شعار قسم مدونات

السعادة شيء ثمين ننشده

مدونات - السعادة

ليست هناك سعادة مطلقة، إنما تكون نسبية في مفهومها، لأن الإنسان لا يستقر على حال وتبدو له البداوات، فهو متقلب بين الفرح والترح وبين السرور والشرور وبين التفاؤل والتشاؤم. لا يظننن أحد أن السعادة دائماً حليفة الأغنياء، فقد ترى البؤس في وجه الغني وترى السعادة في وجه الفقير. وقد نقرأ السعادة في وجه من يعيش الشقاء في الحياة، والدليل أن الأجداد قبل أن تلوثهم المدنية الحديثة وأسلوب العولمة المعوج، كانوا سعداء لا يعرفون للقلق والاكتئاب سبيلاً، وأن النوم يأتيهم عسلاً مصفى لا أرق فيه ولا سهر.

فما السر يا ترى ونحن اليوم نعيش قفزة تقنية، ومدنية باهرة يعيش الواحد منا وكأنه في كوكب آخر غير الكوكب الذي نشأ فيه. حلَت له زينة الحياة الدنيا، وذاق طعم الشهوة واللذة فانغمس فيها، وابتعد عن العادات والتقاليد رويداً رويداً، فانسلخ منها وأضحت غريبة في مجتمع كان يأنس الواحد بقريبه وأخيه وصاحبته وبنيه. أصبح كل امرئ له شأن يغنيه عن أقرب الأقربين إليه لذلك رُفعت السعادة من القلوب.

فالسعادة مقرها القلب، ولا يشعر المرء بحلاوتها إلا إذا كان باله مرتاحاً، وغمرته نفحات الإيمان من كل جانب، وارتوى من كل خُلق حسن، وشرب من معين النبوة الصادقة معاني الإباء والعزة. وتزين بالعادات الفاضلة التي تلُمّ الشمل، وتُجمع الشتات وتُوحّد القلوب حتى تتآلف وتقترب من بعضها. فما يحصل اليوم – ولعل السبب في ذلك التطور الهائل والسريع – ينبئ بحدوث كارثة على مستوى العلاقات الاجتماعية. حيث أصبح الإنترنت والفيسبوك والتويتر وغيرها من المسميات الجديدة والحديثة، هي الصديقة والرفيقة حتى في غرفة النوم، ولم يعد يُعر الواحد منا لعلاقاته مع أسرته أي اهتمام يُذكر. فالزوجة في وادٍ والزوج في وادٍ آخر، والأبناء بينهما مذبذبون، لا هم مع الأم ولا هم مع الأب، فينشئون منحرفين، يتلقفهم الشارع ويَزرع فيهم كل أنواع السوء.

أصبحت العزلة عن الأسرة والمجتمع هي الملاذ والخلاص حتى يريح أعصابه من طلبات يومية من والديه الكبيرين، ورغم توفر كل الإمكانات بين يديه فإنه ما زال يتحدث عن قلق وكآبة وملل.

لقد استطاع الغرب أن يغزونا ثقافياً وهو يَربح من ورائنا الملايين، فاحسب الكم الهائل من الاستهلاك للأجهزة الحديثة التي تُنتجها الشركات ولا يهمها في ذلك سوى الربح الخالص. واحسب الأوقات التي يقضيها كل منا وهو منكب على الجهاز يتصفح الانترنت والفيسبوك والتويتر واليوتيوب، وكلها ألفاظ أجنبية نابية أفقدتنا روحنا الأسرية وجعلتنا فتاتاً متمزقين. لكن هذا لا يعني أننا لا نأخذ من المدنية الحديثة شيئاً، ولكننا مع الأسف الشديد استحوذت على تفكيرنا فأنستنا صَلاتنا وعِلاقاتنا وتَربيتنا لأولادنا، فنشأ جيل جديد لا يعترف بالقيم، ومتشبثاً بالمادة والجديد من الالكترونيات.

روح هذا الجيل خاوية على عروشها، فاحترق القلب ألماً واستُبدِل الحب بالدرن، فقسا قلب الولد وتحجّر عقل الأب وصارت الأم كالبلهاء لا تعرف وجهتها، فلا أحد يهتم بها ولا أحد يُقبّل يديها ولا أحد يسمع منها ما تريد. بل التأفف عنوان كل تعامل، والترنح والتبجح صفة كل شاب متهور، زعم أنه يستعرض عضلاته أمام والديه الكبيرين اللذين يحتاجان إلى رأفة ورحمة وقول كريم. نشأ هذا الجيل الجديد مع تمرد كامل على القيم والمبادئ وربما مع الزمن تذوب العادات والتقاليد.

أصبحت العزلة عن الأسرة والمجتمع هي الملاذ والخلاص حتى يريح أعصابه من طلبات يومية من والديه الكبيرين، ورغم توفر كل الإمكانات بين يديه فإنه ما زال يتحدث عن قلق وكآبة وملل وربما فكّر يوماً في أن ينهي حياته بنفسه وعلى طريقته الخاصة. دعوة للشباب أن يتشبث بالقيم والأخلاق وخدمة الناس وعلى رأسهم الوالدان ففي ذلك السعادة.. كل السعادة، يتلذذ كما لو أنه في بحر من الملذات والشهوات، وهو النعيم الأبدي في الدنيا والآخرة. وليعلم كل واحد أن المال ليس الأمر الوحيد الذي يصنع السعادة، فقد يجدها في غيره، وقد يصبح المال أيضاً سبباً مباشراً في تعاسته، وأنت ترى التجارب أمامك، فكم من غني بائس بماله وكم من فقير سعيد جداً بفقره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.