شعار قسم مدونات

الغوطة وإدلب.. قصف "ممنهج" وتجويع يدفع ثمنه المدنيون

blogs الغوطة

سبع سنوات عجاف مرت على الشعب السوري أصبحت فيها سوريا ساحة للصراعات السياسية الإقليمية، تحولت فيها الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة تسعى لإسقاط هذا النظام المجرم الذي قتل الحجر والبشر، ودفع المدنيون ثمنا باهظا من أجل نيلهم حريتهم والتخلص من الظلم والاستبداد والتسلط.

إدلب

تحرك سريع بدأه نظام الأسد والميليشيات الموالية له مدعوما بسلاح الجو الروسي على مدينة إدلب منذ أوائل العام الحالي، حيث تقدمت قواته بشكل كبير في قرى وبلدات ريف إدلب الشرقي، حتى سيطرت على مطار أبو الظهور العسكري، لتكشف خط السفر بين حلب وحماة، ويكون النظام بذلك قد تمكن من فصل مدينة إدلب عن ريفها الشرقي وريف حلب الجنوبي. 

مدينة إدلب التي كانت دائما ملجأ للسوريين الهاربين من ويلات الحرب، أصبحت الآن مدينة منكوبة، وأصبح سكانها مشردين بين الجبال يفترشون العراء بسبب الحملات العسكرية الشرسة التي تعرضت لها المدنية. ويُحرم عشرات آلاف المدنيين في ريف إدلب من حقهم في الرعاية الطبية التي تعدّ من حقوق الإنسان المعترف بها دوليا، مع الاستمرار في استهداف المستشفيات والنقاط الطبية بطريقة مباشرة عبر القصف الجوي. هذا وأعرب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن قلقه بشأن سلامة وحماية مليوني شخص في محافظة إدلب السورية، بعد تقارير أفادت بتواصل القصف الجوي وإطلاق القذائف يوميا، مما أدى إلى وقوع مئات القتلى وآلاف المصابين بين المدنيين وتدمير البنية التحتية للمدينة.

كيماوي إدلب
لم تستطع منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية توقيف نظام الأسد من ارتكاب جرائم الحرب المتواصلة التي يشنها من خلال الهجمات الكيماوية التي تطال المدنيين العزل

تعتبر الأسلحة الكيماوية أبرز الأسلحة التي لجأ النظام إلى استخدامها منذ العام 2012 في الحرب السورية، وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فقد نفذ نظام الأسد ما لا يقل عن 216 هجمة بغازات سامة على بعض المدن السورية، تسببت في مقتل ما لا يقل عن ألف وخمسمئة شخص. ومع بداية العام الحالي عاد ملف السلاح الكيماوي ليتصدر المشهد من جديد، واستخدمت قوات النظام "الغازات السّامة" لاستهداف مدينة سراقب بريف إدلب، ما أسفر عن إصابة نحو عشرة مدنيّين -بينهم أطفال- بحالات اختناق خطيرة.

الغوطة

في ظل القصف المستمر الذي تشنه قوات الأسد على مدن وبلدات الغوطة الشرقية في ريف دمشق، وعلى مر الحصار الخانق الذي تشهده المدينة منذ سبع سنوات، بات المدنيون يعيشون حياة لا تتوفر فيها أدنى سبل العيش. حيث يسعى نظام الأسد إلى إخضاع المناطق الخارجة عن سيطرته عبر حصارها وتهجير أهلها، كما فعل في الأحياء الشرقية لمدينة حلب عندما قام بتهجير 400.000 نسمة بعد إطباق الحصار عليهم، وكذلك هجر مدينة داريا التابعة للغوطة الغربية في ريف دمشق، وكذلك العديد من المناطق الأخرى مثل حي الوعر في حمص. ويعيش السكان المدنيون في الغوطة الشرقية أوضاعا مأساوية، إذ يواجهون عجزا مخيفا في الغذاء، وارتفاعا هائلا في أسعار المواد الغذائية، فبعض الأسر في الغوطة لا تملك سوى أن تقتات على وجبة واحدة في اليوم.

جرائم حرب

لم تستطع منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية توقيف نظام الأسد من ارتكاب جرائم الحرب المتواصلة التي يشنها من خلال الهجمات الكيماوية التي تطال المدنيين العزل. وفي منتصف شهر يناير/كانون الثاني 2018 قام نظام الأسد المجرم بقصف مدينة دوما بغاز الكلور السام مما أدى إلى اختناق 21 مدنيا معظمهم من الأطفال والنساء.

فصائل المعارضة المتناحرة

لم ينته الأمر عند الهجمات الوحشية التي يشنها النظام على الغوطة، وإنما ما يزيد من معاناة الناس هو تناحر فصائل المعارضة المسلحة فيما بينها والتي تتقاسم السيطرة عليها. فقد أدى الاقتتال بين جيش الإسلام من جهة وفيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام من جهة أخرى منتصف العام الماضي، إلى مقتل نحو 250 مقاتلا من هذه الفصائل الثلاث التي تسيطر على المنطقة، بالإضافة إلى عشرات الضحايا من المدنيين.

الحصار الخانق لأهل الغوطة الدمشقية وصمة عار على جبين الإنسانية، واستخدام الكيماوي بين الفينة والأخرى من قبل قوات الأسد هو عجز دولي وتعام عمّا يجري من وقائع إنسانية مزرية يندى لها جبين العالم بأسره
الحصار الخانق لأهل الغوطة الدمشقية وصمة عار على جبين الإنسانية، واستخدام الكيماوي بين الفينة والأخرى من قبل قوات الأسد هو عجز دولي وتعام عمّا يجري من وقائع إنسانية مزرية يندى لها جبين العالم بأسره
 
الصمت الدولي

إن الدول العظمى والمجتمع الدولي كانوا قادرين على التدخل في سوريا وإيجاد حل جذري لمعاناة الشعب السوري، لكنهم عملوا على تجميد الصراع الدائر فيها فقط، دون حله بشكل كامل، فالمصالح الدولية اجتمعت على المائدة السورية لفرض نفوذها وسيطرتها تدريجيا على المنطقة العربية.

المفاوضات

رأينا خلال السنوات السابقة أن جميع المفاوضات السياسية ومساراتها التي جرت تحت رعاية المجتمع الدولي والدول الضامنة، كانت أدوات للصراع على مستقبل سورية، ووعودا في مهب الريح. وضمن هذه المسارات التي تتزاحم تحت شعار دعم المفاوضات، ثمة قطبة مخفية لا تزال تعرقل الوصول النهائي إلى تصور حل شامل، حتى فيما يتعلق بجزئية شكل الحكم في سورية.

خاتمة

أمام كل ما يجري على الأراضي السورية منذ بداية الحرب يتبين للجميع أنّ الخاسر الأكبر في هذه الظروف هو الشعب السوري، فالحصار الخانق لأهل الغوطة الدمشقية وصمة عار على جبين الإنسانية، واستخدام الكيماوي بين الفينة والأخرى من قبل قوات الأسد هو عجز دولي وتعام عمّا يجري من وقائع إنسانية مزرية يندى لها جبين العالم بأسره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.