شعار قسم مدونات

لماذا تأتي التوبة تزامناً مع لحظة ارتكاب الذنب؟!

مدونات - مسلم يصلي

لماذا تأتي فكرة التوبة مترافقة دائماً مع لحظة ارتكاب الذنب؟ أليس من الصواب أن هذا السؤال ينطوي على طابع خاص لجملة أسئلة وأشياء أخرى؟ ومن ثم تستدعي دقيقتين أو ثلاثاً للتفكير فيها. وأنا بطبعي شعرت أنه من واجبي أن أقول ولو كلمة صغيرة بخصوص هذا السؤال، دعني أولاً اقول أننا نحن الآن نقف أمام أنموذجان شعبيان يعكسان في المرتبة الأولى كل شعوب الأمة العربية قاطبة. أما في ما يخص السؤال فالمسألة تتعلق بالإيمان ونحن نعلم أن هناك فرق كبير بين المسلم والمؤمن، وأنا أتكلم بالدرجة الاولى عن المؤمن العادي العامي الذي لا يتميز بطابع خاص كإطلاق اللحية والتقصير وملازمة المساجد.

هناك مؤمن لكنه يسكر ويسرق ويعاقر كل أنواع المحرمات، أنا اعلم أنكم ستوقفونني على الفور وتصيحون، أنت تتكلم عن المسلم في هذا الموضع! لا يمكن للمؤمن أن يفعل ذلك؟! وأنا اقول لكم أن المؤمن أيضاً يفعل ذلك! هل تعلمون أنه من غير الممكن أن نُحصي آثام وعيوب إنسان مؤمن وأن نحمله مسؤولية آثامه. عندما يُبنى المجتمع بشكل سلبي دنيء عندها لن يبقى للإنسان إلا التصرف بصور سيئة لاسيما حين يُقاد إليها بسبب وضعه الاقتصادي. إن هذه الفئة تجدها غالباً متعطشة للتوبة والشوق إلى رحاب الله، وهؤلاء لا يهدئ ظمأهم زجاجة فودكا، أو تطمئن قلوبهم كلمات غرامية.

إن الخمرة والعربدة وحب الذات والحسد والغيرة وكل دياجير الفسق والجهل والظلامية، غير قابلة للاستيطان في قلب المؤمن وبتفانٍ جاهز لتمزيق كل شيء

تلك الفئة عندما ترتكب المعاصي تكون على يقين من أنهم يفعلون الشيء الخطأ وهذا اليقين يخنق في نفوسهم إحساسهم بالسعادة الكاملة، حتى في ظل الأفراح السامية والمباشرة لن يستطيع الحصول عليها. إن الشعور بالراحة والقناعة والاستقرار والاحتفال بالذات بشكل فرح عند هذه النوعية في مجتمع كالذي نعيشه أشياء لن تجدها أبدًا، حتى عند الغبي منهم. أشعر أني مضطر لأضرب مثال كي يتضح المشهد أكثر، خد على سبيل المثال سكيرين أحدهم مؤمن انساق مع هواه انسياقاً، وسكير آخر مسلم عادي لا يقيم أي وزن للإيمان بل لا يفكر فيه أبداً.

إن السكير المؤمن الضعيف سيكون أكثر شرود وأكثر يقظة وغبطة، لكن السكير الجاهل سيكون أكثر غباء وإضحاكاً. الجاهل سيكون بشكل خاص سعيد بنفسه وفخور بذاته، وهذه الصفات الشعبية الرئيسية تنمو عند السكير الجاهل طردًا مع مقدار البيرة التي يشربها. عندما يسكر سيكون سعيد ولا يبكي أبداً، بل سيغني وسيمتح ذاته ولا يمل من الكلام عن نفسه ويعود إلى بيته متعتعاً من السكر زاحفاً لكنه فخور بذاته..

المؤمن عندما يغلبه هواه ويسكر يحب أن يشرب مع الحزن ويبكي، فإذا بلغ به الأمر حد العجرفة أو الزهو، فلن يحتفل بفرح كامل، ولن يستطيع الحصول على السعادة الكاملة، ودائماً سيتذكر حادثة محزنة أو مفجعة، ويعاتب الظالم سواءً كان حاضراً أم غائباً وسيحاول أن يُثبت لك أنه ليس أقل من جنرال. سيسب ويشتم بحدّة إن لم يصدقه السامع لكي يقنعه، هذا مثال ميكروسكوبي يبين لنا أشياء كثيرة. إن الخمرة والعربدة وحب الذات والحسد والغيرة وكل دياجير الفسق والجهل والظلامية، غير قابلة للاستيطان في قلب المؤمن وبتفانٍ جاهز لتمزيق كل شيء، للتنازل عن كل شيء، هناك أشياء كثيرة لا نعيها لكننا نحسها ونشعر بها.

إن أكثر ما نلمسه الآن من التدني الأخلاقي وانتشار الرذائل والفسق، ناتج عن التذمر وقلة الصبر والجهل بين الشباب اليافعين، بغض النظر عن ثقافة الطبقات التي ينتمون إليها ورقيها. وفي كل مكان نرى أن التعاليم الدينية الحقيقية تغيب وتنزاح ليحل محلها الرفض والنفي. حيث تسيطر النزاعات المادية وتهيمن على كل الأفكار السامية العالية، فهل من هنا؟ أمن هذه الأفكار الرجعية؟ من هذا المنبع يقتبس شبابنا خطواته الأولى إلى الصراط المستقيم؟ أو لم يشعر الكثيرون منهم منذ زمن بعيد بالشوق إلى رحاب الله والغم من دون الإيمان به؟! أنا اعلم أني أتحدث عن أشياء كثيرة دفعة واحدة لأننا لم نعد نستوعب هذه الأمور تماماً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.