شعار قسم مدونات

المُضادات الحيوية.. دواء أم عصى سحرية؟

blogs المضادات الحيوية

قبل اكتشاف البنسلين، عاشت البشرية عصورًا من الظلام تحت رحمة البكتيريا -عدو الإنسان الأول- فمات الآلاف، وأصيب الملايين، ولم يقدر أحد على الوقوف في وجه هذه الكائنات الدقيقة الفتاكة، حتى خرج الكسندر فلمنج باكتشافه الذي غير العالم، إنه البنسلين، أول مضاد حيوي وقف في وجه البكتيريا، وقضى عليها؛ ومنذ ذلك الوقت بات الناس ينظرون إلى المضاد الحيوي، على أنه عصى سحرية، خارقة، تحميهم من الأمراض، وتخوض نيابة عنهم الحرب مع البكتيريا، فأساءوا استخدامه، ظنًا منهم أنه سيعالج كل الأمراض.

حتى أصبح كوكب الأرض على مقربة من كارثة وشيكة تسمى، البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، والتي متى استكان لها الأمر، وفشلت كل محاولاتنا للقضاء عليها، سنصبح جميعًا في مهب الريح، وسنشهد إبادة جماعية، قد تمثل حربًا عالمية ثالثة، فما هي قصة المضادات الحيوية؟ وكيف تعمل للقضاء على البكتيريا؟ وما هي الطريقة المثلى لاستعمالها؟ وما معنى أن تقاوم البكتيريا عمل المضاد الحيوي؟ وما هي آخر الأرقام والإحصاءات التي تصف حربنا مع البكتيريا؟

ما هي المضادات الحيوية؟

المضادات الحيوية هي أدوية قوية تحارب أنواع معينة من العدوى -ويمكنها إنقاذ الأرواح عند استخدامها بشكل صحيح- عن طريق منع البكتيريا من الاستنساخ أو تدميرها، قبل أن تتكاثر وتسبب الأعراض، وعادة ما تقوم خلايا الدم البيضاء (WBCs) بمهاجمة البكتيريا الضارة، وحتى إذا ما ظهرت الأعراض، فإن الجهاز المناعي يمكنه عادة مواجهة العدوى، دون تدخل، ومع ذلك فإنه عندما يكون عدد البكتيريا الضارة مفرطًا، ولا يستطيع جهاز المناعة محاربتهم جميعًا، فإن استخدام المضادات الحيوية بشكل منتظم مفيد في مثل هذه الحالات.

الاستخدام الأمثل

يصف الطبيب المضادات الحيوية لعلاج العدوى البكتيرية. وهي بالطبع غير فعالة في القضاء على الفيروسات، إذا كان لديك عدوى، فمن المهم أن تعرف ما إذا كانت بكتيرية أو فيروسية، تسبب الفيروسات معظم التهابات الجهاز التنفسي العلوي، مثل نزلات البرد والإنفلونزا، والتهاب الحلق الأولي، إذا أفرط الناس في استخدام المضادات الحيوية أو استخدموها بشكل غير صحيح، كأن يأخذ المريض قرصًا أو اثنين، أو لا يكمل المدة العلاجية، أو لا ينتبه لتناول الدواء قبل الطعام أو بعده، فهناك خطر أن تصبح البكتيريا مقاومة، وهذا يعني أن المضاد الحيوي يصبح أقل فعالية ضد هذا النوع من البكتيريا، حيث أن البكتيريا تصبح قادرة على تحسين دفاعاتها، وبالتالي يصبح المضاد الحيوي بلا فائدة، لا تُستخدم المضادات الحيوية، إلا بعد التأكد من وجود عدوى بكتيرية، غير أنه في بعض الحالات، يمكن إعطاء المضادات الحيوية لمنع العدوى بدلًا من علاجها، كما هو الحال قبل الجراحة، وهذا ما يسمى استخدام "prophylactic" للمضادات الحيوية، ويستخدم الأطباء هذه المضادات الحيوية عادة قبل إجراء جراحة الأمعاء وجراحة العظام.

مقاومة المضادات الحيوية
يظل استخدام المضادات الحيوية، بشكل مفرط، كارثة كبرى على الجميع العمل على منعها، بداية من الطبيب، فلا يستعجل شفاءً، ولا يكتب مضادًا حيويًا إلا في حالة العدوى البكتيرية المؤكدة، إلى الصيدلي

المضادات الحيوية هي أداة قوية لمكافحة البكتيريا عند استخدامها بعناية وأمان، لكن تشير الإحصاءات أن نصف معظم المرات التي استخدم فيها المضاد الحيوي لم يكن ضروريًا، وقد أدى الاستخدام المفرط إلى مقاومة مضادة للمضاد الحيوي؛ إذ تتكيف البكتيريا بمرور الوقت وتصبح "بكتيريا فائقة" أو "بكتيريا خارقة" فتتغير بحيث لا تعد المضادات الحيوية قادرة على القضاء عليها، ومن ثَمَّ تشكل تهديدًا كبيرًا، لأنه لا يوجد دواء قادر على قتلها.

أفضل طريقة للمساعدة في إبطاء انتشار البكتيريا الفائقة أن نتبع الخطوات الأتية:
1. ثق في طبيبك إذا قال أنك لا تحتاج إلي المضادات الحيوية.
2. لا تأخذها لعلاج عدوى فيروسية (البرد والإنفلونزا).
3. خذ فقط التي وصفها لك الطبيب.
4. خذها وفقا للتوجيهات.
5. لا تتخطَ الجرعات المكتوبة.
6. أكمل الفترة العلاجية بعدد الأيام التي يصفها طبيبك.
7. لا تصف المضاد الحيوي لغيرك، حتى وإن ظهرت نفس الأعراض.

آخر البيانات والإحصاءات:

وفقا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) ،كل عام في الولايات المتحدة، يظهر ما لا يقل عن 2،049،442 مرض ناجم عن مقاومة الأدوية الموصوفة لعلاج الالتهابات البكتيرية أو الفطرية. ما هو أكثر من ذلك، يموت 23000 شخص كل عام عندما تفشل هذه الأدوية في العمل.

لم تُطوَّر أي أنواع رئيسية من المضادات الحيوية خلال الثلاثين سنة الماضية، على الرغم من ظهور "البكتيريا الخارقة" المقاومة للمضادات الحيوية المتوفرة. (منظمة الصحة العالمية، 2014).

تم صرف 23 مليون وصفة للمضادات الحيوية من الصيدليات الكندية في عام 2016. (وكالة الصحة العامة في كندا).

توفي 8000 كندي في العام الماضي من الإصابات المكتسبة من المستشفيات. (المعهد الكندي لسلامة المرضى، 2016).

25000 مريض أوروبي يموتون كل عام من الإصابات البكتيرية المقاومة للمضادات الحيوية.(المفوضية الاوروبية).

ومن المتوقع أن يتم إنفاق 1.5 مليار يورو سنويًا على التكاليف المتعلقة بالعدوى المقاومة للعقاقير، بما في ذلك نفقات الرعاية الصحية والخسائر الإنتاجية. (المفوضية الاوروبية).

يتم كتابة 47 مليون وصفات مضاد حيوي لا لزوم لها في عيادات الطبيب وغرف الطوارئ وعيادات المستشفيات كل عام في الولايات المتحدة. (مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها ، 2016).

في الولايات المتحدة، يصاب ما لا يقل عن مليوني شخص كل عام ببكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية ويموت 23000 شخص على الأقل كل عام كنتيجة مباشرة لهذه الإصابات. (مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، 2017)

في الولايات المتحدة، تقتل عدوى المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين ما يقرب من 11285 شخصًا سنويًا. (مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، 2016).

المضادات الحيوية الطبيعية

هل تكون حلًا بديلًا؟ وهل هي آمنة للاستخدام، ومتى يجب أن يستخدمها الشخص؟ وفقا لـ NHS، يعاني 1 من كل 10 أشخاص من الآثار الجانبية التي تضر الجهاز الهضمي بعد تناول المضادات الحيوية، حوالي 1 من كل 15 شخص لديهم حساسية من نوع من الأدوية.

أفضل المضادات الحيوية الطبيعية

1. الثوم
وجدت الأبحاث أن الثوم يمكن أن يكون علاجًا فعالًا ضد العديد من أشكال البكتيريا، بما في ذلك السالمونيلا والإشريكية القولونية (E. coli). تم اعتبار الثوم للاستخدام ضد مرض السل المقاوم للأدوية المتعددة.

2. العسل
منذ وقت أرسطو، استخدم العسل كمرهم يساعد على الجروح للشفاء ويمنع أو يزيل العدوى، لقد وجد أخصائيو الرعاية الصحية اليوم أنه من المفيد في علاج الجروح المزمنة والحروق والقروح وتقرحات الفراش، على سبيل المثال، تثبت نتائج دراسة أجريت في عام 2016 أن ضمادات العسل يمكن أن تساعد في شفاء الجروح. عادة ما تُعزى التأثيرات المضادة للبكتيريا للعسل إلى محتواها من بيروكسيد الهيدروجين، ومع ذلك يحارب العسل مانوكا قبالة البكتيريا، على الرغم من أنه يحتوي على بيروكسيد الهيدروجين أقل.

ذكرت دراسة أجريت في عام 2011 أن النوع الأكثر شهرة من العسل يثبط حوالي 60 نوعًا من البكتيريا. كما يشير إلى أن العسل يعالج بنجاح الجروح المصابة بمكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (MRSA)، يمكن للجزيئات أن تساعد الجروح على الشفاء من خلال توفير طبقة واقية تحمي البيئة الرطبة.

3. الزنجبيل
كما يعترف المجتمع العلمي بالزنجبيل كمضاد حيوي طبيعي، أثبتت عدة دراسات، منها دراسة نُشرت في عام 2017، قدرة الزنجبيل على محاربة العديد من سلالات البكتيريا، كما يستكشف الباحثون قوة الزنجبيل لمكافحة دوار البحر والغثيان وخفض مستويات السكر في الدم، إن أكثر الحواحز التي تمنع اعتماد العلاج بالمكونات الطبيعية، هو سهولة غش هذه المنتجات الطبيعية، والتغيير من تركيبها، وتركيز المواد الفعالة فيها، إضافة إلى ضعف بعضها، أو تلوثه زراعيًا.

يظل استخدام المضادات الحيوية، بشكل مفرط، غير منظم، كارثة، كبرى على الجميع العمل على منعها، بداية من الطبيب في عيادته، فلا يستعجل شفاءً، ولا يكتب مضادًا حيويًا إلا في حالة العدوى البكتيرية المؤكدة، إلى الصيدلي، في عمله، فلا يصف المضادات الحيوية في حالات البرد والإنفلونزا، وإذا ما صرفها لعدوى بكتيرية، فليحسن اختيارها، وشرح استخدامها، وجرعتها المثلى، وعلى الآباء والوالدات ألا يطلبوا المضاد الحيوي، لأبنائهم، وأن يتركوا المتخصص ليقوم بعمله، لأنه في أحيان كثيرة لا يكون للمضاد الحيوي فائدة من وجوده، أنت أيضًا ساهم في إيقاف الكارثة وشارك معلومات صحيحة عن الاستخدام الأمثل للمضاد الحيوي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.