شعار قسم مدونات

في لحظة ارتباك.. ما الذي يحدث حينما تتحول مشاعرنا وسلوكياتنا فجأة؟

blogs تأمل

يحدث أن تقتحِمنا الأسئلة دُفعةً واحدة، في لحظتها نرتبك، لا ندري كيف نتصرَّف، مثلاً: ما سبب التغيير الذي يطرأ علينا وعلى من حولنا فجأة؟ هل الابتعاد والانعزال ناجمان عن سوء تقدير للمواقف؟ إن لم يكن كذلك، ما السر إذًا من وراء تلك الأحاسيس؟ ببساطة الإنسان لا يتغيّر عبثًا، اللامبالاة تأتي من صفعات أشخاص وثقنا بهم، فضفضنا لهم، وفي لحظة اهتمام صادق تكوَّنت غيمة من الأحاسيس الجميلة، لم نتوقع أن تُمطِر بوابِلٍ من الإهمال.

يجب أن نفهم أمرين الإفراط والتفريط، فــمن ناحية لا يجب أن نُدمن الاهتمام بأمرٍ ما حتى لا نُصاب بصدمة حينما يتلاشى ونحن نتأمّله دونما قُدرة على رد فعل وذاك ما يدخل في سياق الإفراط، من ناحية أخرى لا يجب أن نتجاهل التفاصيل التي تُعبِّر عن اختلافنا وتميّزنا فبعد حين من اهمالها سيأتينا الندم في صُوَرٍ عديدة تجعلنا نُعيد التفكير لكن بعد فوات الأوان وهذا الأمر ناتج عن التفريط.

تساؤلات كثيرة يجب الوقوف عندها في مرحلة الشباب التي تمر كالبرق، حينها تتكون دوامة من الأحلام والطموحات والأهداف الكثيرة غير المدروسة أو المُخطط لها، يتم الركض وراء النجاح بكافة الوسائل، قد نصِل لدرجة الشراسة في التعامل مع من حولنا نتيجة طُغيان الأنانية، نخرج من معاركنا تائهين كارهين لكل شيء والموجع أن تلك المرحلة من العُمر لا تتكرَّر، لا نأخذ منها إلاّ التجارب القاسية وفي هذا الشأن نجد فئتين:

الفئة الأولى: تُعبِّر عن أسفها، تطوي صفحة الماضي، تُخطِّط بعقلانية أكثر دون هجر للمشاعر تتعلّم التعامل بحذر دونما اندفاع، فوجود أهداف بحياتنا أمر إيجابي لكن عدم تحقيقها كلها أو كما نُريد ليس بأمر إجباريّ، ليس كل ما نطمح إليه ممكن كما أنه ليس بمستحيل وعليه يجب وضع احتمالات وبدائل في الجانب العملي من حياتنا، أما الجانب المعنوي المُرتبط بخصوصياتنا وتفاصيل شخصياتنا وهِواياتنا وأحلامنا فالأفضل أن نُحافظ عليه بعيدًا عن رأي الآخرين حتى لا نُكسر أو نتعرّض للإحراج.

التمسُك بآرائنا الخاطئة من أجل فرض ذواتِنا أمر تداعياته خطيرة، كذلك انعزالنا وعدم مناقشتنا للأمور الحساسة يقتل العاطفة داخلنا، يسجن مشاعرنا فنتحول إلى مكبوتين نُهلِك أنفسنا ومن حولنا

الفئة الثانية: يتحوّل إلى إنسان فوضوي عبثي، لا يهمه من حوله، يزداد تمسُّكًا بما خسره في الأول، ليس لديه قابلية للتغيير والبدء من جديد، يستمر في ممارسة أخطائه وفُقدان من حوله بالتدريج، حتى يجد نفسه وحيدًا بلا هدف أو سند من صديق أو شريك أو أي جهة أخرى، يتخبّط في ماضيه فيغرق أكثر، سمعنا حكايات كثيرة عن ذلك، حتى الأفلام أبدعت في رسم صُور هؤلاء، إذ في نهاية المطاف ينعزلون بعيدًا عن الناس، يُكملون حياتهم بصمت، قد ينجح القريبون منهم في اخراجهم من جُحورِهم، انقاذهم من هذا الانتحار بأخذهم إلى أطباء نفسانيين أو حتى محاولة بث الأمل من جديد بتغيير الروتين المحيط بهم، في الأخير تتضِّح المعالم، تنتهي الحرب النفسية التي لا تُوجِع الشخص لوحده بل أحباءه أيضا، ولا يسعنا أن نضع اللوم على مثل هذه الحالات فلا ندري أي طفولة عاشوها أو الظروف التي مرُّوا بها، فالطفولة مثلما قد تكون مفتاحًا للنجاحات، قد تتحوّل إلى مقبرة للمواهب والإبداعات.

لا يعني هذا الكلام أنّ من عاشوا طفولة صعبة سيتحولون إلى مرضى ومجرمين، لا أبدًا فالتاريخ قدَّم لنا دروسًا لا تُنسى، فهؤلاء قد اكتشفوا وطوروا من العالم بطريقة مُدهشة وبالعكس هناك من عاشوا طفولة سعيدة ومريحة لكن تحوّلوا بعد حين إلى عدائيين فاشلين ومثل هذه التفاصيل لا نعلم أسبابها إلاّ ما ظهر منها فلكل حالة مُبرّرات، كما أن هناك صراعات تحدث داخل الإنسان قد يعجز عن وصفها أو يخجل من البوحِ بها.

قد نطرح مثل هذه المواضيع في جلساتنا مع الأصدقاء أو العائلة باحثين عن أجوبة، قد نُشاهد برامِجًا أو أفلامًا تفتح لنا المجال للبحث والتفكير حول شخصيات منفصمة وأخرى عاشت تجارُبًا قاسية، المشكلة هنا أنّ التعامل مع هذه الفئات كمجانين يتم احتجازهم في مصحاتٍ للأمراضِ العقلية تزيد من اضطرابهم فمنهم من يهرب ويتحوّل إلى مجرم وآخر ينتحر، أي الكثير من النهايات المُهدِدة لأمن وسلامة المجتمع بسبب فرد واحد، كما قد يكون المجتمع هو المساهم الأول في ذلك فالإنسان ابن بيئته.

التمسُك بآرائنا الخاطئة من أجل فرض ذواتِنا أمر تداعياته خطيرة، كذلك انعزالنا وعدم مناقشتنا للأمور الحساسة يقتل العاطفة داخلنا، يسجن مشاعرنا فنتحول إلى مكبوتين نُهلِك أنفسنا ومن حولنا، يجب أن نستوعب أنَّ لا للكمال في تفاصيل الحياة، وعليه يجب أن نحترم اختلاف الآخر وأكبر خطأ قد نقترفه هو سقُوطنا في فخ المُقارنة الذي يأخذ من وقتنا، يضعنا في حيِّز مُغلق يُعيق تقدمنا.

لا يأخذ التغيير طريقًا إيجابيًا دائمًا، قد يقودنا إلى المجهول والضياع وسط أوهام لا علاقة لها بالواقع وتطليق الروتين الذي اعتدناه لا يعني بالضرورة أنّنا حققنا نجاحًا مبهرًا، بالعكس التجديد هو العُنصر الذي يجب اسقاطه في مثل هذه الأوضاع، وقبل كل شيء يجب أن نجلس بهدوء، حتى نعرف ما نريده فعلاً، نعمل عليه من البداية حتى لا نقف تائهين في وسط الطريق فنفقد كل شيء حتى أنفسنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.