شعار قسم مدونات

سيناء ومعالم تنفيذ صفقة القرن على الأرض

blogs العملية العسكرية الشاملة في سيناء

من منا لا يتذكر ما أصبح يطلق عليه بصفقة القرن، لقد كان أول من ذكر هذه العبارة (صفقة القرن) قائد الانقلاب الدموي بمصر عبد الفتاح السيسي، وقد ذكر هذه العبارة رفقة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ترمب بالبيت الأبيض. عندئذ تناقلت وسائل الإعلام العربية بشكل خاص، والعالمية بشكل عام هذه العبارة دون أي معرفة لحيثياتها ولا أهدافها.

ومع توالي الأحداث بمنطقة الشرق الأوسط وتسارعها، بدأت تطفوا على السطح بعض معالم ما يسمى بصفقة القرن، واتضح اليوم أن الأمر يتعلق بالقضية الفلسطينية والعمل على تصفيتها بشكل نهائي، وقد ظهر الأمر جهارا نهارا بدءا من خلال الدعوة إلى تطبيع كامل وعلني مع الاحتلال الإسرائيلي؛ وذلك عن طريق عقد اتفاقات وتفاهمات مع بعض أنظمة المنطقة، خاصة بعض دول الخليج التي أمرت بممارسة الضغط على رموز كبار الشخصيات الفلسطينية من أجل القبول بهذه الصفقة. 

إن دعوة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ترمب إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال يصب في نفس الأمر؛ أي الصفقة، وتعتبر هذه الدعوة من أبرز المعالم الأولى لهذه الصفقة، لذلك كان السيسي الشخص المناسب ليقوم بدور المنفذ لها، وهنا نرجع إلى فترة انقلاب السيسي على الرئيس المدني المنتخب من قبل إرادة شعبية اختارته، حيث في تلك الفترة بالذات باركت دولة الاحتلال استيلاء السيسي على حكم مصر، ودعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى قبول السيسي كرئيس لمصر ومساعدته بكل الطرق والوسائل، باعتبار السيسي كنزا استراتيجيا لدولة الاحتلال وأمريكا نفسها، وهذا ما أكدته العديد من قنوات الاحتلال وصحفها.

ما يقوم به السيسي هو في إطار ما يسمى الصفقة المزعومة، وهو استكمال لما بدأه السيسي ونظامه من تهجير ممنهج لأبناء سيناء، وإخلاء المنطقة بقصد التمهيد لأمر كبير يدبر بسيناء

كما أن السيسي كان عند بداية وصوله للحكم بواسطة قوة السلاح، كثيرا ما يتحدث عن أمن جيرانه والحفاظ على علاقات متميزة معهم. واليوم بدأت معالم صفقة القرن تظهر من جانب آخر، وذلك بدعوة القوات المسلحة المصرية بالأمس إلى شن حرب ضروس على ما يسمى بالإرهاب، وقد نقلت قنوات مصرية تلاوة أحد الناطقين باسم القوات المسلحة المصرية بيانا متلفزا وكأن مصر داخلة على حرب مثل حرب 67 أو 73، مشهد يوحي أن نظام السيسي يعيش تخبطا كبيرا ويريد صرف الأمر إلى شن حرب على الإرهاب بسيناء، لكن هذا الفعل له علاقة بمسألتين:

المسألة الأولى:

إن ما يقوم به السيسي هو في إطار ما يسمى الصفقة المزعومة، وهو استكمال لما بدأه السيسي ونظامه من تهجير ممنهج لأبناء سيناء، وإخلاء المنطقة بقصد التمهيد لأمر كبير يدبر بسيناء، وقد اتضح هذا الفعل من قبل بموافقة السيسي وإعطائه ضوءا أخضر لدولة الاحتلال بشن ضربات عسكرية ضد الإرهابيين بسيناء، وذلك عن طريق تنسيق كامل مع الاحتلال، وها هو السيسي يستكمل المهمة وذلك من أجل إنفاذ القانون كما صرح بذلك الناطق العسكري.

والأمر الذي يثير الاندهاش هو الكم الهائل والتحضير المبالغ فيه للجيش المصري وكأن الجيش سيدخل حربا ضروسا مع جيش آخر، إن الأمر خطير ويستدعي بالنسبة للسيسي ونظامه محاربة الإرهاب بهذا الشكل، رغم أربع سنوات لم يتم بعد معرفة أوكار الإرهابيين ومحاربة الإرهاب المحتمل، ليخرج السيسي مفاجئا المصريين والعالم بهذه العملية. والأمر الآخر الذي يثير ريبة، أن العديد من المتابعين للشأن المصري وبخاصة سيناء، قالوا إن عدد هذه المجموعات الإرهابية لا يتعدى الألف شخص، لكن السيسي حشد لهذه العملية خمسة وثلاثين ألفا من العسكر وبعض أفراد الشرطة، الشيء الذي يزيد في طرح تساؤلات كبيرة عن هذه العملية وهدفها الحقيقي.

إذا، يمكن أن ترجح مسألة -وبدون أي شك- أن السيسي أخذ أمرا خارجيا بقصد إطلاق هذه العملية العسكرية، خاصة وأن هذا الأخير كانت له جولة خارجية لدولة من الدول، وبشكل سريع تم إعلان بدء العملية العسكرية المفاجئ وغير متوقع.

السيسي يعتبر أحد أهم نكسات الربيع العربي، لذلك يحظى بدعم خارجي كبير رغم أنه أصبح يشكل حساسيات بالنسبة لدول الغرب أمام شعوبها، خاصة بملف حقوق الإنسان
السيسي يعتبر أحد أهم نكسات الربيع العربي، لذلك يحظى بدعم خارجي كبير رغم أنه أصبح يشكل حساسيات بالنسبة لدول الغرب أمام شعوبها، خاصة بملف حقوق الإنسان
 
المسألة الثانية:

إن السيسي مقبل على انتخابات رئاسية، والعالم كله يعرف ماذا فعل السيسي ببعض من كانوا من الموالين الداعمين له عند انقلابه على مرسي، وقد كان من نتائج انقلاب السيسي على كل من شفيق وسامي عنان، ظهور معارضة قوية، خاصة من قبل التيارات المدنية التي بدورها دعمته من قبل أيام الانقلاب. وهنا شكل السيسي لنفسه معارضة قوية بإزاحته لأي منافس يمكن أن يسلب منه كرسي عرش مصر، وهو من قال بأنه لن يسمح للمفسدين أيا كانوا بالاقتراب من كرسي الرئاسة.

وبغرض صرف الشعب المصري والعربي عن هذه الإجراءات التي اتخذها السيسي ونظامه العسكري، كان لا بد من إيجاد حل لهذه المعضلة، ولن يكون الحل والخروج منها إلا عن طريق شن حرب على الإرهاب، بغرض تشتيت انتباه المصريين عن المعارضة التي بدأت تظهر ضد السيسي ومعسكره. كما لا يمكن أن ننسى أن هنالك معسكرا داخل العسكر بدأت تظهر معارضته لسياسة السيسي داخليا وخارجيا، بسبب ما جلبته سياساته من كوارث لمصر، وأمر مهم آخر هو استعراض السيسي للقوة العسكرية من أجل ردع وإخافة الشعب المصري، وأن السيسي يمسك بزمام أمور العسكر.

ومن الوارد أن المسألتين قد تكونان مندرجتين ضمن الصفقة المزعومة، لذا فإن السيسي يعتبر أحد أهم نكسات الربيع العربي، لذلك يحظى بدعم خارجي كبير رغم أنه أصبح يشكل حساسيات بالنسبة لدول الغرب أمام شعوبها، خاصة بملف حقوق الإنسان. المهم إن عملية سيناء والحرب على الإرهاب هي معلم من معالم تنفيذ صفقة القرن، لكن للأسف نحن في مربع المفعول به إلى أن يكون للمستقبل أمور أخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.