شعار قسم مدونات

صهيون على عرش فرعون (4)

blogs السيسي

بعد عودة الجيش للحكم بشكل مباشر عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي انطلقت الأذرع الإعلامية للمخابرات في تشويه الفلسطينيين وأهل غزة والمتعاطفين معهم مع نبرة ود حميمية لدولة الاحتلال الصهيوني، حتى وصلت لحد مطالبة لميس جابر -التي عينها السيسي عضواً في البرلمان -بـطرد كل الفلسطينيين من مصر ومصادرة أملاكهم ومتاجرهم، وواصفة المؤيدين للقضية الفلسطينية "بالخونة الكلاب"، ومُطالبة بـ"إعلان العداء السياسي الصريح لحماس، والقبض علي كل متعاطف معها واتهامه بالخيانة العظمى، وإلغاء موضوع القضية الفلسطينية من المناهج والإعلام والصحف، وغلق المعابر إلى أجل غير مسمى، وإلغاء كلمة حالات إنسانية وجرحى" قائلة "يروحوا في داهية."

 

ما قالته لميس كان جزءً من خطة تم اعدادها لتشويه وعزل القضية الفلسطينية عن مصر واستبدالها بود وسلام مع المحتل وفق تسريب صوتي ليوسف زيدان قال فيه إن عبد الفتاح السيسي طلب منه تنظيم حملة لتفكيك أسس الاشتباك الديني مع الصهاينة في القضية الفلسطينية، وصولا إلى إرساء "قواعد سلام" بين اليهود والمصريين، وهو ما ظهر في كلام زيدان خلال حواراته على القنوات المدعومة من أجهزة الأمن والتي قال في أحدها "إن الصراع على المسجد الأقصى الفلسطيني يمثل لعبة سياسية صنعها عبد الملك بن مروان، ولا يوجد مبرر للصراع على المسجد من الناحية العربية أو الإسرائيلية".

 

حققت إسرائيل عبر رجلها ما لم تكن تحلم به يوماً ومنها التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير الذي مكن دولة الاحتلال تمديد نفوذها في البحر الأحمر والحدود البحرية الشرقية وتدويل مضيق تيران الذي فشلت فيه خلال عقود وعبر حروب مع مصر

غير أن ذلك قد سانده إجراءات رسمية وحكومية مثل اتهام الرئيس المعزول بالتخابر مع حماس والذي قوبل بارتياح وترحيب شديد داخل إسرائيل وصفه وزير الحرب الصهيوني الأسبق بن اليعازر بأنه "رسالة طمأنينة من عسكر مصر لنا وللغرب"، بينما قال "زئيف إلكين" نائب وزير الخارجية مُتهكماً "بإمكاننا الآن إرسال عناصر حماس لمحاكمتهم في مصر بعد اتهام مرسي بالتخابر معها".

 

ماذا تُريد إسرائيل لمصر؟

إن إجابة هذا السؤال كانت المنهج الذي اتبعه -ولا يزال -رجل إسرائيل في قيادة مصر، وربما لم يكن تشويه الفلسطينيين وعزل مصر عن القضية أهم تلك الأهداف وإنما كان إضعاف مصر كدولة وجيش يأتي على رأس الإجابة، وهو ما عبر عنه بوضوح بعض قيادات دولة الاحتلال عقب أحداث 3 يوليو 2013، في أحد برامج الإذاعة العبرية حيث قال أولهم وهو الجنرال رؤفين بيدهتسور، رئيس هيئة أركان سلاح الجو الإسرائيلي سابقاً "حتى في أكثر الأحلام وردية لم يكن لإسرائيل ان تتوقع حدوث هذه النتيجة، فاندفاع الجيش المصري نحو السياسة على هذا النحو غير المسبوق يعني عدم إحداث أي تغيير على موازين القوى القائم بيننا وبين العرب في المستقبل ولفترة طويلة".

 

بينما قال عاموس جلبوع، رئيس لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية السابق "يتوجب على الولايات المتحدة توظيف تأثيرها القوى على قادة الجيش المصري واقناعهم بمواصلة القيام بنفس الدور الذي كان يقوم به العسكر في تركيا، بحيث يضمن الجيش عدم صعود الجهات المتطرفة للحكم في القاهرة، حيث أن هذا يعتبر مصلحة إسرائيلية وأمريكية"، أما رئيس هيئة أركان الجيش الأسبق دان حالوتس فقال "رغم سعادتنا بما تم، إلا إن أهم ما حدث حتى الآن هو تحييد الجيش المصري وإضعاف قوته عبر شغله في الواقع السياسي الداخلي لسنين طويلة في المستقبل".

 

ما قاله الجنرالات الثلاثة قاله قبلهم المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي عقب الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك "إن أمريكا وحلفاءها لا تريد للعرب حكومات تُعبر عن إرادة الشعوب التي ترى فيهم عدوه، وخاصة مصر التي تُعد أهم دولة في المنطقة، والتي ستسعى أمريكا إلى إبقاء رجالها في مراكز الحكم والقضاء على الديمقراطية"، وهو بالضبط ما قام به السيسي منذ اليوم الأول، ليس فقط اشراك الجيش في الحكم والسياسة والاعلام والاقتصاد وإنما القضاء تماما على الحياة السياسية بمهاجمة الأحزاب واستهداف السياسيين وعسكرة البرلمان بأشخاص وقوائم أمنية بحتة حتى جاءت الانتخابات الرئاسية فتم مصادرتها كلياً بسجن وتهديد المرشحين وعقد مشهد تمثيلي خلا تماماً من أي ديكور سياسي، وهو ما طمأن إسرائيل بعد الفزع الذي أصابها من الثورة المصرية خوفاً من تحقيق الديمقراطية التي كانت ستقودها إلى تملك إمكانات كبرى وتصبح دولة حديثة عملاقة تقود العالم العربي وتحدد ما يحدث في المنطقة وفق ما رآه د. علاء الأسواني في كتابه "هل أخطأت الثورة المصرية."

 

 حققت إسلرائيل العديد من المكاسب من وجود السيسي على عرش مصر حتى صار الحديث عن ذلك واضحاً ومكشوفاً دون أي حياء ولا مواربة فالمسؤولين الصهاينة صاروا يُطلقون عليه لقب
 حققت إسلرائيل العديد من المكاسب من وجود السيسي على عرش مصر حتى صار الحديث عن ذلك واضحاً ومكشوفاً دون أي حياء ولا مواربة فالمسؤولين الصهاينة صاروا يُطلقون عليه لقب "السيسي بتاعنا"
 

وبجانب الأهداف الاستراتيجية لدولة الاحتلال كإضعاف مصر بالدكتاتورية العسكرية وجيشها بإلهائه بالسياسة والاقتصاد وقبول إسرائيل كدولة جارة وليست عدو مثلما حدث في صفقة استيراد الغاز من كيان الاحتلال الذي تركزت أغلب المواقف منه حول المنافع والخسائر الاقتصادية دون النظر إلى طبيعة وماهية الطرف الأخر كعدو أصيل، وكذلك التصويت لها في الأمم المتحدة، فقد حققت عبر رجلها أهداف أخرى لم تكن تحلم بها يوماً ما كان أبرزها التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير الذي مكن دولة الاحتلال تمديد نفوذها في البحر الأحمر والحدود البحرية الشرقية وتدويل مضيق تيران الذي فشلت فيه خلال عقود وعبر حروب مع مصر تم تحقيقه بجرة قلم من السيسي الذي قمع وطحن كل صوت اعترض على ذلك، بل إنه سمح بتمدد النفوذ العسكري الإسرائيلي داخل الأراضي المصرية نفسها كان أكبر شاهد عليه ما كشفته وسائل الاعلام العالمية من تنفيذ جيش الحرب الإسرائيلي لأكثر من 100 ضربة جوية داخل الأراضي المصرية بموافقة وتنسيق مع السيسي شخصياً، بالإضافة إلى تنفيذ أوامر وطلبات بعينها مثل ما كشفه وزير الطاقة الإسرائيلي "يوفال شتاينتس" من أن السيسي قد أغرق أنفاق غزة بناء على طلب من القيادة الإسرائيلية.

 

كل ما سبق يُعد غيض من فيض المكاسب التي حققتها وتُحققها إسرائيل من وجود السيسي على عرش مصر، حتى صار الحديث عن ذلك واضحاً ومكشوفاً دون أي حياء ولا مواربة فالمسؤولين الصهاينة صاروا يُطلقون عليه لقب "السيسي بتاعنا" وفق ما تنشر الصحافة العبرية على الملأ، وأصبح بقاءه في هذا المنصب "قضية حياة أو موت" مثلما عبر أحد الكتاب الصهاينة، بل واصبح دعمه ومساندته أمر استراتيجي يشغل بال صناع القرار في دولة الاحتلال كما تقول الدبلوماسية الإسرائيلية روت فيرسمان التي عملت مستشاراً سياسياً لشيمون بيريز وصاحبة مقال "يا سيسي سر وشعب إسرائيل معك"، وذلك لاستمرار الدعم والمساندة لدولة الاحتلال في مُخططاتها للقضاء على القضية الفلسطينية وإبقاء مصر دولة ضعيفة عاجزة رهينة المساعدات الخارجية، وتفريغ المجتمع من كل المساحات السياسية التي لا يملأها سوى التطرف والعنف والإرهاب الذي يغذيه ويعززه السيسي كل يوم بالظلم والقمع والتعذيب والتنكيل في سيناء وداخل المعتقلات والسجون، حتى اصبح وجوده الخطر الأعظم على بقاء مصر واستقرارها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.