شعار قسم مدونات

حين تحولت اليمن لبلد الهياكل العظمية!

bloga- مجاعة اليمن

تخطت اليمن خلال الحرب الشروط التي يضعها الخبراء والمعنيين في اليمن، ما يعني أن حالة وفاة وأكثر تحدث كل يوم من بين كل عشرة ألف شخص، نتيجة لسوء التغذية والأمراض الناجمة عنها. وتخطت الأسر اليمنية نسبة نقص الغذاء الذي توافق عليه الخبراء والمعنيون. وأنتشر سوء التغذية الحاد بأكثر مما وضع من قبل مفوضية الأمم المتحدة السامية. وبهذا الشكل المخيف الذي يحدث لليمن باتت شبه بلد غير قابل للعيش، ولعل هذه حقيقة لا يمكن التغافل عنها. ولن تكون اليمن بلد غير قابل للعيش إلى الأبد، وليست كوكباً تم اكتشافه مؤخراً واتضح أنه يفتقر إلى الحياة.

ليس اليمن كوكب المشتري أو الزهرة، غير أنه بلد طغت عليه الظروف، وشاءت الحرب أن تضعه بوضع أسوء من السيء، فتحكمت بجاذبيته، وجعلت كل ما فيه يرتطم بالآخر. وما إن تنزع المشكلة من جذورها حتى تتلاشى جميع المشاكل، وتتعافى البلاد، وتعود الحياة إلى مجراها الطبيعي. تتزايد حالة النزوح عندما تَكثُر المجاعة، وترتفع نسبة اللجوء، ويضطر البعض إلى ترك بلدانهم إلى الأبد. تُجبرهم الضرورة على فعل ذلك الشيء الذي يحمل بداخله نوع من قساوة المنظر، بمجتمع كل ما فيه موحش. حيث يُشاهد الناس وهم يأكلون من أكوام القمامة، وآخرون سلطوا اعتمادهم على أوراق "الحلص"، إلى جانب ذلك يحيا ملايين الناس بلا مصير.
 
نتائج ما آلت إليه الحرب في اليمن هموماً يشربها الناس بكأس من الألآم، ويتذوقون طعم المعاناة، فتكون وجبتهم التي لا يجوعون منها. شرّدت الحرب الناس عن منازلهم، وألقت على عاتقهم بالفقر المدقع وصنعت في قلوبهم الخوف والرهبة. تزداد في ضل خضم الأحداث المتوالية الأمراض والأوبئة القاتلة، وتصحبها كوليرا الحرب، وأمراض أخرى مميتة. وتعود الصورة بشكلها المأساوي إلى المجاعة التي حدثت لليمن سنة 1943م. تلك المجاعة التي – ربما – لا يعرف عنها الكثير. كان من أحد الأيدي المدبرة لها الإمام يحيى الذي كان يردد وقتها عبارته المشهورة: "من عاش فهو عتيق، ومن مات فهو شهيد". كانت تلك العبارة تُرفع بوجه كل من قام بمطالبة فتح مخزون الحبوب آنذاك، في تلك اللحظة كان يتلسن بعباراته المشؤومة فيما الشعب يشتد جوعاً، والكثير يقضون حتفهم، وكأن الأمر لا يعنيه.
  

تتشكل صورة أخرى عن اليمن، فالصورة التي تكاد تبدو عليها هي صورة صومالية بحتة، وكان ذلك وعد الرئيس السابق صالح. وعد بصوملة اليمن، وأبدع حق الإبداع باختياره مصطلح الصوملة

فكيف لا يشعر بذلك الشعور المتغطرس وهو صاحب رأس مدبرة لتلك المجاعة. ربما لا يعرف البعض شيء عن تلك المجاعة غير أن تصورها لهم كما هي الحال مع اليمن حالياً. بدأت الازمة في اليمن بعد دخولها الحرب، وبحسب توقع اليونيسف ممن الممكن أن الكثير من الأطفال سيقضون نحبهم خلال فترة الحرب. تهدد المجاعة الملايين من الأطفال مع استمرار الحرب، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وعدم تواجد المال، وغياب فرص العمل، وقوة البطالة القائمة. وقد لا يحصل أي يمني على حبل النجاة من تلك المجاعة. السبب الأكبر للمجاعة انعدام النفط والغاز الذي بات وجوده حلماً يتمنى نيله كل يمني.
 
تكرر الحدث في اليمن كما حصل في الشام خلال الحرب العالمية الأولى، سنة 1915م. حيث وقعت في مناطق الشام جميعها، مجاعة عاصفة، تسببت فيها معاناة الشعب من حاكماً قسري يدعى جمال باشا، إلى جانب سراب من الجراد سادت البلد. أكثر من ثمانين ألف شخص قضوا نحبهم بسبب المجاعة، وبحسب إحصاء جورج أنطونيوس فإن ضحايا المجاعة في سوريا ولبنان وصل تعدادهم إلى 350000 شخص. وصفت امرأة أمريكية الحدث في بلاد الشام قائلة تشرح الوضع: "مررت بنساء وأطفال تمددوا على جانب الطريق وعيونهم مغمضة ووجوههم شاحبة كوجوه الموتى. واعتاد المرء أن يرى البعض يبحث في أكوام القمامة عن قشرة برتقال أو عظام قديمة وغيرها من النفايات. وكما يشاهد المرء النساء في كل مكان يبحثن في العشب على جوانب الطرق عما يمكن أكله من النباتات البرية". كأنها وصفت اليمن، وصفت اليمن بخيباتها ومجاعتها، وبشكلها الحالي، وبصورتها الكالحة المؤرقة، وبجور الزمن نفسه.

تتشكل صورة أخرى عن اليمن، فالصورة التي تكاد تبدو عليها هي صورة صومالية بحتة، وكان ذلك وعد الرئيس السابق صالح. وعد بصوملة اليمن، وأبدع حق الإبداع باختياره مصطلح الصوملة، ذلك الرئيس الذي قاد اليمن لثلاثة عقود جُعلت خلالها على حافة الصوملة. وعندما حس بأن الشغب قرر أن ينتفض من الجوع، وقامت شرارة الثورة حينها وحس أن الحكم ينزع من بين يديه أفلت بالبلاد ودخلت بحر الصوملة. فعلاً فالمجاعة وكأنها في الصومال حالياً. مدة وصلت إلى القرن والصومال تعاني من مجاعة ضاربة، وحدث فيها 258 ألف وفاة ممن قضوا نحبهم بسبب المجاعة. وبقي الآخرون ينتظرون مصيرهم، والجيد منهم رحل إلى خارج بلده، فوجد المأوى المناسب لنجاته.

تنجرف اليمن بقساوة نحو الصوملة، وتستمر المعانة في ذلك. أصبحت حالة اليمن من الأمور التي لا يمكن اغفالها، وبات القضاء على المجاعة في اليمن من الأمور المهمة لكيلا تحصل الكارثة. ومن الضروري إيجاد حل يُخلّص اليمن من الحالة القائمة عليها. حالة جلبت للناس الذعر والمعاناة التي تعد الأعنف والأقوى على مر العصور.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.