شعار قسم مدونات

حتى لا يعاني ابنك المراهق.. استخدم هذه الوسائل النفسية

blogs الاكتئاب

أظهرت غالب الدراسات أن الاضطرابات الكثيرة التي تصيب البالغين يرجع غالب أسبابها إلى مرحلة التربية والنمو من قبل الوالدين والعائلة والمجتمع. فالأشخاص الذين أظهر آباؤهم الدفء والحميمية والرحمة والقدرة على الاستجابة لأطفالهم، تكوّن لدى هؤلاء الأطفال حالة من الثبات الانفعالي والاستقرار النفسي والصحة العقلية والرضا والقناعة مع الطموح والأمل طوال سن البلوغ المبكر والمتوسط والمتأخر، مما أدّى ببساطة إلى مرحلة مميزة من الشباب، ثم مرحلة عالية من النضج بعد ذلك. وعلى النقيض من ذلك، تبين أن غالب من يعاني في سن المراهقة وما بعدها، كان من أكبر أسباب هذه المعاناة تلكم المرحلة السابقة من الطفولة في التربية والتنشئة. وأكثر الدارسين يعزو هذا الأمر إلى أن غالب الآباء والأمهات لا يفرقون بين السيطرة النفسية والسيطرة السلوكية.

ضبط السلوك مصطلح واضح المعالم، غير مبهم ولا ملتبس، أما ضبط المشاعر أو ضبط النفس فهم مصطلح مبهم ملتبس، بل أقرب ما يكون إلى القهر والتسلط، حيث يتم كبت المشاعر عبر السيطرة والتحكم، والمشاعر كالماء يبحث عن مخرج في كل أرض حتى بين الصخور، أو يضطر لكسرها ونحتها وثقبها لإيجاد المخرج، وكذا المشاعر، وهو ما يظهر في مراحل المراهقة والنضوج. ضبط السلوك، غير ضبط المشاعر، والسيطرة السلوكية تختلف عن السيطرة النفسية.

قد تسيطر على بعض أو غالب سلوكيات طفلك عبر القوانين والحدود الواضحة داخل البيت وخارجه؛ كموعد النوم والاستذكار واللعب ومكانه، وإكمال الواجبات الدراسية، وأداء المهام الموزعة داخل البيت، ومتى الخروج والعودة، والمنع من التلاسن بين الإخوة والتلفظ البذيء، والتعدي البدني، والعنف المتبادل. هذا ضبط سلوك، بل وسيطرة وتحكم إيجابيان لضبط حركة الحياة داخل البيت وخارجه، ويعوّد الطفل على الانضباط وفق المعايير الصحيحة والقوانين العادلة والتوجيهات الواضحة.

من السهل على الآباء تحديد احتياجات أطفالهم البدنية لكن قد لا تكون احتياجات الطفل العقلية والنفسية واضحة عند غالب الآباء والأمهات

أما منع الطفل من اتخاذ أي قرار متعلق به، أو التعبير عن مشاعره وآرائه، أو منعه من الخصوصية المطلقة، أو إضعاف ثقته بنفسه، وإجباره على التبعية المطلقة، بل وبث الخوف في قلبه ونفسه من إظهار أي نوع من الاعتراض أو وجهة النظر المختلفة حيال أي أمر يخصه؛ فهذه السيطرة النفسية، وهي بمعنى القهر والتسلط والإجبار بل أقرب إلى العبودية والتبعية المطلقة؛ ففيها التحكم حتى في المشاعر والأفكار.

– إذا فعلت كذا، سنذهب للعب بعد الانتهاء. (سيطرة سلوكية).
– إذا لم تفعل كذا، فلن أحبك. (سيطرة نفسية).

في المثال الأول هاجم الأب سلوك الطفل، وطلب منه سلوكًا بمقابلٍ محبوب للطفل، فالجميع رابح، الأب حصل على ما يريد (وهو في مصلحة الطفل ولا شك)، والطفل حصل على المحفز الذي يريد. وفي المثال الآخر هاجم الأب نفسية الطفل، وشككه في الحب الأبوي والعلاقة الراقية المشاعرية والعاطفية بينهما؛ فكأن الحب بين الأب وابنه مشروط وبمقابل، فإن لم تفعل فلن أحبك، وهو نوع من الابتزاز ولا شك، يهاجم قلب الطفل ونفسيته التي قد تنهار، وهو موقف يشوّشه نفسيًا وعقليًا مع مرور الوقت وتكرار السلوك.

والغريب في الأمر، بل المدهش، أن المرونة النفسية التي يعطيها الوالدان للطفل، وهي حق من حقوقه، ستؤدي لا محالة إلى ضبط السلوك المطلق لدى الطفل. يقول الطفل لنفسه: يسمح لي أبواي بالكلام والحوار وإظهار مشاعري ورغباتي وانزعاجي وألمي وفرحي وسروري، ويسمحان لي باتخاذ بعض القرارات التي تناسبني في مراحل عمري المختلفة، فحين يطلبان سلوكًا معينًا ويصران عليه؛ فلا شك أنه مهم ومفيد، فلأبادر.

من السهل على الآباء تحديد احتياجات أطفالهم البدنية من الطعام المغذي، والملابس الدافئة عندما يكون الطقس باردًا والعكس كالملابس القطنية وغطاء الرأس في الحر والقيظ، ووقت النوم في ساعة معقولة. لكن قد لا تكون احتياجات الطفل العقلية والنفسية واضحة عند غالب الآباء والأمهات. الصحة العقلية الجيدة تسمح للأطفال بالتفكير بوضوح، وتتيح لهم فرص التطور الاجتماعي وتعلم مهارات جديدة. كما أن الصحبة اللطيفة الجيدة والكلمات المشجعة والمحفزة من الوالدين والمعلمين في غاية الأهمية لمساعدة الأطفال على تنمية المشاعر النفسية الإيجابية كالاحترام والثقة بالنفس، والنظرة النفسية الصحيحة للعاطفة وكيفية التعامل معها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.