شعار قسم مدونات

فلسطينيو لبنان.. مأساة مستمرة

فلسطينيو لبنان

نعم، يحدث في لبنان أن يصير الدم ماء، وأن تتحول كريات الدم الحمراء والبيضاء إلى كرات تتقاذفها المؤسسات الطبية، وأن تصبح البلازما شاشة تعرض كيف تلوك صفائح العنصرية لحماً طرياً بعمر الزهور! إنها قصة الطفل الفلسطيني اللاجئ في مخيم نهر البارد، محمد مجدي وهبة (ثلاثة أعوام) الذي فارق الحياة على عتبات مستشفى حكومي في مدينة طرابلس شمالي لبنان، لأن أهله وذويه لا يملكون تكاليف علاجه.

وفاة الطفل محمد، قصة مكررة لمأساة مستمرة أودت بحياة عشرات الفلسطينيين في لبنان على مدار السنوات الأخيرة، فقبل عدة أشهر ودّع اللاجئون الفلسطينيون في مخيمي نهر البارد والبداوي، الطفلة إسراء اسماعيل، التي توفيت أيضاً بسبب نزيف حاد في دماغها إثر حادث، بعد رفض أحد المستشفيات استقبالها بحجة عدم توفر جهاز تنفس اصطناعي.

رغم قيام المشيعون بتوجيه أصابع الاتهام في وفاة الطفل محمد، إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بسبب سياسة التقشف التي اتبعتها خلال الأشهر الماضية وتراجع مستوى الخدمات الصحية، فإن ذلك لا يعفي الدولة اللبنانية من مسؤوليتها عن الجريمة، ويفتح من جديد ملف ومسألة الحقوق الإنسانية والمدنية لللاجئين الفلسطينيين في لبنان والتي يأتي في مقدمتها حق العلاج وحق الانتساب إلى الضمان الاجتماعي.

شماعة العودة
منذ أن تعالت أصوات إسرائيلية ودولية في خمسينيات القرن الماضي لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عبر توطينهم في الدول التي لجأوا إليها، أعلن الفلسطينيون رفضهم لهذا الحل وإصرارهم على العودة

قد يبدو غريباً بعد مرور سبعة عقود على نكبة الشعب الفلسطيني، الحديث عن الحقوق المدنية، خصوصاً وأن أكثر من تسعين في المائة من اللاجئين المقيمين في لبنان ولدوا وترعرعوا هناك بعد النكبة، حيث لاتزال الجهات الحكومية تتعامل مع مسألة الوجود الفلسطيني من منطلق الخلافات السياسية الداخلية، وترفض إعطاء الفلسطينيين حقوقهم تارة بحجة أن ذلك يؤدي إلى الإخلال بالتوازنات الطائفية في لبنان، وتارة أخرى بذريعة رفض التوطين والحفاظ على حق العودة.

في حين أن مثل هذه المخاوف والذرائع لم تكن حاضرة حين تم منح الجنسية اللبنانية لمسيحيين وأثرياء فلسطينيين إبان النكبة، ما يشير إلى أن الأساس في هذه الحجج الواهية هو التمييز العنصري والتعامل مع الفلسطينيين كمهاجرين من فئة خاصة ودونية. الأمر الذي يتنافى مع تعريف لبنان لنفسه كدولة عربية حضارية، وكم مؤسف ومؤلم الإشارة هنا إلى أن فلسطينيي الداخل الذي يعرفون بـ عرب 48، يتمتعون بكامل حقوقهم المدنية في كنف دولة الاحتلال الإسرائيلي. 

رفض التوطين

منذ أن تعالت أصوات إسرائيلية ودولية في خمسينيات القرن الماضي لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عبر توطينهم في الدول التي لجأوا إليها، أعلن الفلسطينيون رفضهم لهذا الحل وإصرارهم على العودة إلى ديارهم، وقد جددت الأجيال الفلسطينية اللاحقة رفضها المطلق لمبدأ التوطين، وتمسكها بحق العودة. كما أعلن الفلسطينيون في لبنان عبر ممثليهم، عدم رغبتهم في نيل حق الاقتراع في حال تم منحهم حقوقهم المدنية، على أمل أن يقدم ذلك تطمينات للسلطات اللبنانية الرافضة لمنح حقوق للفلسطينيين بحجة أن ذلك سيؤدي إلى إخلال في التوازن الديمغرافي باعتبار أن غالبية اللاجئين الفلسطينيين مسلمون.

ليس أخيراً تصريح وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، بأنه
ليس أخيراً تصريح وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، بأنه "مع مساواة المرأة والرجل، وإعطاء المرأة حق إعطاء الجنسية لأولادها، لكن باستثناء الفلسطينيين والسوريين حفاظاً على أرضنا"
 
انتهاكات مستمرة

ظل الفلسطينيون طيلة العقود الماضية محرومين من أبسط الحقوق الإنسانية والمدنية، إذ يمنع قانون العمل اللبناني اللاجئ الفلسطيني من العمل في سبعين مهنة، وتكفي الإشارة هنا إلى أن أكثر من ستين في المائة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، وأن نحو أربعين في المائة منهم لا يملكون أي مورد رزق. كما أن قانون التملك اللبناني يتضمن فقرة تنص على أنه لا يجوز تملك أي حق عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، في إشارة واضحة إلى اللاجئين الفلسطينيين.

وليس أخيراً تصريح وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، بأنه "مع مساواة المرأة والرجل، وإعطاء المرأة حق إعطاء الجنسية لأولادها، لكن باستثناء الفلسطينيين والسوريين حفاظاً على أرضنا". باعتبار أن منح الجنسية لأبناء ثلاثة آلاف امرأة لبنانية متزوجة بفلسطيني يشكل خطراً وجودياً على لبنان! آن الأوان أن تعيد السلطات اللبنانية النظر في سياساتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وأن تنظر إليهم كقيمة إنسانية وليس كأعداء يشكلون تهديداً للهوية اللبنانية. آن الأوان أن تكف عن استخدامهم في ترويج سياسات عنصرية. آن الأوان أن تتم ترجمة خطابات القادة اللبنانيين الحماسية والملتهبة المدافعة عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، إلى إجراءات عملية تبدأ من منح الحقوق للاجئين الفلسطينيين، مما يجعلهم أكثر قدرة على الصمود وتحمل أعباء اللجوء إلى حين العودة، أسوة بنظرائهم في الأردن وسوريا، الذين يتمتعون بكافة حقوقهم، دون أن يقلل ذلك من التزامهم بقضيهم الوطنية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.