلحة في العالم
لقد وأدت الثورات (الربيع العربي) منذ تسليح الثُوّار وردة فعل الثورات المضادة، وكل ما يدور في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط هي عبارة عن أنشطة لكبار مصنِّعي الأسلحة في العالم

وتقرير الامم المتحدة الذي توقف عند عام 2015 واصلته مؤسسة الاتحاد الاوربي للدراسات الأمنية في اكتوبر 2017 اذ نشرت هي الاُخرى تقريراً عن الإنفاق العسكري في العالم العربي والذي بلغ 180مليار دولار سنويا. فيما بلغت القيمة الإجمالية للصفقات العسكرية التي ابرمتها ست دول عربية في خلال عام 2017، حوالي 161.4 مليار دولار، وبالرغم من ان السعودية هي صاحبت القيمة الإجمالية الأكبر من بين الدول الست، نجد ان دولاً مثل الإمارات وقطر ومصر أيضا أبرمت صفقات بمليارات الدولارات. هذا مجرد غيض من فيض فيما يلي الصفقات المليارية.

شراء أسلحة بمليارات الدولارات لابد أن يكون موجهاً ضد عدو يمتلك جيشاً قوياً، وعلى الرغم من أننا لا نملك أرقام حول قوة الجيوش في المنطقة بسبب صعوبة الحصول على معلومات عسكرية من جراء السرية التي دائماً ما تُضرب حول مثل هذه المعلومات، إلا أن الوقائع تقول أن أكبر قوة عسكرية في المنطقة هي إسرائيل، ومن الصعوبة بمكان الجزم بأن الصفقات ذات مليارات الدولارات هي موجه بالأساس ضد الجيش الإسرائيلي، هذا الشيء معروف لدى القاصي والداني. والحقيقة أنه لا يوجد "عدو" حقيقي يُعد له كل تلك الأسلحة، حتى إيران لا يمكن اعتبارها الخصم والند الذي يمكن أن يُشّكل خطراً على أمن المنطقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، والحقيقة التاريخية تؤكد وجود الشيعة على طول التاريخ الإسلامي ولم يحصل استقطاب حاد كالذي يحدث الآن، وفي حقيقة الأمر كل حالات الاستقطاب الحاد ضد إيران تؤججه تلك التيارات البراغماتية فقط لا غير.

لقد وأدت الثورات (الربيع العربي) منذ تسليح الثُوّار وردة فعل الثورات المضادة، وكل ما يدور في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط هي عبارة عن أنشطة لكبار مصنِّعي الأسلحة في العالم، أو بعبارةٍ اُخرى المنطقة عبارة عن سوق مفتوح لعرض المنتجات العسكرية، هذا العرض يؤدي وظيفتين، الأولى هي العرض التجاري لدول المنطقة وهم المستهلكين المتوقعين الذي في النهاية ستباع لهم منتجات الأسلحة وآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية، والثانية هي إظهار قوة الردع واستعراض القدرات العسكرية للمنافسين من القوى العظمى. وقد أثبتت عدة تقارير أن هناك انواع مختلفة من الأسلحة تمت تجربتها في سوريا، وتتنافس شركات من روسيا والولايات المتحدة والصين وبعض دول الاتحاد الأوروبي في كسب أولئك المستهلكين. لذا جاز لنا أن نتساءل بعد مرور سبعة أعوام على الربيع العربي. هل حقق تجار الأسلحة أرباحهم؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:
– المركز السوري لبحوث السياسات.

– تقارير الأمم المتحدة.

– وكالة الأمم المتحدة للهجرة.

– تقرير: موقع منظمة العفو الدولية.

– تقرير: الجزيرة نت بعنوان، حصاد الثورات المضادة والنزاعات الاهلية باربع دول عربية.

– تقرير: اغلى الصفقات العسكرية التي ابرمتها ست الدول العربية 2017، موقع ساسة post.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.