شعار قسم مدونات

عصر التنوير العربي.. هل العلمانية هي الحل؟

blogs العلمانية

وجدت فكرة العلمانية على أيدي مفكرين وكثيرين من الشخصيات الحرة بعصر ما سمي بالتنوير الأوروبي. وكانت النتيجة إيجابية من حيث نجاحها، عندما لاقت ترحيباً واسعاً على المستوى الأوروبي. ربما بلدان الوطن العربي اليوم أحوج إلى ديناميكية التنوير ذاتها. ولكن بطريقة مغايرة هدفها تنوير الشعوب بثقافة الإسلام وتطبيق ما نص به. يتوجب على الدول العربية العمل بالدين الإسلامي وتطبيق أحكامه. وبالرغم من أن بعض البلدان العربية تتظاهر بأنها تستمد حكمها من الشريعة الإسلامية، إلا إن الأفعال والوقائع تثبت أنها أفعال مختلفة تماماً على ما تبدو عليه. وإذا كانت أنظمة الدول العربية لا تطبق الإسلام بشكل جاد، ولن تطبقه، فأنها توجه شعوبها نحو اعتناق العلمانية.

ولكن لن تكون العلمانية الحل للتطور والتقدم إذا كانت هي الأخرى أداة بيد الحكام، يتجنبوا وينفذوا ما يحتاجوه هم لا سوهم كما هو الحال ما أحدث أسوء مرحلة مرت بها بلداننا العربية، ولا زالت تغرق في نفس المستنقع، ولم تجد المخرج الحقيقي منه. بدأت العلمانية تتسلل إلى شعوب الوطن العربي بمفهومها البسيط فصل الدين عن الدولة، ومن أبرز المسببات لذلك مشاكل المجتمع العربية التي تأتي جزافاً.

 

ويشعر البعض بمخاوف شديدة حين يجدون أن العلمانية في حال طبقت ستجرد الناس عن الإسلام في حين يقول الواقع أن أحكام الإسلام معزولة تماماً عن الدول المسلمة. لا يمنع ذلك أفراد آخرين من تصورهم للعلمانية تصوراً انعكاسياً ومغايراً، فقد تجد من يبرر معتقداً أن الدولة التي لا تطبق الدين بشكل صحيح تكون في تلك الحالة أسوء من العلمانية. وخلال حياتنا الطبيعية قد يحتدم الجدل ما بين صديقين لكل واحد منهم وجهة نظر معاكسة للآخر. هناك عدم توافق على المستوى العام ما بين المؤيدين لفكرة العلمانية ومعارضيها. هناك دول علمانية أوروبية تتدرج الصدارة في قائمة أكثر الدول نجاحاً، بينما الدول غير العلمانية تجد أكثرها تمر بحروب عارمة، وتعيش بتخلف لم يسبق له مثيل. هكذا تبدو الصورة أو النظرة إلى بعض بلدان الوطني العربي وأكثرها بلدان قائمة على حروب بشكلها العبثي، وبحالتها الفوضوية، لتي يحدث فيها القتل بنمطية معتادة داخل أكثر من بلد.

جل الشعوب التي تعيش في هوة مظلمة، وتعاني من ويلات الحروب، وأكثرها دول مسلمة، تكون أكثر تقبلاً للأفكار التي تجد فيها ما يخرجها من الظلام الكالح. فتجد كثيراً منها وفي مقدمتها فكرة علمنة الدولة

ينقص المجتمعات العربية عصر تنوير عقلاني وثقافي. وعندما نقول عقلاني وثقافي فأننا لا نقصد الجري وراء التنوير الأوروبي، وما يحتاجه الناس في مختلف الأطياف هو تنوير عقلاني والقصد منه الترفع عن حالة التعجرف والحروب في المنطقة، وثقافي المقصود به نشر الثقافة بمختلف السبل من أولوياتها ثقافة القرآن ومعرفة الدين. وشتان ما بين بلدين، البلد الأول معظم قاطنيه بفقر مدقع، والآخر يقدس النفس البشرية حق التقديس، ويحرص على حياة مواطنيه كل الحرص، إلى جانب توفير كل السبل المعيشية الفذة.

قامت النوبلية توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام بتأييدها لفكرة العلمانية، ووجدت فيها الحل والأمل الوحيد لصناعة مستقبل مشرق في اليمن. ونصح الرئيس التركي المسلم رجب طيب أردوغان البلدان العربية بتطبيق العلمانية. بل وضع حد بين العلمانية والإسلام، واعتبر أنه لا تعارض ما بين الدين الإسلامي، والعلمانية. كما وجد جمال خاشقجي أن العلمانية ليست كافية لنجاح الدول العربية إذا لم يكن هناك ديموقراطية تصحبها. وبعيداً عن ذلك قال الشيخ محمد الغزالي: التدين المغشوش قد يكون أنكى بالأمم من الإلحاد الصارخ. لم يجد أبلغ لتشبيه رواد الدين المزيف أقدر من تشبيهه لهم كأنكى من الملحدين.

ينظر البعض إلى أن العلمانية تقام لكي تُفتح المراقص، ويشرب الخمر، وتأتي بأشياء فاسدة من أولوياتها اللهو والمتاع. ومع العلم بأن كل ما ذكر يوجد في بعض الدول المسلمة، ومثلها كأي شيء تحمل العلمانية أخطاء، ولكن لا يمكننا تهويلها بما يمكنا من أغفال ذنب بعض الدول الغير علمانية. ويتشبث الكثير بفكرة دحر العلمانية، ويريدون دولة تحكم بالدستور الإسلامي، ولكن خلل ما في نظام الحكم يحدث لاسيما وهم في بلدان قد يمرر الحاكم قوله حتى ولو كان منافي لما نص به الدين، وقد يقمع أي شخص يقف أمامه ليعارض سياسته، وقد يطال أي معارض اعتقال أو نفي من الوجود، ما يجعل بعض رجل الدين راضخين أمام القوة مخيرين ما بين تأييدهم للحاكم، أو اختيار مصير السجن. وصورة على ذلك ما تقوم بنشره الصحف، وتظهره الحقائق، عن الاعتقالات التي تحدث للكثير من الدعاة والعلماء بينهم سلمان العودة الذي طالبت النيابة العامة السعودية بإعدامه. فلا فائدة إذا كان الدعاة المسلمين أدوات في يد الحكام، أو ضحايا القسر والاعتقال.

جل الشعوب التي تعيش في هوة مظلمة، وتعاني من ويلات الحروب، وأكثرها دول مسلمة، تكون أكثر تقبلاً للأفكار التي تجد فيها ما يخرجها من الظلام الكالح. فتجد كثيراً منها وفي مقدمتها فكرة علمنة الدولة. تلاقي مرحبين ومعارضين، مرحبين يريدون كسر اليأس والتغلب على الظلام مهما كلف الثمن. ومعارضين يحاولون كبح نزوات الآخرين، وتجدهم أكثر تحلي بالصبر، وليس لديهم اعتقاد أن في العلمانية حل لمشكلة يرونها عويصة، فلا يفقهون الطريقة التي تمكنهم من اتخاذ قرار صعب كتخلي بلدانهم عن شريعتها الإسلامية واتخاذ العلمانية بدلاً منها. لا تزال بعض البلدان المسلمة وليس جميعها تتظاهر بأنها تطبق الدين، والحقائق تظهر بأنها لا تطبقه. ولا تزال فكرة العلمانية في عراك مستدام عسى ولعلها تفرض نفسها على شعوب لم تتقبل الفكرة قط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.