شعار قسم مدونات

حياتنا ليست إلا حمل مهدّد

blogs حمل مهدد

لا نخفق حين ننهزم فحسب، بل حين نخضع لعثرات الحياة وهي ترميها بين فواصل خطواتنا فتموت رغباتنا، أو تبقى دفينة في جسد خفي من أمنيات تستظل تحت عريشة الأمل. ولنكون أكثر صدقاً مع أنفسنا حتى الأمل تراجع عن كونه فضاءاً رحباً نتكئ عليه، أو هزم هو الآخر، فلم يعد هناك ما نسند عليه خيبتنا.

 

ورغم ذلك هناك من يدفع بإصراره ثقل العثرات ويعيد المحاولة، ذلك أن الإصرار وحده وريث عرش النجاة من شباك مُعدّة لامتحاننا لنـُثْبِت أحقيتنا في البقاء أو الاندثار. وعلى الجانب الآخر هناك من يأبى مواصلة رحلته عندما يصطدم بعبثية الحياة وتطوِّقه هفواتها فيفضِّل البقاء في جوف الأمان الذي أعدّه لنفسه بعيداً عن الوجود، في هدوء العتمة وسلام العزلة. المطاف لا نهاية له، تلك حقيقة، فالنهاية وهم كبير، والوهم ساحر بحيث يُلقِى بظله الطويل علينا فلا ندرك أن ظلّه الغامض يُمحَى بإعادة توجيه خطواتنا نحو ممر آخر يفضي إلى الطريق ذاته الذي نقصد الوصول إليه.

 

ذلك ما حدث بينما كنت أكتب روايتي التي صدرت أخيراً بعنوان “حمل مهدّد”، ربما هي قشة الغريق التي ذابت من فرط تمسكي بها، هي ما جعلت للنهاية معنى جميل بحيث تحولت الرغبة الجامحة بكتابتها إلى واقع وُجد أخيراً بعد جهد كبير، كثيراً ما شعرت بالانهزام وربما الرغبة بالتوقف وإرجاء كتابتها لحين استكمال بحثي عن التفاصيل والمعلومات اللازمة لبعديها الزماني والمكاني، لكن القوة الكامنة داخلي كانت تعيدني للعمل والبحث الدقيق كلما وصلت إلى حافة الاستسلام.

الرواية تستعرض حياة أبطال يحاولون بجهد تجاوز هزائمهم وإخفاقاتهم الداخلية بالسعي وراء أحلام تعيش في رحم الأمنيات في ظل الحرب وما لحقها من مفاجآت وانكسارات

هناك بعدان لأي عمل نتوق لتحقيقه، الأول وجوده الراسخ في وجداننا، ووجوده يشبه النقطة التي نحملها في رحم أمنياتنا فإما أن تنضح وتولد وإما أن تجهضها الظروف وهي ما تزال في طور التكوين، أما البعد الثاني ولعلّه الأهم، فهو القوة الكامنة فينا لإعادة بناء وترميم أحلامنا وأعمالنا وشيكة الإجهاض وحتى تلك المجهضة يمكن إعادة تكونيها إذا كان ما نحمله فينا يؤمن بأرحامنا كأننا له وطن، وليس مجرد وهم مرمي على ساحل مهمش في طريق الحياة.

 

الحقيقة كانت الظل الوحيد الذي قررت أن أصنع منه عريشة تعلو أفكاري وتحميها، والحقيقة هي أني أردت لهذه الرواية الوجود، فقد تحمّلت مسؤولية نقل هموم أبطال الرواية الذين قابلتهم واستمعت إلى ظروفهم ومشاعرهم وتجاربهم، كانت ألسنتهم تنطق بواقع يبدو خيالياً، فكنت كلما تعبت حدّ الاستسلام تعيدني قسوة تجاربهم إلى صفحات روايتي، وجعلتني مقدرتهم على استكمال حياتهم رغم الانكسارات الكبيرة أستكمل عملي من نوافذ واسعة حين تضيق نافذتي الخاصة.

 

ودرّبت نفسي أن أرى النهاية بداية جديدة أوسع أفقاً من سابقتها عملاً بإحدى مقولات الرواية "قبل أن تقترب من هزيمة حلم، عليك أن تتعلق بقشة حلم آخر”، حتى لو أعدت كتابة فصول الرواية من جديد، فالرواية تستعرض حياة أبطال يحاولون بجهد تجاوز هزائمهم وإخفاقاتهم الداخلية بالسعي وراء أحلام تعيش في رحم الأمنيات في ظل الحرب وما لحقها من مفاجآت وانكسارات، لكل شخصية في الرواية طابعها الفردي الخاص وتتقاطع مع الشخصيات الأخرى بالحنين الى وطن لم ينصف عاطفتها، فهي مزيج من تناقضات الحب والحرب واللجوء والأمل والنجاة والموت. سرّ آخر كان يدفعني للاستمرار.. الانتماء للنفس وما تحمله في داخلها. من حقنا أن ننتمي إلى أنفسنا.. لمن ننتمي إن لم يكن انتماءنا الأول لذواتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.