شعار قسم مدونات

أمواج داخلية هائجة.. لهذه الأسباب تتعب الروح

blogs حزن

يؤلمني داخلي كما يُؤلم الرضيع أمّه حينما لا تستطيع معرفة ما يؤلمه. يصرخ، يبكي ولا يقول شيء، يُريد الدواء ولا يُعرّفها بداءه، تماما مثل روحي؛ تتألّم، تتخبّط ولا تشاركني تفاصيل ألمها. تُنشأ بيني وبينها مسافات، تُخفي عنّي أوضاعها، وأنا التي كنت أعتقد أننا صرنا أصدقاء، نفرح ونتحمّس معاً، ونشكو ونتألم معاً. تظُنّ أنها قادرة على التألّم وحدها في صمت دون أن تُألمني معها.. كم هي ساذجة روحي! لا تعلم أَنِّي لا أحس بأحد أكثر ممّا أحسّ بها، ولا أفهم أحدا بقدر ما أفهمها، فهي غاليتي وقطعة منّي، هي رفيقة دربي الأبدية. لا تستوعب أنّه لا مفرّ لها مني ولا مفر لي منها.

 

خُلقنا لنسكن في بعض البعض شئنا بذلك أم أبينا. لا تتقبّل أنّنا انعكاس لبعضنا البعض مهما تباعدنا. في مراتٍ، أتضايق منها، يقتلني تحفّظها الأناني واللا مسؤول، تقبض على قلبي المؤمن بالنبض والسعادة، تحزنه وتبطأ دقّاته المندفعة دون سبب ملموس، تزعجني فأشتهي انتزاعها من داخلي واستبدالها بروح أخرى قليلة الإزعاج. وفِي مراتٍ أخرى، أشعر بضياعها بين كل تلك المشاعر التي تُقدّمها لنا الحياة، أسمع بكاءها المكتوم في زاوية مظلمة لساعات طويلة، يوقظني تصادمها مع الجدران التي بُنيت منذ زمن في داخلي، أحزن عليها وأسألها: ما هذا التخبط يا صغيرتي؟ ألم ننضج بعد؟ ألم أعلّمك العوم في بحر الحياة دون النزول إلى القاع؟ كانت فُقاعات زفيرها وهي تُحاول ألا تغرق تنقر غشاء دماغي. فأتسأل إن كنت قد دلّلتها بزيادة، أو لم أعلّمها من دروس النجاة ما يكفي.

أفصح لروحي المجال للتعبير عن ألمها والفضفضة عما بداخلها، فلا تُعبّر، لا تفضفض لي وتجعلني أسرح بذهني في حكايات وروايات عن السبب

أحيانا كثيرة أُجاريها وأحزن معها دون أن أسأل، أجلس بجانبها في صمت حسّاس باحث عن أي علامة تدلّني إلى السبب، أبسط ذراعي لها وقتما أرادت العناق، أقدّم لها من مناديلي وقتما أرادت البكاء، نبكي معاً.. ولا أسأل لِماذا. لكنّ لعقلي عليّ حقٌ أيضاً، كما لكل طفلٍ من التوأم حق على أمّهما. صحيح أنّها تهتم بواحد أكثر من الاخر إذا مرض ولكن ليس على حساب واحد بدلاً من الاخر، فأنا أقدّس العدل وأعتبره أساس في أي علاقة سليمة. أتبعها في حزنها المبهم بينما يوجد الكثير من الفرح الظاهر من حولنا، لكنّها لا تراه عندما تكون مريضة، تطفئ كلّ أنوارها وتعيش في الظلام، وأنا معها.

دائماً ما أظلم عقلي الذكي المتسأل إذا كثُرت مجارياتي لروحي الطائشة، أفصح لها المجال للتعبير عن ألمها والفضفضة عما بداخلها، فلا تُعبّر، لا تفضفض لي وتجعلني أسرح بذهني في حكايات وروايات عن السبب. بينما أقمع منطق عقلي المسكين وأجبره على المشي في طريق مظلم ذو إشارات مبهمة وراء تلك الروح المدللّة. أشعر أن عقلي يكرهها، أَجِد نفسي متلاشية بينهما، فأنا أدرك أنّ الروح مريضة رغم الغموض ولكنّ العقل لا يقبل الغموض ولا يتحمّل السير في الظلام بلا هدف. أشعر أَنني ظالمة حين أتسلّط عليه وأرغمه على المشي مطولا تحت قطرات دموع تائهة وسكوتٍ لا يستطيع اسكات علامات الاستفهام الثائرة. أتفهّم الطرفين لكنني لا أَجِد من يفهمني. أتوه بينهما وأخشى فقد توازن كياني والسقوط بهما في دوّامة لا نستطيع الخروج منها دون أضرار.

نستمر في المشي معاً إلى أن تتعب الروح، فهي مهما كابرت وابتعدت ستظل روحاً تحتاج إلى مأوى، تحتاج إليّ. نتوقف عن المشي وتلتفت إليّ وهي منهكة ومُستسلمة، وتحضنني حضنًا عميقاً يردُّها إليّ ردًّا جميلا. تهمس لي في أذني خوفاً من أن يسمعها العالم: أنا أيضاً لا أعرف سبب ألمي وأتضايق من غموضي وتجاهلي لعقلانيتي ومسكني، فاعذري قلّة حيلتي ومحاولاتي الفاشلة في حمايتك منّي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.