شعار قسم مدونات

اللصوصية الفكرية!

blogs الكتابة

إن التحدث عن اللصوصية الفكرية بشكل مبسط يقتضي تناول هذا الموضوع في قالب تساؤلي لسبر أغواره، وتعتمد هذه المنهجية المتبعة على طرح السؤال وإتباعه مباشرة بالإجابة المتعلقة به، فهي من الطرق التي تسهل عملية الفهم من خلال تمرير الأفكار بسلاسة؛ لكي يتحقق الاستيعاب الأمثل والإدراك التام للتدوينة.

  

هل للأفكار الخاصة ملكية كما للأشياء؟

يعد التفكير حقا من الحقوق الطبيعية للإنسان، لهذا تبقى الأفكار التي تنتج بفضل هذا العملية الذهنية من الأشياء المميزة والخاصة لارتباطها بملكية من أنتجها سواء كان شخصا أو جهة معينة، مما يعني أن الملكية الفكرية هي أيضا من الحقوق التي ينبغي أن تكون في يد صاحبها، والقانون بنفسه يقر ذلك بوضوح لأنه هو المكلف بحمايتها من السرقة والتلف والتدليس؛ أي أنه الطرف الوحيد الذي أوكل إليه مهمة توفير الحصانة القانونية للحفاظ على خصوصية الأفكار، لكن يظل المشكل الكبير في القدرة على تحقيق تلك الحماية القانونية في أرض الواقع لأنها تتطلب إجراءات وتدابير معقدة، بالإضافة إلى طول المدة اللازمة لحفظ حقوق الملكية الفكرية لأي محتوى فكري؛ الشيء الذي يساهم بشكل كبير في ضياع ملكية تلك الأفكار الخاصة.

 

وانطلاقا مما تم ذكره يتبين أن كل ما ينتجه ويبدعه العقل والذهن الإنساني له خصوصية؛ أي أنه يفرض ضمنيا حق التملك الذاتي، وبالخصوص الأفكار التي يمكنها أن تتحول إلى أشياء مادية أو تتجسد في أشكال ملموسة يستطاع حمايتها من اللصوصية التي تعد سلوكا يخالف الأخلاق السوية، كما أن حدوث تلك السرقة يستدعي المساءلة القانونية حين تكون الحقوق الفكرية محفوظة لصاحبها.
  

كيف يمكن للأفكار الخاصة أن تتعرض للصوصية؟
يبقى التعامل مع أي منتوج فكري خاص بالآخرين من خلال أخذ الأفكار التي يحتوي عليها واستعمالها أمر يتطلب بالضرورة طلب إذن مسبق من صاحب المنتوج إن أمكن

اللصوصية مرتبطة بأشياء عديدة ولا تقتصر على ما فيه الربح المادي فقط، بل تمتد لتصل إلى ما يتعلق بمجهودات الآخرين الفكرية، نقول إن فكرة ما أو أفكارا معينة تعرضت للصوصية عندما يسلب حق ملكيتها ممن بذل جهدا في إنتاجها، وهذا مما هو سائد بكثرة في زمننا الذي تسافل فيه الكثيرون إلى مستوى أخلاقي متدن جدا باعتدائهم على الملكية الفكرية لغيرهم، من خلال سرقهم للأفكار الخاصة بالآخرين ونشرها باسمهم، ولا يتوقف الأمر هنا بل يتعدى إلى التفاخر بذلك الصنيع الوضيع والشعور بنشوة الفرح دون الشعور بأي ذنب؛ مما يعني انعدام الضمير الإنساني لمرتكبي اللصوصية الفكرية.

 

ويبقى التعامل مع أي منتوج فكري خاص بالآخرين من خلال أخذ الأفكار التي يحتوي عليها واستعمالها أمر يتطلب بالضرورة طلب إذن مسبق من صاحب المنتوج إن أمكن وذكر ذلك أو الاكتفاء بالإشارة إلى المصدر الذي تم الأخذ منه، لتجنب الوقوع في اللصوصية الفكرية بالتعدي على الحقوق الفكرية للآخرين، فأفكار أصحاب العقول الإبداعية معرضة بكثرة للسرقة، وقد يجنى مما تم سرقته منهم أرباحا معنوية ومادية من دون ما أن يدروا بذلك.

 

ماذا يقصد باللصوصية الفكرية؟ وما هي أنواعها؟

يقصد باللصوصية الفكرية سرقة الأفكار التي تضمها المواد التي تحتوي على شيء منصوص كتابيا أو شفهيا والتي ابتكرتها عقول أخرى وصاغتها من رحيق فكرها الخالص وتم حيازتها واستعمالها بشكل غير مسموح به أخلاقيا، أي أن اللصوصية الفكرية تعتبر تملكا غير شرعي للأفكار أو العبارات الخاصة بأحد ما بالرغم من أن سارقها ينسبها إليه، ليتوهم الناس بأن ذلك المنتوج الفكري أصلي ومن ملكيته، مما يعني انعدام توثيق المصدر المأخوذ منه.

 

 بمعنى آخر أنها أخذ مباشر أو ضمني من طرف فرد أو جهة معينة لفكرة أو لمجموعة من الأفكار التي لا تخصهم، سواء بشكل كلي أو جزئي بدون عزو أو اعتراف واضح وصريح بأن ما أخذ ليس من إنتاجهم الفكري، بل ويتجاوز الأمر إلى إعطاء انطباع مزيف للآخرين بأن ما تمت سرقته هو صنيع فكرهم وليس مسروقا من أحد، وهذا بحد ذاته يعد من أعمال النصب والاحتيال.

 

ساهم التطور التكنولوجي والتقني في تضخم مصادر المعرفة ومراجعها الفكرية، مما أتاح إمكانية الحصول على محتوى فكري مرتبط بأي مجال معرفي كيفما كان بكيفية سهلة وبكمية غزيرة
ساهم التطور التكنولوجي والتقني في تضخم مصادر المعرفة ومراجعها الفكرية، مما أتاح إمكانية الحصول على محتوى فكري مرتبط بأي مجال معرفي كيفما كان بكيفية سهلة وبكمية غزيرة
 

اللصوصية الفكرية أنواع عدة منها ما هو مرتبط بما هو مسروق، ومنها ما يتعلق بالسارق، ومنها أيضا ما يرتبط بآلية السرقة وكيفيتها، ويمكن جمع أنواع اللصوصية الفكرية في النوعين التاليين:

اللصوصية الفكرية التامة: هي سرقة أفكار الآخرين كاملة بدون زيادة ولا نقصان في ألفاظها، ومثال ذلك:

– الاستنساخ: من خلال أخذ منتوج فكري خاص جملة وتفصيلا والادعاء بأنه من ملك وإنتاجية السارق.

 

اللصوصية الفكرية غير التامة: هي سرقة جزء من أفكار الآخرين والتصرف في عباراتها، ومن الأمثلة على ذلك:

– النسخ: من خلال نسخ أجزاء كبيرة من مصدر فكري محدد دون ذكر ذلك المصدر.

– الاستبدال: انطلاقا من نسخ قطعة نصية بعد تغيير بعض ألفاظها مع الحفاظ على الفكرة الأساسية التي جاءت في المصدر دون الإشارة إلى ذلك.

 

إن الذين يمارسون اللصوصية الفكرية لا ينتهجون طريقة واحدة في انتهاك حقوق الملكية الفكرية الخاصة بغيرهم، بل لهم طرق عديدة منها الظاهرة والمفضوحة بفعل سذاجة من يقومون بعملية السرقة؛ لكونهم من المبتدئين أو الهاويين في اللصوصية الفكرية، ومنها التي تتم بطريقة احترافية بنسج خيوط تلك السرقات بمهارة عالية، الشيء الذي يصعب من إمكانية اكتشافها بسرعة.

هل للتطور التكنولوجي والتقني دخل في اللصوصية الفكرية؟
وضع الاستراتيجيات الأمنية والتشريعات القانونية لحماية حقوق الآخرين الفكرية لن تكون لها الفعالية المطلوبة بدون ما أن يعدل هذا السوك المنحرف قيميا

ساهم التطور التكنولوجي والتقني في تضخم مصادر المعرفة ومراجعها الفكرية، مما أتاح إمكانية الحصول على محتوى فكري مرتبط بأي مجال معرفي كيفما كان بكيفية سهلة وبكمية غزيرة، وفتح الآفاق أمام الجميع لجمع الأفكار والمعلومات بفضل محركات البحث والبرامج الخاصة بالبحث عن الموارد الرقمية التي تحتوي على الإنتاجات الفكرية، فأصبحت عملية إيجاد المعلومات ونسخها سهلة جدا، وهذا ما شجع على تنامي اللصوصية الفكرية لأن التطور التكنولوجي والتقني وفر لمستعملي وسائله كمية هائلة من الأفكار وسهل لهم نسخها أو إعادة صياغتها بطريقة مغايرة دون ذكر أصحابها المشار إليهم في المصادر المأخوذ منها.

 

هذه النقلة النوعية التي أحدثها التطور التكنولوجي والتقني أدت إلى نشر أفكار إبداعية متنوعة وتبادلها على أكبر نطاق ممكن، إلا أن ذلك ترتب عنه انتهاك واسع للمحتوى الفكري الخاص، وكذا هدر الحقوق الفكرية لأصحاب هذه الأفكار، خصوصا وأن النشر أصبح متاحا للجميع بكافة صوره وأشكاله وليست هنالك شروط وضوابط تحكمه.

ما آثار اللصوصية الفكرية على الأمن الفكري والهوية الثقافية؟

مما لا شك فيه أن للصوصية الفكرية آثار سلبية متعددة منها ما يبرز جليا في الزمن الحاضر، ومنها ما لا يمكنها الظهور بوضوح إلا في الأمد البعيد؛ ومن الآثار الآنية التي لا يستطاع إخفاؤها مهما تعددت المحاولات في استبطانها؛ نجد ما يسمى بغياب الأمن الفكري الذي أعلى من شأن لصوص الأفكار سواء في المجال العلمي أو الوظيفي، وكان سببا لمنح الكثير منهم شهادات عليا كالدكتوراه، وكذا الوصول إلى مرتبة الأستاذية، والأكثر سوء أن منهم من ترقى بذلك إلى أعلى المستويات السياسية والاجتماعية وأصبح من أصحاب السلطة والنفوذ، وهذا ما زاد من معاناة أصحاب الإبداع الفكري في ظل البيئة المختلة والمفتقدة للحماية التامة للحقوق الفكرية التي تتعرض لأبشع استغلال. أما فيما يتعلق بالآثار التي ستلوح لا محالة في الأفق المستقبلي فستظهر بشكل بارز من خلال التغير الذي سيحدث في بنية الهوية الثقافية التي ستصير مزيفة، لأنها ستبنى على أساس باطل بفعل طغيان اللصوصية الفكرية، مما يعني فقدان القدرة على تحديد هذه الهوية بشكل صحيح لاستفحال الممارسات القائمة على الغش والادعاءات الصورية الكاذبة.

 

ستظل اللصوصية الفكرية مشكلا قيميا متجذرا في تصرفات وسلوكيات الإنسان المعاصر؛ مما يعني أن وضع الاستراتيجيات الأمنية والتشريعات القانونية لحماية حقوق الآخرين الفكرية لن تكون لها الفعالية المطلوبة بدون ما أن يعدل هذا السوك المنحرف قيميا، لأن طرق التحايل كثيرة والتوقف عن ممارسة اللصوصية الفكرية غير مرهون بالموانع الخارجية بقدر ما هو مرتبط بالمناعة الذاتية للفرد، والتي بفقدانها يستطيع المرء أن يقوم بالسطو على جهود الآخرين بدون أدنى شعور بالندم لأن الرقابة القيمية لا تتوفر عنده بتاتا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.