شعار قسم مدونات

أيقونة الضّاد المغربِية.. درسٌ في تحدِّي القراءة!

مدونات - مريم آمجون

السَّيلُ المَعرِفيُّ بِالعالَمِ العرَبي، يَشكو الضُّعف والهَوان في ظل وَسائلِ التَّواصُل والهَيمَنَةِ التِّكنولوجيّة، وهذا ما جعل إشعاع أوطاننا ـ بُلدان المِنطقَةِ العَربِيَّةِ مِن بَينِها المَغرِب ـ يضمحل. فهل هذا راجع لتدني مُعَدَّل القِراءَة أم لعَدم الوَعي بِأَهَمِّيَة الثَّقافَةِ والتَّعَلُّم؟ اقرأ! فَكَما جاءَ على لِسانِ مَفخَرةِ العَرَب عامَّةً والمَغرِبِ خاصَّةً، أَيقونة تحدّي القِراءَةِ العَرَبي مريم لحسن أمجون: "القراءةُ مَنارةُ الحضارةِ ومِرقاةُ المَجدِ والسِّيادَةِ فَسُطورُها مَصابيحُ وحاجة وحروفُها مَفاتيحٌ واستِنارة تَهدي التّائهينَ في دُروبِ الجَهلِ والبَلاهَة والتّفاهة".

فَوز هَذِه الأَميرَة الصَّغيرَة ذَاتِ التّسعَةِ رَبيعاً بِمُسابَقةِ تَحدِّي القِراءَةِ العربي يُحيلُني عَلى التَّساؤُلِ بِخُصوصِ العَوامِلِ الّتي تُضفي عَلى أَبنائِنا الهَيبةَ والوَقارَ عِندَ الكبر، أو الّتي تَجعلُنا نَعتَبِرُ بَلدًا مُعَيّناً ذو حضارةٍ وآخرَ دونَ حَضارَة. إنَّ هذه المُسابقة الثّقافية، الّتي أَعتبِرها مِن المُسابقاتِ الّتي لا تأخُذُ قِسطَها الكافي مِن الاهتمام مِن طرَفِ الإعلامِ العربي، لِتَظلَّ حَبيسَةَ المَواقِعِ الاجتماعية فلاَ تَتَعدّى ذلِكَ إلاّ إنْ كانَ مِن مُهتَمٍّ غَيورٍ عَلى حَضارَةِ وَمَجدٍ ضَيَّعناهُما مُنذُ أَمَدٍ بَعيدٍ وَثَقافَةٍ عَرَبِيَّةٍ انكمشت حَتّى غَدَت غائِبَةً.

فقَرّي عيناً يا مَريمُ وَتسلَّحي دائماً بِأخلاقِ القِراءةِ، فبِالتّواضعِ والبراءةِ ورِقَّةِ انفِعالِكِ تَرتَقينَ لِأعلى مَراتِبِ العِلْم.

هذا في إطار عَولَمةٍ طَمَسَت عُقولَ الشّبابِ العَرَبيِّ إلّا مَنْ رَحِمَ رَبّي. أعتبر أن تلكم مِن المُسابَقاتِ الّتي يَجبُ أَن تُعمَّمَ في كُلِّ أرجاءِ العالَمِ العَربيّ. فاللّهُمَّ كَثِّر مِن مَثيلاتِ هَكَذا مُسابَقات ثقافيّة حتى نستيقظ من سباتنا، لقد اكتشفنا عَظَمَةَ ما فاتَنا آنَ حاولنا الإبداعَ بِغَيرِ لُغَةٍ. حينَ أَبحَرْنا بِأحلامِنا بَعيداً وَجَعَلنا واقِعَنا في مَنْأًى عَنِ لُغَتِنا الأَصل، لقَد أَرَدنا وِلسِنينَ عديدةً تقليدَ الغرَبِ في تَقدُّمِهِ وَتطَوُّرِهِ. ظَننّا أنَّ السّبيل الأَوْحَدَ الَّذي لاَ مَحيدَ عَنهُ هُوَ أَن نَتَبنّى لُغاتِه. كَم أحبَبنا فيكِ ابتسامتك البَريئة يا مريم وكَم رغِبنا، لِفَرحَتِنا العَظيمَة بكِ، احتِضانَ كَلِماتِكِ الفَصيحَةِ، تِلكَ النّابِعةِ مِن عِشقِكِ للُغةِ الضّادِ والقِراءَة.

قُلتِ أنَّ بَلَدَكِ قِطعة مِنَ الجنَّة ولا تدرين أنَّكِ نَسمَةٌ مِن نَسَماتِ الجنة الطَّيِّبة قَدْ دَاعَبَت مُحَيّا بَلدِنا الّذي يَشكو مِن عَجزِ أبنائهِ وهُم لازالوا في رَيْعانِ الشّبابِ. إن حبّ القِراءَةِ لِكلِّ أولَئكَ الّذينَ كَتَبوا أمجادَهُم في الماضِي وشَغفُ التَّثقيفِ والتَّعلُّمِ لِمعرِفةِ سُبلِ التَّقدم في المُستَقبلِ تنير دُروبَ الجَهلِ المُظلِمةِ وتكسبنا مهاراتِ التّواصُل. هُم الّذين يعودُون بالنَّفعِ على أوطانِنا ولا يجعلوننا نَقعُ ضحايا ذاك التواصُل الاستِهلاكيّ الذي لا يَنوبُنا مِنه غيرَ حُبِّ تَعظيمِ البَلاهةِ وخَلقِ نزْعَةِ حُبِّ الظُّهورِ. نزْعَة حُبِّ الظُّهورِ في مُسابَقاتٍ تُلقي بِخريجيها داخِلَ دوَّامةِ إنتاجِ التّفاهَةِ واستِهلاكِ مالا يَعودُ بالنَّفعِ على أمَّتِنا في شَيء.

خِلافا لِما يُتَداولُ في المواقِع الاجتماعيّةِ من تباهٍ حولَ جِنسيّة الفائز، ما نريده وما أردناه دائما هو أن تَحتلَّ البُلدان العربيَّة الصَّدارةَ في المُسابقاتِ العربيَّةِ الثَّقافيّةِ الهادفَة بغض النظر عن جنسية البلد لأننا أمة واحدة وجسد واحد. اذن فكَوْنَ بلدٍ ما رَقماً صعباً في كلِّ مسابقةٍ عربيَّةٍ تهب علينا من كل حذب وصوب لا يَنفَعُ حضارَةَ هذه الأُمَّةِ في شَيء. إنّهُ لَيعجزُ اللِّسانُ عَنِ التّعبيرِ أمامَ موهبةِ تِلك الطِّفلةِ المَولوعَةِ بِلُغتِها الأمّ. لقد جَفَّ حِبرُ الكَلامِ حينَ انبَثَـــــقَت تـِلكَ الأيقـــونَة الفَتِيّة في وسَطٍ أضحى، هَرَجُ وَمَرَجُ الوَسَائِلِ التِّكنولوجِيّة، هو المُسَيْطِرَ الأَوّل فيه.

فقَرّي عيناً يا مَريمُ وَتسلَّحي دائماً بِأخلاقِ القِراءةِ، فبِالتّواضعِ والبراءةِ ورِقَّةِ انفِعالِكِ تَرتَقينَ لِأعلى مَراتِبِ العِلْم. هذا في مُستقبَلٍ لازِلنا نَأمَلُ أنَّ بِه خيراتٍ كثيرةٍ، إذا مادامَتِ الطُّفولةُ تَتَوهَّجُ فِطْنَةً وَذَكاءً كالَّتي أبهَرتِنا بِها يا أَيْقونَة الضَّادِ. هَنيئاً لِوالِديْكِ بِكِ فَهذا كُلُّه ليسَ إلاَّ ثَمرَةَ إِلمامِهِم بالعِلْمِ وَوَعيِهِم بِأَهميَّةِ القِراءَة واستثمارِ وَقتِهِم في مُرافَقَتِكِ لِأَجلِ رُقِيّ مَجْدِك.  أخيراً، تأملوا معي، اذَا أَخَذْنا بِعَينِ الاعتبار مُؤَشِّر القِراءَة العَرَبي، فَإِنَّنَا نَجِدُ أَنَّ نَصيبَ كُلِّ نِصفِ مليونِ عَرَبي مِنَ القِراءَة لا يَتَعَدَّى 15 كِتابا.

في حِينِ أَنَّ كُلّ نِصف مليون أوروبّي يَقرَؤونَ ما يُقارِبُ 427 كِتاب. السؤال هو: هل نحن أمة "اقرأ" فعلا لا تقرأ؟ أم أننا ضحايا هذه الأرقام التي شوهت صورتنا أمام الدول؟ كان هدفي من خلال تدوينتي هذه، أن أوقظ في نفوس القارئين الغيرة على أوطانهم، وأن أهنئ تلك الفتاة، أيقونة الضاد، التي ظهرت لتكذب كل الأرقام من لأجل النهوض بأمتنا العربية وجعلها بمصاف الدول المتقدمة. لا تخذلوا "مريم" يا قراء، لجعل تحديها تحدينا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.