شعار قسم مدونات

رؤية 2030.. الهوس بالإخوان المسلمين يعني قتل بالمناشير وإذابة بالأسيد!

blogs خاشقجي

لنفترض جدلاً أن الصحفي جمال خاشقجي رحمه الله كان منظّراً فكرياً للإخوان المسلمين، وإن كنا لم نسمع من قبل بأن صحفياً أو كاتباً قادماً من مهنة المتاعب تحوّل لمنظّر إخواني، فهل بعد هذا الافتراض الوهمي من العدالة تجاوز حقه في المثول أمام القضاء أو المحكومية بالسجن، وهل فرضية أنه كان إخوانياً أو متبنياً للفكر الإخواني، تعني دعوة مجانية للقتل بالمناشير والإذابة بالأسيد، ثم هل وصلت إدانة هذا الحزب السياسي إلى تلك المرحلة المتقدمة من الفجور، بحيث أن من ينضم لكوادره الفعلية أو على الأقل من يدور في فلكه تتم إدانته إلى ذلك الحد؟ 

من الواضح أن اتهام خاشقجي بالانضواء تحت فكر الإخوان جاء من حقيقة ميله للفكر التحرري الذي ينادي بانعتاق الجماهير من ربقة السلطات، ولكونه من الكتاب الحالمين الراغبين في التغيير، وهي ثوابت فكرية لاقت هوى معيناً في نفسه، وهو العاشق لنمط الحياة التركية بدلالة رغبته في الارتباط بالفاضلة خديجة جنكيز، وهذه حقائق تعكس نوعية الشخصية التي كانت عند الرجل بمعنى أنه كان مسالماً ولم يكن خلاف ذلك، وجاء الحديث الذي أدلى به نجلاه صلاح وعبد الله مع شبكة سي أن أن الإخبارية بياناً لشخصه وأنه لم يكن عضواً في الإخوان، وكشف نجلاه ما كان يتمتع به من صفات كالكرم والتواضع ومحبة الجميع، وأمنيته المتمثلة في أن يدفن في البقيع.

 

ومن الواضح أنه لم يصل جدلاً لمرحلة الانضمام الحزبي، وبالتوازي مع ذلك فتاريخ الإخوان المسلمين في مصر والمغرب وسوريا والكويت والأردن واليمن يتراوح بين تيارين المتشدد والمتساهل برمزين هما الحمائم والصقور، ولم يثبت الحزب يوماً على نحو واحد، وإن كان أقرب للسلمية منه لنقيضها بدلالة شعاره في مصر سلميتنا أقوى من الرصاص، فكيف يجري توصيفه بالشر المطلق؟

 

التصنيفات السعودية الجديدة لخاشقجي بأنه إسلامي متشدد تأتي لغايات سياسية، وفيها تجن واضح في ملف يسبق فيه السياسي الأمني

وبالتوازي مع هذا يصح القول أن التقاليد الكتابية والصحفية لا تحصر الكاتب في مسمى مخصص مذهبي مئة في المئة، فالكاتب في المحصلة هو جامع للأفكار الإنسانية من كل حدب وصوب، وهو القاسم المشترك بين عدة تيارات، وقد يحمل ميولاً محددة قومية أو إخوانية أو صوفية أو سلفية أو حتى علمانية، لكن على الرغم من كل ذلك فهو في اللحظة نفسها يعبر عن نفسه، ولا يحاسب على ميوله ولا يدان عليها أو تفرض الرقابة على كلماته إلا في البلدان القمعية، وفي السياق نفسه فإن الإشارات الموجودة في فكر أي كاتب لا يمكن محاسبته عليها ما لم تصل لمرحلة العمل السري تحت الأرض مثلاً، فتجريم العنف يشرّع عندما يصل لمرحلة التطبيق، ومعلوم أن خط سير الإخوان هو خط سلمي وقريب من الحكومات والسلطة وهذا مشاهد في الحالة المصرية.

وبالعودة للكتابة تحت تأثير الأجواء الإخوانية، فمن باب أولى مقارعة الفكرة بالفكرة، ومن المفيد استذكار كيف أن العشرية السوداء في الجزائر لم تتكرر في بلدان أخرى نتيجة للتحاور مع الأطياف المعارضة للدولة، ولم تصل لمرحلة القتل المباشر مع حزب يؤمن بقواعد اللعبة السياسية، والعنف الذي تحقق كان من جراء الظلم الواقع عليه، وبالأخص بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، وسرقة النتائج التي جاءت بها صناديق الاقتراع، فهنالك دوماً خطوات ينبغي استنفادها قبل الوصول لمرحلة الصفر، وهذا ليس وعظاً للسلطات.

إن كان ينبغي محاسبة صحفي على كلمة أو عمود أو تبني فكرة، فإن الكثيرين خاضوا وأبحروا في كتابات ومؤلفات حول القاعدة في أفغانستان، إلى حد أنك أصبحت تجد المتخصصين في الحركات الإسلامية مثل الفطر في كل قناة إخبارية، فهل شاهدنا أحداً يدينهم أو يطالب بعرضهم على القضاء جراء ذلك، والخلاصة أن السعوديين يخدعون أنفسهم كما قال محاميهم ترامب بعدما ملّ من الدور الذي مارسه طيلة أزمة القنصلية وتداعياتها.

يبدو أن لسان حال السلطات السعودية بوضعها للعربة أمام الحصان كمن يقول: نريد اتهامك بأنك بينن بين، وهذا تفسيره واضح للعيان، فإن اتهم خاشقجي بالإخوانية، تسقط التهمة لكونهم مسالمين، وإن اتهم بالتطرف وأنه خطير يتبع لتنظيمات كبرى تسقط التهمة أيضاً لكونه يقيم في الولايات المتحدة، فكيف سمح له بهذا بل كيف نال المكانة المرموقة والرعاية والاهتمام؟ ويبنى عليه أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الراعي الرسمي للإرهاب الدولي، أما في حالة صياغة الاتهام بوسطية، فهذا يتكفل بالمخرج المناسب للراغبين في شيطنته.

التهمة الحقيقية لخاشقجي هو أنه كان على صلة بالأوساط الأمريكية الصحفية النافذة القريبة من أصحاب القرار في الولايات المتحدة، كما انه مارس دوراً إعلامياً فذا بوصفه كاتب عمود متخصص في الصحف الأمريكية
التهمة الحقيقية لخاشقجي هو أنه كان على صلة بالأوساط الأمريكية الصحفية النافذة القريبة من أصحاب القرار في الولايات المتحدة، كما انه مارس دوراً إعلامياً فذا بوصفه كاتب عمود متخصص في الصحف الأمريكية
 

من الجدير بالملاحظة أن التصنيفات السعودية الجديدة لخاشقجي بأنه إسلامي متشدد تأتي لغايات سياسية، وفيها تجن واضح في ملف يسبق فيه السياسي الأمني، ولكي تصبح الإدانة ملازمة له، ينبغي البحث عن أدلة تؤكد أنه كان متورطاً في أحداث الحادي عشر من سبتمبر على سبيل المثال، وعلى ذكر الخطورة وأحاديثها يجدر الإشارة إلى أن العم سام أجرى تحالفاً مع بن لادن والقاعدة إبان الغزو الروسي لأفغانستان رغماً عن الخطورة تلك، بمعنى أن العم سام تعامل مع الخطورة من زاوية كونها ليست شراً مطلقاً، ويمكن توظيفها واحتواؤها أبل إن التسريبات الكثيرة كانت على الدوام تؤكد إجراء تفاهمات بين عدة أطراف ومن بينها تنظيم الدولة، فهل كان خاشقجي أكثر خطورة و تشدداً ليتم تصفيته في الحال، أم أنه كان ينطوي على مجموعة أسرار تتعلق بالأمن القومي السعودي مثلاً ؟ وتلك أسئلة متروكة للتاريخ.

إن التهمة الحقيقية لخاشقجي هو أنه كان على صلة بالأوساط الأمريكية الصحفية النافذة القريبة من أصحاب القرار في الولايات المتحدة، كما انه مارس دوراً إعلامياً فذا بوصفه كاتب عمود متخصص في الصحف الأمريكية، وكونه امتلك منبراً يبرز من خلاله ما يريده من أفكار، وإنه لمن العجب العجاب كيف أن من تربى على أعين السلطات هو من أقلقها طيلة الأمس واليوم والغد، وبات واضحاً أن الغد يحمل مؤشرات على تراجع نفوذ السعودية لصالح غيرها في الإقليم كتركيا وإيران، وهذا الانحسار في النفوذ يترتب عليه أجندة جديدة في كافة الأصعدة، وعلى رأسها الملف اليمني، وملف التعامل مع المعارضة في المهجر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.