شعار قسم مدونات

شفرات الحركة السلفية القاطعة!

blogs السلفية

الحركة السلفية حركة إحياء ورجوع إلى منبع الأمة الأصيل من فهم وتقرير وعمل، وهدفها هو أسمى الأهداف، وشعارها هو أنبل الشعارات: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها). وقد سار في ركابها أنبل الرجال، وأشرف من في الأمة من علماء واتباع ومؤيدين. وفي نفس الوقت استهدفت الحركة من قبل المتسلقين والمنافقين والمعادين لها بالتشوية والحرب الإعلامية واختراق صفوفها فكريا وأمنيا. وروجت مسلمات لم تكن أبدا من أصول منهجها واضطهد الصادقين منها وأبرزت أجهزت الإعلام -المسيرة من مخابرات دول بعينها- من ليس منها، تغريرا وتبديلا لمسيراتها. فأصبح من الصعوبة بمكان أن ترصد كل الظواهر الناتجة عن الحركة السلفية سواء سلبية أو إيجابية بعد دخول الدخن على خيرها، وباتت كالشفرات القاطعة للحركة، وتعددت جروحها حتى أذهبت ريحها.

ومن أبرز هذه الشفرات المؤلمة للحركة السلفية المعاصرة:
1- أن الحركة ليست جبهة واحدة، إذ أن تنوع المشايخ وتعدد المدارس جعل الأمر يختلف من شيخ إلى آخر، لأن تلاميذ كل شيخ تسرق من طبعه وسمته، وهذا أمر مسلم به في القدوات وهديهم وسمتهم، فمحاكاة الشيخ حتى في لزمات كلامه أصبح معلوما لا يخفى على أحد. وتحول الأمر لمجرد المحاكاة الشكلية في كل صحيح وخطأ، حول هذه السمة إلى شفرة، خلطت بين الحركة والمنهج.

إذ أن المنهج له ضوابط واضحة هي أقرب السبل إلى الحق، أما الحركة فقد تخرج عن المنهج وتعاديه. على سبيل المثال الواقعي: القول ببدعة (الانقلابات) العسكرية والتي كانت ديدن الكثير من مشاهير الحركة السلفية ومشايخها في السنين الماضية، اختفت بمجرد الانقلاب على السلطة الشرعية المنتخبة في مصر ولم نسمع واحد من الذين صدعونا بالتحذير من هذه البدعة يتكلم في حق السلطة في مصر. بل طرحت مسائل من باب الجدال في لسياسة الشرعية المخترعة الجديدة مثل (مرسى رئيس أم حاكم) انتهت بمجرد صعود العسكر وأبدلوها بالنظر في المألات والمفاسد والمصالح وأن المنقلب متغلب وله السمع والطاعة وعبارات طنانة ورنانة لا يأتي من ورائها إلا ضياع الوقت في مناقشات فلسفية.

تناقل الانحرافات في الحركة وتوارثها من جيل إلى جيل تكمن خطورتها في أن الشيخ يكتسب عصمة كعصمة ملالي الشيعة، وبيان أخطاء العالم أو الشيخ يتحول لطعن في المنهج وخروج عن السلفية الحقة

والحقيقة الواقعة أن من قاد الانقلاب في مصر هم العلمانيين وكانت دعواهم لمحاربة الإخوان ما هي إلا ستار لمنع انتشار الدعوة الإسلامية والحيلولة دون وصول حاكم مستقل عن التبعية. هذا الصمت المطبق، يجعلك ترتاب من هذه الحركات وتدرك أنها (تقطع على المنتسبين لها الطريق إلى حقيقة ونقاء وصفاء المنهج السلفي). وهذه المشكلة الحقيقية في وجود مثل هذه الشفرة التي لا يميز فيها الاتباع بين الصحيح والسقيم واتسمت بالحدة لدرجة تصل بأصحابها لمولاة الكافرين والمنافقين والوقوف في صف واحد مع أعداء الدين.

2- الشفرة الثانية هي (الوجادة): أخذ العلم من الكتب دون سماع من المشايخ، وهي في الحقيقة نوع من الخروج على مشكلات الشفرة الأولى فتعلم طالب العلم السلفي الخوض في كتب السلف ومعرفة مفاتيح العلوم ليصبح أي طالب علم نابغة، مرفوض من غالب الحركة ولا مكان له مهما كان محصوله العلمي. مقارنة بالطلب البطيء والممل أحيانا على يد شيوخ والذي بعضهم ما هم بشيوخ ولا أنصاف طلبة علم. هذا التمسك الغير مبرر إلا ببعض العبارات (كمن كان الكتاب شيخه كثر خطؤه)، قطع الطريق للوصول إلى أصول المنهج السلفي من منابعه. وإلا لماذا كتب السلف حريصة على التعريف بمذاهبهم وطرائقهم في الكتابة ومصطلحاتهم، ولماذا لا يتم الجمع بين التلقي عن المشايخ والتدريب على البحث والقدرة والتقرير.

3- شفرة تناقل هذه الانحرافات في الحركة وتوارثها من جيل إلى جيل بحكم (قوانين الوراثة) عن الشيخ، التي تنقل المرض من جيل إلى جيل، ولا مكان للأصلح علميا، بل المكان الحقيقي هو للموروث الفكري المتدفق من الشيخ إلى التلاميذ، ويغلق في هذه الحالة باب النظر والاستدلال إلا على أصول الشيخ. وتكمن الخطورة في أن الشيخ يكتسب عصمة كعصمة ملالي الشيعة، وبيان أخطاء العالم أو الشيخ يتحول لطعن في المنهج وخروج عن السلفية الحقة.

فتحول المنهج لشيخ والشيخ لمنهج وأصبحت تقريراته هي تقريرات معصومة لا يقترب منها أحد، ومن أشهر المعاصرين في ذلك تقريرات الشيخ الألباني في مسائل الإيمان خاصة، والتي تحولت لمذهب ومنهج وأصبح الموضحين لعوارها هم خارجين عن السلفية الجادة، وتقريرات ربيع المدخلى التي صار يعادى ويوالى عليها حتى باتت طائفة كاملة من منتسبي السلفية (مدخلية)، وهكذا يتحول الأمر من كون الشيخ هادي للطريق إلى كونه هو الطريق ذاته، وشتان بين المفهومين.

4- شفرة التحسين والاشتراط الغير شرعي في نوازل الأمة، كاشتراط الإمام والأرض المنفصلة والتمايز مع سلامة الراية بالكلية لقيام جهاد الدفع في بلاد احتلتها جيوش أجنبية وطوائف ممتنعة محاربة لقيام الشريعة الإسلامية موالية للمستخربين. مخالفة لما استقر عليه قول فقهاء السلف على سبيل المثال: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى المصرية 4/508: (أما قتال الدفع عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفع فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان) وقال أيضاً: (وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام بمنزلة البلدة الواحدة وأنه يجب النفير إليها بلا إذن والد ولا غريم).

فأصبح أمر الجهاد يحتاج إلى إمام غائب تماما كالشيعة لينعدم ويسقط كسقوط الجهاد عند الشيعة القدماء (وأقصد القدماء) لأن نظرية ولاية الفقيه قضت على مسألة الانتظار في السعي للتمكين لحين نزول الإمام وتعطيل الجهاد لحين وجود الإمام. في نفس الوقت الذي دفع مجموعة من المتسرعين لإعلان خلافة بشروط الممتنعين من أرض وراية وقرشي النسب- كما يدعي- وتميز، ودعوا جموع المسلمين للانضمام إليهم وأسقطوا شرعية كل من خالفهم. وآل الأمر إلى لا جهاد صحيح ولا خلافة حقيقة، مع ضياع جهود وطاقات الحركة السلفية في تنظيرات لا طائل منها إلا تشتيت القوى والغياب عن الواقع الملموس.

في ظل حملات الاعتقال والسجن والقضاء على المخالفين للنظام العلماني أو النظم المتسترة بخداع الجماهير، لا يبقى على الساحة إلا المرضى عنه أمنيا أو الموجه عن بعد أو الموجه عن قرب
في ظل حملات الاعتقال والسجن والقضاء على المخالفين للنظام العلماني أو النظم المتسترة بخداع الجماهير، لا يبقى على الساحة إلا المرضى عنه أمنيا أو الموجه عن بعد أو الموجه عن قرب
 

5- وتنشأ شفرة عن مسألة جديدة نتيجة الغلو في أهل العلم ومشايخ الحركة، وهي في الأصل مخالفة للتوحيد: (إطاعة العلماء في تحليل ما حرم الله وتحريم ما حلل الله). فالعلماء في الأصل لا يحلون ولا يحرمون من تلقاء أنفسهم، ولكنهم يبينون الأحكام حسب ما يستنبطون من نصوص الوحي. ولذلك أمر الله تعالى بسؤالهم فقال: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". (النحل:43). وقال تعالى: "وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ". (النساء: 83) وقال عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ". (النساء:59). وأولوا الأمر قال ابن عباس وجابر رضي الله عنهم: هم الفقهاء والعلماء الذين يعلِّمون الناس معالِمَ دينهم. وهو قول الحسن والضحاك ومجاهد. كما ذكر البغوي في تفسيره.

6- وترتب على الإتباع والطاعة العمياء للمشايخ شفرة سلفية جديدة في (علم الجرح والتعديل) فكل ما خالف الشيخ مجروح وساقط العدالة وكل ما وافق الشيخ فهو عدل ضابط (في حين أنه قد يكون الشيخ نفسه محرف ساقط العدالة وعند الأمن في رتبة ضابط). ولا عجب فالسلفية أصبحت مطية لبعض الأنظمة ونظام ما يدعي السلفية لا تتعجب أن يكون شيخا سلفيا فيه برتبة ضابط للمخابرات.

7- ويدور في نفس فلك المشيخة وهالة التمشيخ شفرة ما يسمى (بالانتقاء الطبيعي الموجه)، وهو طبيعي لأنه في ظل وجود هالة الشيخ وقطيع الأتباع لابد من وجود انتقاء للتلاميذ الأتباع والموجه لأنه في ظل حملات الاعتقال والسجن والقضاء على المخالفين للنظام العلماني أو النظم المتسترة بخداع الجماهير، لا يبقى على الساحة إلا المرضى عنه أمنيا أو الموجه عن بعد أو الموجه عن قرب فيصبح التواجد موجه أمنيا بطريق مباشر أو غير مباشر. بل إن الظهور وطباعة الكتب وذياع الصيت وحرية التجول تتوقف على مدى الألغام التي يزرعها الشيخ في طلبته والتي ستنفجر وتتعقد فتفرق الحركة لحبات متناثرة، بعدها لا تقام لها قائمة ولا وزن‏، وهذا هو المخطط لها سلفا في أقبية المخابرات. الحقيقة المرة أن الحركة السلفية تنزف من هذه الشفرات القاطعة، وأكثر ما تنزف منه هم المغفلين عنن حسن قصد ونية الذين يعتبرون الدعوة للإصلاح هدم، ويعتبرون المكاشفة والمصارحة فُجر في الخصومة، فيالتهم أدركوا الواقع أو صمتوا عن تجهلهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.