شعار قسم مدونات

ريهام سعيد تلتقي بالرفيقات

ريهام سعيد

في نوبة إلهام مفاجئة، رأت المذيعة ريهام سعيد، في سنة 2014، أن تسجل إحدى حلقات برنامجها "صبايا الخير" في سجن القناطر للنساء. ارتدت "جلابية" بيضاء كأنها سجينة، واصطحبت فريق البرنامج إلى السجن. منذ أيام تم ترحيل ريهام إلى سجن القناطر، ليس تمثيلا هذه المرة، لم تستقبلها الحارسة لتمثل أمامها دور بطلة ثانوية، لم تمثل أنها تفتشها، بل استقبلتها سجينة وفتشتها ونقلتها إلى زنزانتها.

 

في حلقة 2014 كان كل ما يخص السجن وإجراءاته وطبيعة الحياة فيه ومظهر الزنازين… كل ذلك كان مصنوعا ولطيفا: زنازين في غاية النظافة (قياسا على الزنازين التي سكنتُها في أكثر من سجنيْن ومديرية أمن)، ملاءات ناصعة البياض مطرزة بنقوش زاهية، على أسرّة مرتّبة، ملابس مريحة للعين على أجساد سجينات، لا يبدو أنهن سمعن بالجرب وسائر الأمراض الجلدية المستوطنة في السجون، تريّض صحي تحت شمس مشرقة، أمام جدران حديثة التلوين..

 

في تلك الحلقة تألمت ريهام ألما شديدا لأنهم منعوها من الدخول بالذهب كأي سجينة، وحفظوه في الأمانات. كررت في الحلقة قسوة الإحساس بالعجز عن التزين بذهبها. أخشى أن ريهام تكتشف الآن عالما آخر. في قناطر 2014، كان الضباط والأمناء يحيطون بها، يمازحونها أحيانا، يحمونها، بعد أن اختاروا الزنازين التي ستدخلها والسجينات اللاتي ستلتقي بهن. كل ذلك انتهى الآن، مع أنها لن تُعامل معاملة السجينات البائسات اللاتي تحدثت إليهن في حلقة 2014، فهي "النجمة" ريهام قبل أي شيء. بعد القبض عليها، شمت فيها كثيرون، لم أكن منهم، ليس لأنها تستحق الشفقة، بل لأنني أبغض الشماتة من حيث المبدأ، مع أني أضعف فأقترفها أحيانا. هذه التدوينة ليست للشماتة إذن، بل لتأمل هذا القدر؛ كيف يصنع بالبشر العجائب.

 

في الدقيقة الثلاثين من مقطع الفيديو المرفق، تبتسم ريهام ابتسامة انتصار وهي تخبر سجينة أن الله يكفّر عن ذنوبها السابقة بالظلم الفادح الواقع عليها الآن، فلابد أنها تسببت في أذى ناس عديدين، حتى تنال سجنا مؤبدا عن جريمة لم ترتكبها

ريهام سعيد ذات فضائح أخلاقية ومهنية مشهودة. ولأنها تستحق السجن عن بعض جرائمها، فقد كان طبيعيا ألا يخطر ببالها أن تسجل حلقة في السجن، وأن تملأها بالمواعظ واستنطاق السجينات بنصائح لا تنتهي عن مغبة مخالفة القانون وسوء عاقبتها، وعن أن الله هو الذي يقدر علينا السجن أو ينجينا، وأنه لا يقضي على الناس بالسجن إلا بذنوب مستحقة حتما. ما من مظاليم في السجون، حتى أنها تعجبت مرارا ممن يذوق مرارة السجن ثم يخرج فيرتكب جريمة تعيده إليه، (وهو مذنب في الحالتين بغير شك)، ولتشرح لنا أكثر، تكرر ضيقها الشديد بملابس السجن البيضاء، مع أنها سوف تبدّلها فور انتهاء التصوير. ما هذه المفارقات؟ ما أسرع ما خرجت ريهام من السجن لتعود بأيسر ما يكون!

 

تتحدث مع بعض السجينات وتلحّ على تذكيرهن بمآسيهن. تسأل إحداهن عن شعورها الآن وهي تعلم أنها سوف تقضي سجنها المؤبد على هذا السرير ذاته؟ مع أن التهم الموجهة لريهام قد تصل عقوبتها للمؤبد أيضا. (التحريض على اختطاف أطفال والاتجار بالبشر). تخبرها سجينة عن اشتياقها لطفلتيها اللتين لا تعلم عنهما شيئا، فتلح على سؤالها عن شعورها وهي بعيدة عن طفلتيها وزوجها، كيف تشعر حين تخرج بعد انتهاء العقوبة لا تعرف شيئا عن طفلتيها الشابتين!

 

إحداهن حكت لها أنها سُجنت من قبل في قضايا مخدرات ثم نالت البراءة، بينما تقضي الآن سجنا مؤبدا بسبب جريمة قتل لم تقترفها. في الدقيقة الـ 30 من مقطع الفيديو المرفق، تبتسم ريهام ابتسامة انتصار وهي تخبر سجينة أن الله يكفّر عن ذنوبها السابقة بالظلم الفادح الواقع عليها الآن، فلابد أنها تسببت في أذى ناس عديدين، حتى تنال سجنا مؤبدا عن جريمة لم ترتكبها. لابد أن كف بصر طفلتها هو انتقام إلهي من إيذائها للناس. في الدقيقة الـ 21 تؤكد لها أنها ليست مظلومة في عقوبة المؤبد لأنها ارتكبت جرائم قديمة؛ هذه بتلك.

 

هل تتذكر ريهام نصائحها الآن؟ في 2015 استضافت فتاة تعرضت لتحرش واعتداء همجي من مجرم شاب. ذهبت الفتاة للحلقة حتى تذيع قضيتها أمام الرأي العام، ليدرك الجميع بشاعة الاعتداء عليها، فقام أحد مساعدي ريهام بنسخ صور شخصية جدا للفتاة من هاتفها، دون علمها، وأذاعتها متهمة الفتاة بسوء الخلق و… تلك جريمة مكتملة الأركان، لكن المحكمة برّأتها. هل يكفّر الله ذنبها هذا بسجن عن تهمة أخرى لكنها حقيقية أيضا هذه المرة؟

 

مثلما أوهمت المتفرجين بأن الفتاة تستحق الاعتداء لتحررها، أرسل القدر لها رجلا يذلها بالشماتة وهي في سيارة الشرطة، "تستاهلي خلي بالك يا ريهام.." فتجيبه بالبكاء والعويل، في مشهد مؤلم حقا. معظم حديثها في الحلقة يبدو الآن ضربا من الإلهام والرؤيا النورانية. حين تلتقي ريهام بسجينة من اللاتي جلدتهن بلسانها في 2014، فماذا ستقول لها؟

 

حين تطلب المشويات التي رأت سجينة تشويها في ساحة السجن، فهل ستجدها؟ في الحلقة قالت للسجينة إن رائحة الشواء أجاعتها، لكنها مهما أكلت من ذلك الطعام فلن تستمتع به ما دامت في السجن.. يا لها من مشويات في أطباق نظيفة مغلفة بالورق المفضض! هل سوف تستوصي السجينة خيرا بوجبات ريهام حتى لا تفقد بشرتها نضارتها من سوء التغذية؟ مرة أخرى، لست شامتا، بل منبهرا بأعاجيب القدر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

روابط:

حلقة 2014

عن مخالفاتها

عن قضيتها الأخيرة

أثناء ترحيلها

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.