شعار قسم مدونات

كيف يمنعنا الخوف من خوض معارك الحياة؟

blogs الخوف

يحدث أحياناً أن نتراجع للخلف خطوات ولا نسير في الطريق الذي رسمناه لأحلامنا مراتٍ ومرات، نتعثر ولكننا في بعض المواقف لا نستطيع النهوض لأننا رضينا دون أن يهمس ضميرنا بردة فعل توقظنا من عثراتنا المستمرة، لعله الخوف هو الذي يطبع على شفاهك الاستسلام دون أي مقاومة. نعم نحن نجلد أنفسنا بالخوف الذي يعشعش في عقولنا ويخدرنا عاجزين عن التلفظ أو التفوه بما نرغب، ونبني سوراً عالياً من الكلمات السلبية حتى نجثو على ركبتينا ولا نستطيع الرؤية لما خلف السور، لأننا رضينا بالهزيمة وفتحنا ذراعنا لاستقبالها وبكل ترحاب.

الخوف هو خيانتك لأفكارك، مواهبك، مهاراتك، الاستسلام دون مقاومة، ألا تتقدم، أن تحتفظ برأيك دون أن يلج النور إلى عقلك، مما سبب لنا ركوداً يصح أن أسميه بالركود العقلي، الخوف الذي يحاصر أفكارنا دون أن نلقي لها بالاً، الخوف من أن نخطو إلى الأمام وفي النهاية نقبع في سجن مظلم كان الأول والأخير في حبسنا هو خنوعنا وانسحابنا مع التيار. هل حدث وشعرت بالخوف لمجرد أنك مقبل على وظيفة؟ هل حدث وإن شعرت بالخوف من مديرك؟ هل حدث وإن شعرت بالخوف من الادلاء بصوتك لناخب معين؟ هل وهل الإجابة حتماً نعم. لماذا نعم؟ لأننا تربينا على الخوف رضينا بالواقع كما هو بسلبياته وإيجابياته، الخوف الذي شربناه من مياه عكرة فعكرت حياتنا كلها.

الخوف من بنات أفكارنا زرعناه في عقولنا وجعلناه ينمو حتى كاد يخنقنا حفاظاً على سلامتنا، سوف تتعثر في طريقك للتغلب على الخوف لأنه لا مناص للتغيير سوى بردم الفجوات التي خلفناها ورائنا نتيجة لصمتنا المعيب والمخزي، سوف تتيقن أن الخوف الذي نبت في عقلك ما هو إلا خيال صادفته في أحلامك. والأسباب التي جعلتنا محاطين بهالة من الخوف هو البيئة التي رسمت لنا حدوداً كي لا نتخطاها وإلا جرفنا التيار.

لكي تتحرر من خوفك عليك بالإيمان بما تفعل كن صادقاً مع نفسك واثقاً بما ستقوم به ولا تخنع أو تضعف لأنك حالما رسمت طريقك بنفسك إياك أن تتراجع لأنك خسرت الكثير ولم يتبقى إلا القليل لتخسره

يقول المثل: الشجاع يموت مرة والجبان يموت مراتٍ ومرات. وأبسط ما مررت به وعانيته في حياتي العملية الاختيار بين دراسة الإعلام أو اللغة العربية من قبل والدي ووالدتي، إلا أني مضيت على رأيي ولم أستسلم لقرارهم، قضيت أول سنة في دراسة اللغة العربية كتب أفتحها بلا طيب، جامعه أدخلها بتلبد، علامات على المحك، وجميعها كانت إرهاصات لكي أكون في عداد الطلاب المهملين، هنا عقدت العزم ودخلت كلية الاعلام في السنة الثانية وبدأت الحياة تعود إليّ من جديد.

لعلي استحضر موقفاً آخر لإحدى صديقاتي التي أقبلت على مشروعها الخاص والذي هو عبارة عن food truck بالعربية عربة طعام لبيع المشروبات والوجبات الخفيفة، لكنها وجدت بعض الصعوبات التي اعترضت طريقها، ومنها: رفض ذويها لمشروعها كونه يتعارض والبيئة المحلية، إلا أنها ذللت الصعوبات وخاضت معركتها لوحدها حتى تحقق مرادها وانتصرت فيها، بعد إصرار وتحدي وقطعت أشواطاً من السنوات تكللت بالنجاح.

ليس فقط الخوف فيما نقدم عليه ويتعلق بذواتنا الشخصية أيضاً في مجالات الحياة المختلفة، فالرضا بالواقع واستحسان الرديء وجعل الخوف شماعة نعلق عليها تخاذلنا، وهذا ما افرزته الثورات العربية وأطلقوا عليها ما شئتم من التسميات إلا أن ما أقدمت عليه الشعوب كان بمثابة الشرارة التي أيقظت أصحاب الكهف من سباتهم.

كما للخوف سلبيات فله أيضاً ايجابيات فمثلاً ردة الفعل على الحدث الأول تصبح طبيعية نتيجة رد الفعل الثاني في حال تكرار الموقف نفسه. ومن إيجابياته أيضاً خوفك من الله استشعارك بعظمته يجعلك تفكر بأنه يراقبك هذا الخوف يدفعك لتجنب ارتكاب المعاصي فرأس الحكمة مخافة الله، وهذا ما حصل مع الإمام أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن، قيل له أن المعركة لا تعدو أكثر من كلام قل كلمتك تنجيك من ضرب السياط لكنه لم يستطيب هذا التنازل، فقال لناصحه أنظر من فتحة الزنزانة، واحصِ كم من الخلق أتى ليسمع ما الذي يقوله ابن حنبل، لن يهنأ ضميري إن خنت ثقة هؤلاء، وزيفت لهم شيئاً من الحقيقة.

تعقل تروى هيئ نفسك لا تكن مغرداً مع القطيع كن شاذاً برأيك تمرد على خوفك فأنت لست نسخة عن غيرك أنت هو نفسك، نسخة فريدة لا تحتمل التجانس أو التطابق
تعقل تروى هيئ نفسك لا تكن مغرداً مع القطيع كن شاذاً برأيك تمرد على خوفك فأنت لست نسخة عن غيرك أنت هو نفسك، نسخة فريدة لا تحتمل التجانس أو التطابق
 

إذن لكي تتحرر من خوفك عليك بالإيمان بما تفعل كن صادقاً مع نفسك واثقاً بما ستقوم به ولا تخنع أو تضعف لأنك حالما رسمت طريقك بنفسك إياك أن تتراجع لأنك خسرت الكثير ولم يتبقى إلا القليل لتخسره. إذا كان الخوف من مديرك في العمل كما ذكرت آنفاَ فهيئ نفسك وجهدك ووقتك ومالك للاستثمار في مشروع صغير تبني من خلاله أول سلالم النجاح متكئاً على نفسك أولاً، حتى لو استغرق منك السنوات إلا أنك في نهاية المطاف ستقطف ثمرة جهدك وتعبك وأنت ترسم الابتسامة على شفتيك دون أن تتلقى الأوامر من أحد.

ضع قائمة وأكتب فيها الأمور التي تزعجك وتكون حافزاً لخوفك، وقائمة توضح لك بعض الأمور ومنها: لماذا أنا خائف؟ وما هي الأسباب التي تدفعني إلى الخوف؟ وكيف أتغلب على خوفي؟ والأهم من ذلك، تعقل تروى هيئ نفسك لا تكن مغرداً مع القطيع كن شاذاً برأيك تمرد على خوفك فأنت لست نسخة عن غيرك أنت هو نفسك، نسخة فريدة لا تحتمل التجانس أو التطابق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.