شعار قسم مدونات

رسائل في بريد مبتلى بالإباحية!

blogs لابتوب

يحكى أن ملكا من الملوك كان مبتلى ببلاء أعجز الأطباء والحكماء علاجه، بعث لكل أطباء وأهل الحكمة والدراية في الشرق والغرب وبلاد الهند والصين إلا أنهم فشلوا كلهم في إيجاد علاج لبلاءه، كان هذا الملك يا سادة مبتلى بشرب بوله -أعزكم الله- وكان يشكو مر الشكوى من هذا الأمر وهو الملك الذي تؤتى له كل أصناف الشراب اللذيذة لكنه كان له شغف بشرب ما يخرج من مثانته. إلى أن تدهورت صحته وساءت نفسيته جراء التفكير وسريان السموم في جسده التي هي أيضا ناتجة عن جسده. فماذا فعل الملك؟ أشاروا له بحكيم له معرفة واطلاع في أحوال الطب، وأرسل في طلبه، ولما جاءه قص عليه مأساته، فكر الحكيم بصمت ثم قال للملك، (انت يا سيدي بحاجة إلى عزمة من عزمات الرجال).. هذا هو علاجك لا شيء آخر سواه.

كثيراً ما قرأت كتب وإصدارات عن خطر الإباحية بحكم عملي في قطاع دعوي وسط فئة الشباب في فترة مضت، كان أكثر الأسئلة خجلاً تأتني من مواربة وعن طريق الرسائل عن كيفية التخلص من إدمان الإباحية. تابعت كل المواقع المتخصصة في علاج هذا الداء الأممي الفتاك، وحقيقة أضافت لمعرفتي الكثير بلا شك ولا هضم لحقها. جلها دراسات علمية موثقة وتجارب شخصية يحكي عنها أصحابها كما في موقع (وعي) و(NO FAB) وغيرها، وقرأت سلسلة الإصدارات الممتعة والقوية للأستاذ (الحسن السرات) حول نفس الموضوع، وهي بلا شك فيها النفع والشفاء بإذن الله لو عزم الشخص المصاب بهذا الداء على الإقلاع.

لكن.. لاحظت أيضا أن الكثيرين من خلال التعليقات لم يكونوا إيجابيين بمعنى أن المواد المقدمة لم تؤتي ثمارها معهم، فالإنسان هذا الكائن المعقد العميق جدا رغم سطحيته الظاهرة، يتميز بأهم سمة وهي الاختلاف من شخص لآخر، بعضهم قد تزجره الآيات والمواعظ والرقائق والتلاوات الخاشعة، وبعضهم تسكنهم الموسيقى كالطير في أعشاشها، لكن هنالك دائماً المختلفين، الذين لا ينفعهم لا هذا ولا ذاك ويحتاجون لوصفة خاصة مثل وصفت حكيم الملك.

الاستماع إلى قصص وتجارب الذين نجوا من فخ الإباحية أمر أيضا محفز لكنه لا يكفي لمدمن ينتظر ساعات محددة ليبدأ القلق واللهث باحثاً عن مخدر العصر الحديث

دعوني أثبت ملاحظة أن جل ما اطلعت عليه في محاربة الإباحية كان يركز على الجوانب العلمية والبحثية والفنية والإجراءات العلاجية والوقائية، لكن قليل جدا تلك التي ركزت على محور الرغبة، هذه الكلمة السهلة الممتنعة العنيدة هي مفتاح الحل برأينا. أظن أن الرغبة البشرية في مشاهدة الإباحية أقوى في نفوس الكثيرين من تلك الإجراءات العلمية والنظرية والإجرائية، وهي تستحق النظر لها بعمق وحذق وتحتاج لتربوي حاذق يشرف على انزالها في نفس الشخص المبتلى.

 

الإباحية رغبة إنسانية في أن يكون حيواناً بلا قيد أو حدود، هي رغبة الطين في الخلود إلى الأرض، الإباحية هي حظ الشيطان في حربه ضد الله وضد خليفته في الأرض ابن آدم، الإباحية قديمة في التاريخ الإنساني مذ عهود البابليين والرومان والقياصرة ولا حاجة للاستعراض التاريخي الان، لكن نذكره لنؤكد للمبتلى أن الأمر جلل وانه واقع تحت مأزق بشري أكثر غورا مما يظن. لكنه ليس مستحيل الحل.

أن تقول لشاب عليك ألا تنام والهاتف بجوارك، ولا تنام لوحدك، وتذكر أن تفصل الانترنت عن غرفتك، كل هذه إجراءات طيبة، لكنها لا تكفي لكبح جيش الرغبة إذا استيقظت في نفسه الثانية صباحاً وهو يرتجف باحثاً في دولابه عن هاتفه ليواقع الإباحية ليستطيع أن ينام ولو بفتور وإجهاد جراء سريان نسبة عالية من (الدوبامين) في عقله.

 

إن تذكر شاب بالصلاة والقران والذكر والاجتهاد في العبادة، حسنا هذا علاج فعال لحد كبير جدا كما قال الله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، ومن أصدق من الله حديثا، لكن دع في حسبانك أن هذه الصلاة هي الخاشعة الدامعة من قلب مهيئ حاضر وثاب للعلا ولأبواب السماء، وليس قلب ملئت ملايين الفريمات واللقطات الحارة روحه ونفسه وكيانه حتى التخمة، والدين الإسلامي الحنيف راعى في الإنسان جانب الطين كما راعى جانب الروح، فمن أكثر أخطاء التربويين خاصة وسط فئة المتدينين هي الاتكال على الوعظ النظري للشخص صاحب البلاء، وبربكم لو كان هذا الشخص مؤهلا لسماع مثل هذا وعظ وهو مدمن مرهق مثقل لما لا يستمعه على الانترنت بدلا عن صفح المواقع الحمراء؟!

الاستماع إلى قصص وتجارب الذين نجوا من فخ الإباحية أمر أيضا محفز لكنه لا يكفي لمدمن ينتظر ساعات محددة ليبدأ القلق واللهث باحثاً عن مخدر العصر الحديث ولو كلفه الأمر التحول من موقع ضد الاباحية إلى موقع إباحي، كثيرين عانوا في صمت ولا يزالون من هذا السم الملون الزاهي والمحبب إلى نفوس الملايين حول العالم، من كل الفئات والأعمار والجنسيات أصبحت الإباحية داءهم المزمن الذي يحاولون الإقلاع عنه وهم يئنون من وقع سياط تأنيب الضمير عقب الفراغ من جلسة المخدرات. انا هنا لست معارضاً لتلك الحلول كلية ولا حتى جزئياً، لكنني هنا أود وضع رسائل في صندوق مبتلى بالإباحية، رجلا كان أم امرأة، فالكل الآن صار تحت التهديد:

رسالة أولى:
أنت بحاجة إلى عزمة أكيدة من قرارة نفسك لتقلع عن هذا العفن الذي سوقته لك العولمة على أنه بحر من عسل، انت بحاجة لتبحث عن هذه العزمة في قرارة روحك المعذبة الباكية النازفة كل ليل، جرب أخرج وتنشق هواء الليل أو مع نسمات الفجر الأولى، صل الفجر حاضرا، غن كنت حتى مسيحيا فأنا أعنيك وأدعوك أن تبحث عن خلاصك من هذا السم ولو بالبكاء للرب قبل يوم الأحد. علك أيها الإنسان تجد خلاصك في دار عبادة الله، علك تجد هذه العزمة في نظرة فلاح يقوم مع أول طلائع الفجر لحرث الأرض وتجهيزها للزرع بينما أنت بكل كسل الدنيا تتأهب للنوم.

هذا العالم ينتج في اليوم ما لا يقل عن ملايين المواد الإباحية ليدمر نفسه، الاف الشركات والممثلين والمنتجين والمعدين والوكلاء، كل هؤلاء قرروا في لحظة ما أن يغتالوك، فهل أنت مستعد للنزال؟
هذا العالم ينتج في اليوم ما لا يقل عن ملايين المواد الإباحية ليدمر نفسه، الاف الشركات والممثلين والمنتجين والمعدين والوكلاء، كل هؤلاء قرروا في لحظة ما أن يغتالوك، فهل أنت مستعد للنزال؟

رسالة ثانية:
أنظر لكل الجمال الذي حولك، جرب الآن وانظر لأهلك، أبناءك الصغار، زوجتك الحنون، ليست عاهرة محترفة كتلك (المودل) لكنها لو كشف الله لك الحجب لرأيت مدى حبها لك وإخلاصها لك ولأن تجعل منك رجلها الأول والأخير.. ألا يستحق هؤلاء النبلاء في حياتك أن تقلع وتكون لهم بكاملك؟ ألا يستحقون ساعاتك التي تقضيها في البحث عن لقطة شاذة لترضي شيطان الكآبة داخلك؟ انظر وتأمل للطبيعة من حولك، جرب ان تستلقي على عشب طري وحاول بصدق أن تسمع حديث الأعشاب وهي تناجي الله في وقار أخضر مشرق. جرب أن تغطس أن تركض أن تكافئ نفسك حقيقة لا وهما بإنجاز حقيقي.

رسالة ثالثة:
وهذا جزء من الحلول الإجرائية وأكثرها نفعا إن شاء الله، هل أنت راض عن وضعك الراهن؟ مادياً، لما لا تكون أغنى من وضعك الآن، لما لا تجهد نفسك في مشروع ينقلك وأهلك من الأحياء الفقيرة إلى الأحياء الراقية، هل تظن أنهم أفضل منك ليسكنوا هناك وتسكن أنت في هذه الغرفة الكئيبة المتسخة وتبعثر الوقت في البحث عن مخدر يلهيك عن وضعك، اخرج من جبك للحياة، وطور من عملك وعيشك ووضعك عامة.

أخيرا:
إلى التربويين عامة، تعرفوا مع من تتعاملون، نحن البشر لسنا روبوتات قابلة للبرمجة والتشغيل، لكل من جينات وبصمة وذوق ولون مفضل وشراب مفضل وبالضرورة أسلوب وطريقة حياة. لا تكرروا على مسامع الشخص المبتلى بالإباحية نفس المقاطع والدروس والعبر، لعلها تزيده رقها أنه ضعيف وعاجز أن يغدو مثل من تذكرونهم. حفزوهم واربطوهم بالله واستمعوا لهم أكثر مما تتحدثون إليهم، هم بحاجة شديدة للحديث عن أمر محرج وقاس على كبرياءهم، انصتوا يرحمكم الله.

إليك أنت أخي وأختي المبتلى أنت بحاجة لثقتك بنفسك، وأهلك، وزوجك وأطفالك، انت بحاجة لعملك ولأناقتك الشكلية والروحية، انت بحاجة لاتزانك العاطفي أن يكون حقيقاً متجدداً، متوهجاً، لا تطفئ وهج روحك تحت ضوء الموقع اللعين، أقلعي انت اختي زميلتي في العمل وفي البيت عن التردد ولو مزاحا مع صديقاتك على مواقع العفن تلك، فهي تبدأ هكذا وتتحول لطامة وفضيحة وأقله لبرود واكتئاب ورغبة في الانتحار ودونك الدراسات والاحصائيات بذلك.

هذا العالم ينتج في اليوم ما لا يقل عن ملايين المواد الإباحية ليدمر نفسه، ملايين الدولارات لهذه الصناعة الشيطانية، الاف الشركات والممثلين والمنتجين والمعدين والوكلاء، كل هؤلاء قرروا في لحظة ما أن يغتالوك، فهل أنت مستعد للنزال أم ستفعل كما الملك وتشرب السم؟ القرار إليك الان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.