شعار قسم مدونات

كيف خدعتني عبقرية رضوى عاشور؟

Blogs- رضوى عاشور

تركت روائع الأديبة العبقرية – الدكتورة رضوى عاشور- أثرًا لا يستهان به في ذهني، لا سيما إيماءاتها في روائعها عن الاتحادات الطلابية التي كانت في النصف الثاني من القرن العشرين في عنفوان نشاطها؛ فشكلت ليّ هذه الإيماءات فكرة عن دور الاتحادات الطلابية كدت أجزم بحقيقتها قبل أن أكتشف هلاميتها في دنيا الواقع. نقلت ليّ الأديبة الراحلة في أعمالها الروائية مسحة من أنشطة الاتحادات الطلابية التي كانت سائدة آنذاك، ومنها التشابك مع القضايا المحيطة – محلية أو إقليمية أو عالمية – والتنافسية بين الكيانات الطلابية –الأسر– اللاتي كانت تختلف مرجعية كل منها بحسب اختلاف الأيديولوجية التي تنضوي تحت مظلتها، ومجلات الحائط – صحافة الجامعة – ودورها في إيصال تعابير وجهات النظر المختلفة للطلاب والطالبات، والتكالب فيما بين الأفراد المنضوين تحت مظلات هذه الكيانات على تبوأ المواقع القيادية في الاتحادات الطلابية، والتقارب البين ما بين أعضاء هيئات التدريس والطلاب، وغيرها من الأنشطة التي كانت تمارس من الاتحادات الطلابية، وكانت في أوجها آنذاك.

فبالتالي الصورة التي نقلت ليّ عن الاتحادات الطلابية جعلتها بالنسبة ليّ بمثابة نماذج محاكاة للمجتمعات السياسية، إن لم تكن كانت تمثل مجتمعًا سياسيًا بالفعل على صعيد ضيق تارة، وجعلت من الصراعات المحتدمة فيها بين الكيانات ذوات المرجعيات المختلفة جزءًا من الصراع السياسي المحتدم بين الأحزاب ذوات الأيديولوجيات المختلفة على الهيمنة على مقاليد الحكم في الدولة، ومنفذًا لبزوغ قيادات سياسية جديدة تارة أخرى، فما بين الأمس المنقول ليّ – عن طريق روايات الدكتورة رضوى – حول أنشطة الاتحادات الطلابية والحاضر الذي أترقبه كشاهد عيان في محيط الجامعة حول الاتحادات الطلابية شتان.

 

فالاتحادات الطلابية في دنيا الواقع الذي أعيش فيه فقدت رونقها باتت أداة للتملق للأكاديمين، وأصحاب النفوذ من قبل الطلاب؛ فآلت بها هذه الأخلاقيات الوصولية إلى مَطية لوصول الطلاب لمآربهم المادية – التي تتمثل في الحصول على درجات مرتفعة وتنميق السيرة الذاتية بالعضوية فيها – والمعنوية – التي هي الأخرى تتمثل في الحصول على قدر من الشهرة بين أروقة الجامعة – فبرغم من أن الصورة التي نقلت ليّ من خلال إيماءات الأديبة الراحلة كانت لا تخلو من الوصولين والمدعين ومحدودي الأفق، ولكن كانت الصراعات المحتدمة آنذاك بينها مرجعية الغالب فيها إلى اختلافات أيديولوجية فيما بينهم.

في دنيا الواقع لم تعد الاتحادات الطلابية كما نقل لي من أعمال الراحلة العظيمة، بل أضحت مصبوغة بالضحالة المبلورة في الأنشطة السائدة وعقليات الطلاب متصدري المشهد في الجامعة

وكانت تدور أيضًا في فلك تأييد ورفض قرارات صادرة من القيادة السياسية في الدولة فعلى سبيل المثال: فريق يؤيد قرارات الحكومة ويحاول أن يقنع الرأي العام لتأييد هذه القرارات وفريق آخر عازف عن الخنوع لقرارات الحكومة ويحاول بسط موقفه على الرأي العام في الجامعة إن لم يتطور الوضع أكثر من ذلك وينحو ناحية إجراء تصعيدات تتمثل في الاعتصامات والمظاهرات الاحتجاجية، أضف إلى ذلك أن كلا الفريقين يحاولان الاستئثار بمجلة الجامعة، أما هنا في دنيا الواقع لا يوجد صراعات في الأساس، وإن وجدت فإنها مهاترات صبيانية، ولا يوجد عقليات تنحو ناحية توظيف الأنشطة الطلابية في التشابك مع القضايا المحيطة، فالخدمات التي تقدم من قبل متبوأين اللجان في الاتحادات الطلابية انحصرت في خدمات تتعلق بدرجات الرأفة وتصحيح ورق الامتحان وغيرها من الخدمات التي توضح مدى ضحالة التفكير المهيمن – مرتبط بنمطية المجتمع – على عقول الطلاب والطالبات.

ففي دنيا الواقع لا يوجد بين الطالبات سوسن المتملصة من قبضة أسرتها اليمينية – لا سيما والدتها خديجة – في رواية (سوسن وخديجة) أو ندى عبد القادر – في رواية (فرج) بنت دكتور الهندسة عبد القادر سليم التي تمترست وراء دراستها بعد ما تم التنكيل بها وفضح صديقها حازم – الطالب في بكالوريوس طب – ضيق أفق حبيبها شاذلي الذي كان يواري وصوليته في رداء الماركسية أو شجر – في رواية أطياف – التي تمكنت بتفوقها في التاريخ من تبوء كرسي أكاديمي ورغم ذلك لم تسبح به بعيدًا عن الطلاب في سماء الحياة الأكاديمية، بل ظلت تناضل مع الطلاب، رغم أن نضالها كان سيأتي على أنقاض كرسيها الأكاديمي.

كما أنها شدت من أزر الطلاب في اعتصامهم كما أنها لم تشح وجهها عن المجازر التي ارتكبت في حق الفلسطينيين فوثقت مجزرة دير ياسين 1948، ووثقت أيضًا مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا 1982، ولا يوجد بين الطلاب أدهم باحث علم الاجتماع – في رواية الحجر الدافئ – أو فخر الدين طالب كلية الحقوق الباحث عن الحرية والناشط في النشاط الطلابي – شخصية في رواية عز الدين شكري فشير(مقتل فخر الدين) – أو حازم صديق ندى – في رواية فرج – أو حسين عامر المهندس الذي يعتبر نبراس أمل في حياة كل من يعرفه، في رواية الباب المفتوح للدكتورة لطيفة الزيات.

ففي دنيا الواقع لم تعد الاتحادات الطلابية كما نقل لي من أعمال الراحلة العظيمة، بل أضحت مصبوغة بالضحالة المبلورة في الأنشطة السائدة وعقليات الطلاب متصدري المشهد في الجامعة، فربما تبدو مزاعمي المضفاة بالاتهامات قاسية، ولكن هذه الحقيقة المستقاة من الحياة في الجامعة منذ دخولي أسوارها في العام الدراسي 2015 – 2016، وهذه المزاعم منبتة الصلة بكل من ناضل في باحة الجامعة قبل أحداث 3 يوليو (تموز) 2013 التي ترتب عليها ضمور الحراك الطلابي تدريجيًا، حتى أضحى فكرة هلامية في دنيا الواقع، وتمخض على نضاله إزهاق روحه أو سلب حريته أو التنكيل به بدنيًا أو تقصده من قبل أعضاء هيئة التدريس أو فصله من الجامعة، فالمجد للروائع الأدبية للدكتورة رضوى عاشور التي زجت بي في الحياة بزمن لم أعش فيه، وكانت الأنشطة الطلابية في أوجها، والخديعة لي؛ لأني ظننت أن هذه الصورة التي نقلت لي عن أنشطة الاتحادات الطلابية من خلال أعمالها هي ذات الصورة المهيمنة على المشهد في دنيا الواقع، ولم أفقه أنها من قبيل الأطياف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.