شعار قسم مدونات

شيطان الهايد بارك!

blogs الهايد بارك

كما حكيت لك في الأسبوع الماضي، لم تكن تجربتي الأولى مع "الهايد بارك" سعيدة، لأقرر مغادرتها بلا رجعة، وتشاء الظروف وأنا في طريقي لمغادرة "الهايد بارك" أن أكتشف نجمها الأبرز المخبوء في الركن البعيد الهادئ من ركن الخطباء، فيصبح ذلك النجم الغريب سببا لزيارتي المتحمسة للهايد بارك في رحلتي عمل تاليتين إلى لندن، فأذهب للاستمتاع بعرضه، كأنني ذاهب إلى مسرح للفرجة على "مونودراما" يقدمها ممثل عتويل يجيد الكوميديا والتراجيديا معا، ويجيد قبلهما فن الاحتفاظ بمشاهديه دون أدنى ملل.

 

في البدء، ظننته بسبب ملابسه مهرجا غريب الأطوار، كان ممتلئا بعض الشيء، أسمر اللون، يتحدث الإنجليزية بطلاقة مع لكنة ثقيلة تظهر فجأة وتختفي فجأة، كان يرتدي قبعة سوداء تشبه الطرطور أو الزعبوط الذي يرتديه مهرجو السيرك، تنبعث من أعلاها ثلاثة قرون ملونة، أضخمها ينبعث من منتصف القبعة مائلا إلى الوراء، متوسطا قرنين صغيرين أحمرين، كان يضع على أذنيه سماعة كبيرة الحجم، ويرتدي قفازين مقطوعي الأصابع والظهر، ربما ليتناسبا مع جو الصيف الرطب، ويضع حول رقبته شالا يشبه الشال الفلسطيني بعض الشيء، مما جعلني أظنه لأول وهلة من الخطباء المناصرين للقضية الفلسطينية، الذين قال لي صديق أنني سأشهد مناوشاتهم الساخنة مع صهاينة الهايد بارك، لكنني لم أجدهم في أول زيارة، وإن كنت قد شاهدت بعضهم في ما بعد، فأعجبت بمن يتحدثون منهم بشكل ساخر وجذاب لا يخلو من المعلومات التي تدفع المستمع للتفكير، ولم أعجب بمن يتصورون أن إجادتهم الإنجليزية تعفيهم من مسؤولية الحديث بشكل منطقي بعيدا عن الخطابة والطنطنة التي تعودنا عليها.

 undefined

في المرتين التاليتين اللتين رأيت الرجل فيهما، كان يرتدي نفس الملابس الغريبة، التي لم أكن أتصور في المرة الأولى أنها زي رسمي يحمل وراءه فلسفة، فهو من وجهة نظره الزي الرسمي للشيطان، وإذا كانت هذه القبعة ذات القرون هي قبعة الشيطان، فمن البديهي أن الشيطان لن يكون ذوقه عاديا في الملابس، بل سيرتدي "جاكيت أخضر" فوق "تيشيرت" مطبوع صارخ الألوان، وبنطلون جينز أزرق، وحذاء ضخم يوحي اخضراره بأنه مطلي بشكل رديء. حين رأيته لأول مرة، كان يضع يديه في جيبيه، وينظر نحو سماء الحديقة مبتسما، في حين يقف أكثر من ثلاثين شخصا حوله مترقبين، ليبدو بعد لحظات أنه لم يكن يؤدي عرضا صامتا، بل كان سارحا في سكتة طويلة، قطعها بابتسامة عريضة، قبل أن يستأنف حديثا بدا أن جمهوره كان يترقب اكتماله: "الفرنسيون أذكى منا بكثير، نحن كنا أمة أغلبيتها من المزارعين، والآن أصبحنا نستبدل المزارعين بآلات ذكية، بينما الفرنسيون يتعاملون باحترام مع المزارعين، حتى لو كانت لديك بقرة واحدة في فرنسا يتعاملون معك كمزارع، وتحصل على إعفاءات ضريبية، بقرة واحدة فقط".

 

قاطعه شاب شرق أوسطي الملامح قائلا بابتسامة: "وماذا لو كان لديك بعض الدجاجات، هل يعاملونك كمزارع؟"، بدا أنه لم يقدر المقاطعة، فصمت قليلا قبل أن يقول: "كل الدجاج يأكل براز بعضه البعض، ثم تأكله أنت"، مضيفا وهو ينظر بجدية في وجه مقاطعه الضاحك: "هل تتصور أنني أمزح، أنا لا أفهم سر الهوس الذي أصاب الناس بدجاج المزارع، لماذا يفضله الناس على الدجاج المجمد، هل رأى أحدكم من قبل مزرعة دجاج، هل أحببت المنظر هناك؟ هل تعرفون أن الدجاج الذي يعيش في الدور الأعلى يتبرز، فيأكل الدجاج الذي في الدور الأسفل برازه، ثم تأكلونه أنتم؟ هل هذا يسعدكم أكثر من الدجاج المجمد لمجرد أنه لا يعيش في أدوار فوق بعضه البعض؟ ثم يطعمون المتبقي من براز الدجاج للسمك في مزارعه لكي تكتمل الدائرة"، ليضج الحاضرون بالضحك، ويبدو لي أنني وجدت أخيرا في المكان من يقول كلاما لم يسبق لي سماعه.

 

لم أعجب بمن يتصورون أن إجادتهم الإنجليزية تعفيهم من مسؤولية الحديث بشكل منطقي بعيدا عن الخطابة والطنطنة التي تعودنا عليها

كأي فنان متمرس على التعامل مع الجمهور، أعطى شيطان الهايد بارك لجمهوره لحظات للضحك، لكنه قبل أن يكمل كلامه، قاطعه الشاب الشرق الأوسطي من جديد متسائلا بضحكة عريضة: "لكن ماذا عن براز السمك الذي يعيش في نهر التيمس، هل نشربه نحن؟". فنظر الشيطان إليه نظرة غاضبة، لا يفهمها إلا من عرف ممثلي المسارح جيدا، فأدرك كيف يمكن للكوميديان أن يقتل، إذا رأى من يزاحمه في تفرده بالإضحاك، وبعد هنيهة من الصمت، قرر الشيطان أن يوجه للشاب المزاحم ضربة قاصمة مغلفة بالابتسام: "هذا بالضبط ما أقوله، كل ما نشربه من ماء في لندن غير نقي، المسلمون الذين يعيشون في لندن، يشربون بول اللوطيين، هم لا يحبون اللوطيين، لكنهم لا يعرفون أن ما يشربونه من مواسير لندن ماء مختلط ببول اللوطيين، ليتحولوا بدورهم إلى لوطيين دون أن يشعروا"، وحين لمح في وجه الشاب نظرة ضيق، أطلق زفرة حادة ثم قال له متصنعا التأثر: "يا صديقي المسلم المصدوم مما سمعته، صدقني لم يعد يوجد مسلمون حقيقيون في لندن، كلهم عملاء أغبياء للسي آي إيه، وإلا فقل لي أين يمكن أن أجد مكتوبا في القرآن، أن على المسلم أن يعيش في لندن ويدفع ضرائب لحلف الناتو الذي يقتل المسلمين، أنا كنت من أهم الملائكة، وأعرف ما أقوله جيدا، وأؤكد لك هذا ليس مكتوبا في القرآن".

 

استوقفني وصفه لنفسه بالملاك، فبدأت أتأمل التيشيرت الذي كان يرتديه تحت الجاكيت، لأكتشف أن ألوانه الصاخبة "غلوشت" على رسم يظهر فيه الشيطان وهو يفرد جناحيه على الكون، كان ما قاله شيطان الهايد بارك قد أغضب الشاب الذي صرخ فيه قائلا: "لماذا تقول لي هذا الكلام؟ قله لحلف الناتو الذي تدفع أنت له الضرائب أيضا"، ولم أتوقع أنا ولا من حولي أن الشيطان الذي بدا منذ قليل مناهضا لحلف الناتو والسي آي إيه، سيقول للشاب بمنتهى الهدوء: "لماذا أنت منفعل يا عزيزي، حين يقتلونك كمسلم يؤدون لك خدمة، يجب أن تسعدك المذابح، اسمع مني ما أقوله لك، أنا بحكم عملي لدي مصادر في الداخل وأعرف الكثير مما لا تعرفه، المسلمون يصلون إلى الله ليطلبوا منه أن يذهبوا إلى الجنة، ليغرقوا في النعيم، ويلتقوا بالعذراوات، ولذلك يرسل الله ملاك الموت "حلف الناتو" ليقتلهم، بالتالي ليست جريمة أن تقتل مسلما، لأنه حين يموت يذهب إلى الجنة كشهيد، إنها جريمة فقط أن تقتل كائنا حيا، لأن الكائنات الحية لا تحب أن تموت".  

 

تكهرب الجو من حولنا، كان في الجمع المحيط بنا عدد من ذوي الملامح الشرق أوسطية، أو الذين يمكن أن يُشك في كونهم عربا أو مسلمين، لكن شيطان الهايد بارك كان يلعب لعبته بهدوء شديد، كان يوجه كلامه الجارح وهو يحتفظ بابتسامته الزائفة، ناظرا مباشرة في عيني الشاب الذي أصبح عليه أن يلعب دور الهادئ الذي لا يهتز، قبل أن يدرك أنه لن يستطيع مغالبة انفعاله، فيقرر الابتعاد عن المكان مسرعا، لنفاجأ جميعا بالشيطان ذي الزعبوط، وهو يلتفت خلفه نصف التفاتة، وينظر إلى سيدة تقف على بعد خطوات منه مستندة إلى سور معدني، كانت قد لفتت انتباهي أثناء حديثه بغرابة ملابسها التي تشبه ملابس المخبرين في أفلام الأبيض والأسود، لاحظت أنها برغم قربها منه، لم تكن تنظر إليه، بل كانت طيلة الوقت تنظر مطرقة نحو الأرض، ليتضح بعد إشارته إليها أنها حاضرة معه، وأن إشارته إليها كانت طلبا لبعض الماء، الذي أخرجته من حقيبة استقرت بجوارها، وهرعت لتناوله زجاجة الماء، التي أخذ منها رشفتين بحركة عصبية، قبل أن يعيدها إليه، فتعود إلى مكانها ووقفتها وغرابتها، فينظر للمتابعين المتحفزين ويقول لهم ضاحكا: "اعذروني، كان لا بد أن أتخلص منه، لو كنت أحب المقاطعات والمناوشات، لما وقفت في هذا الركن الهادئ، صدقوني أنا لست ضد المسلمين، لست ضدهم بالذات، أنا ضد جميع أبناء البشر الملاعين، لا تنسوا قبل كل شيء أنني الشيطان وأتمنى لكم جميعا على اختلاف أديانكم أسوأ حياة ممكنة، وأسوأ موت متاح"، ليضج الجميع بالضحك، فيرفع رأسه مبحلقا في السماء، وتاركا مساحة ضحك للجمهور، ومتأهبا لطلعته القادمة.

 undefined

في الزيارتين التاليتين اتضحت أكثر معالم الطريق الشيطاني لصاحبنا الرجيم، والتي كان أبرزها اختيار فريسة سائغة كل مرة، لا يهم دينها أو عرقها أو مظهرها، المهم أن تكون قد ارتكبت خطيئة مزاحمته في لحظة تجليه، لينهال عليها طعنا بمخالبه المبتسمة، دون أن يخشى ردود الأفعال التي يمكن أن تنتج عن ذلك، ربما لأن من تقاليد المكان المستقرة، أن يتسابّ الناس ويتشاتموا ما شاؤوا، دون أن يمد أحدهم يده أو قدمه على الآخر، ودون أن يوجه لشخصه تهديدا صريحا بممارسة العنف، بحيث يمكن له أن يفلت بفعلته لو قال كلاما عاما يحرض ضد شعب أو جنس أو دين، لكنه إذا خص بالاتهام شخصا بعينه وقام بالتشهير به أخلاقيا، يمكن أن يقع تحت طائلة القانون، وهو ما يخالف اعتقاد الكثيرين أن ركن الخطباء بالهايد بارك مكان محصن من العقاب أيا كان ما تفعله وتقوله فيه.

 

كان لدي أسئلة كثيرة تلح عليّ وتناشدني أن أطرحها على شيطان الهايد بارك، أولها عما إذا كان قد تعرض بسبب طريقته الخطرة تلك لأذى بدني، من مستمع أفلتت فرامل صبره، لكن تعلمي المبكر للدرس، منعني من مجرد التفكير في المقاطعة، والاكتفاء بدور المستمع المستمتع، خاصة بعد أن اكتشفت أنه يغالي في قواعده، فيمنع تصويره بكاميرا فيديو الموبايل، يسمح فقط بأخذ لقطات ثابتة له شريطة أن يكون التصوير من الجنب فقط، لأنه على حد تعبيره "لم يحن بعد الوقت الذي تواجهه فيه كاميرا"، ولذلك ستجد الصور التي التقطتها له "بعافية حبتين"، أتذكر أنني فكرت في أخذ تسجيل صوتي لما يقوله، لكنني ضبطت نفسي متلبسا بالتردد الحذر، ربما لأنه أقنعني أن لديه قدرات شيطانية يستطيع بها من وقفته العالية أن "يفقس" فعلتي الشنعاء، فأصبح هدفا لهجومه الكاسح الذي لا أعلم كيف سأتقبله.

 

لذلك قررت الاكتفاء بالاستماع إلى خلطته التلقائية السحرية التي يمزج فيها أنصاف الحقائق بكامل الأكاذيب، والصارخ من الإفيهات باللامع من الأفكار وأحيانا بالتافه منها، والهجوم العدواني بالمداعبة اللطيفة، متنقلا بين ذلك كله في قفزات من أجلها خُلق تعبير "سوق الهبل على الشيطنة"، مما يمكن نشره منها، تلك المرة التي سأله فيها رجل متذاكٍ مشيرا إلى سماعته: "عزيزي الشيطان نريد أن نعرف ما الذي تستمع إليه وأنت تحدثنا؟"، فنظر إليه مبتسما بأناة الحليم وقال له: "طبعا أنت تتمنى أن أقول لك إنني أستمع إلى ذبذبات قادمة من السماء يرسلها لي زملائي السابقون في الجنة، أو أن أقول لك إنني أقوم بالتشويش على أجهزة إرسال الإم آي 6 التي تحاول اختراق عقلي، أو أن أقول لك إنني أستمع إلى صوت أمك وهي تتأوه، تريدني أن أقول لك أي شيء وضيع لكي تشعر أنك أفضل مني، لكنني لن أفعل ذلك، لأنه ليس من حقي مثلا أن أسألك ما الذي كان يدور في مؤخرتك حين قررت أن تسألني سؤالا كهذا، لأن ما يدور في مؤخرتك ملكٌ لك، وليس من حق أحد أن يسألك عنه، حتى لو كنا جميعا نعرف ما الذي يدور في مؤخرتك، فنحن في بلد متحضرة تحترم خصوصية الإنسان مهما بدا لنا وضيعا، أتمنى أن أكون قد أجبت على سؤالك يا صديقي العزيز"، وحين انفجر الرجل في الضحك الصاخب، بدا أنه زبون قديم لجلسة الشيطان، وإلا لما كان قد تحمله حتى النهاية. 

 

تكهرب الجو من حولنا، كان في الجمع المحيط بنا عدد من ذوي الملامح الشرق أوسطية، أو الذين يمكن أن يُشك في كونهم عربا أو مسلمين، لكن شيطان الهايد بارك كان يلعب لعبته بهدوء شديد

كنت قد قررت في زيارتي الثالثة، أن أنتظره حتى نهاية عرضه، لعله يتاح لي أن أسأله عن بعض وساوسي وأفكاري، خاصة وقد بدأ يتجسد لي كمشروع فيلم سينمائي عظيم يمكن أن يمثله ببراعة ممثلان بحجم فورست وايتيكر أو صامويل ل. جاكسون لو تغاضينا عن التطابق الشكلي، ليتأكد لي أن له موعدا لا يخلفه في إنهاء عرضه، هو الرابعة مساء، حيث يقطم حديثه فجأة دون خواتم منمقة أو تمنيات طيبة أو تحيات تقليدية، تماما كما يبدأ حديثه في الثانية عشر ظهرا دون مقدمات، كأنه يستأنف حديثا بدأه مع الحاضرين قبل مجيئه. وحين أنهى يومها وصلته الساخرة، هبّت امرأته الغامضة التي جاءت مثله بنفس زيها الأول، لتذكرني بدور "لظى" زوجة إبليس في مسلسل "الكعبة المشرفة" والذي لعبته باقتدار ستّنا محسنة توفيق، أمام إبليس مصر الوحيد على الشاشة الصغيرة عمنا جميل راتب.

 

لا أظنك تفترض في الغباء بحيث أخاطر بالبدء بسؤاله عن طبيعة علاقته بها، فقد كنت حصيفا، وأنوي فعل ذلك في نهاية حوارنا الطويل، أو هكذا تصورت، لكنه حين عرضت عليه فكرة إجراء الحوار الصحفي معه، قال بهدوء توجست منه خيفة: "أين ستنشر هذا الحوار؟"، فقلت متحمسا: "في أكبر صحيفة مصرية"، فهز رأسه مبتسما وقال "مصر، واو، جميل"، فحمدت الله على دعوات الأم ورضاها، قبل أن يتضح أنه لا ينفع مع الشياطين ببصلة، فقد سألني بجدية: "هذه الصحيفة هل تقرأها نفرتيتي؟"، فهززت رأسي بالنفي ببلاهة، فأضاف: "هل يقرأها توت عنخ أمون؟"، فواصلت هز رأسي بالنفي وقد فهمت سكته، خاصة بعد أن أضاف اسمين أو ثلاثة من مشاهير الفراعنة، وحين رأى أنني توقفت عن هز رأسي، قال بهدوء شديد "هل تتصور أنني مهتم بالحديث لأحد في بلادكم التعيسة غير هؤلاء؟"، ثم تركني ومشى بصحبة لظاه.

 

قلت لنفسي إن الحصافة منجية في نهاية المطاف، لأنها جعلت "تهزيئة" كهذه تمر بسلام في "الكلوز"، بعيدا عن شماتة الملأ، أذكر أنني ذهبت بعدها إلى كشك الآيس كريم القريب من الركن الذي يقف فيه، لأسأل بائعه الشاب عما إذا كان يعرف شيئا عن شيطان الهايد بارك، فسبه بأقذع الألفاظ، وتعصّب عليّ حين سألته عن طبيعة الموقف الذي حدث بينهما وجعله يكرهه هكذا، فخمنت أن درجة غضب كهذه لا يمكن أن تكون قد نتجت إلا عن إهانة علنية، وأن البائع الشاب ربما تعشم فيه ذات مرة أن يعمل اعتبارا للجيرة، ويقوم بمنحه مكانا صغيرا على مسرحه، فحل عليه غضبه، ولذلك كان ما رأيته من حنقه الشديد لمجرد سماع اسمه، ولذلك فكرت أن علاقته بزملائه من معتادي التردد على المكان لن تكون أفضل، خاصة وهو يتعمد البقاء بعيدا عنهم طيلة الوقت، ولا أذكر أنه علّق على أداء أحد فيهم، أو حتى نظر نحوه، مهما علا صوته وازداد الصخب المحيط به، كنت قد بحثت عنه على "جوجل" تحت اسم شيطان الهايد بارك فلم أجد له ذِكرا، مع أنه لو كان قد سمح بتصويره بالفيديو، لوجدتُ له مئات الفيديوهات دون مبالغة.

 

عبرت في طريقي لمغادرة الهايد بارك بجوار فتاة جميلة تحمل لافتة "أحضان مجانية"، كان الإقبال عليها شديدا لأسباب مفهومة، أخذت أتأمل جنبات المكان الذي لم يكن مزدحما في زيارتي الأخيرة التي كانت عام 2012، وهو عكس ما رأيته وعهدته في الزيارتين السابقتين، فلم أدر هل كان هطول المطر يومها سببا لذلك، أم أن ركن الخطباء تأثر بفعل مواقع التواصل الاجتماعي، التي كانت قد بدأت في فرض سطوتها على الفضاء العام، وهو ما لعله أغرى كثيرا من زبائن ركن الخطباء، ليكنّ كل منهم في بيته، مفضلا أن يكون النجم الأوحد في حفلته الخاصة.

undefined

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.