شعار قسم مدونات

معضلة اقتصاد السودان تحتاج حلا

blogs السودان

يعاني السودان أزمة اقتصادية طاحنة منذ عام 2011م، أساسها انهيار العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي بشكل متوال ودون توقف، وذلك يرجع لعجز الدولة عن توفير الدولار بسبب فقدانها لنفط دولة جنوب السودان الذي كان يشكل إحدى ركائز الاقتصاد السوداني.

 

راهنت الدولة في الفترة الأولى من الأزمة على إيجاد حل يضمن استمرار جزء من الدعم الدولاري من دولة جنوب السودان مقابل السماح بمرور نفط الدولة الوليدة عبر الأنابيب والمصافي السودانية، وبعد جولات ماراثونية من الحوار تخللتها اشتباكات توصلت الدولتان لاتفاق لو تم تنفيذ بنوده لأنهى أزمة الاقتصاد السوداني من جذورها، ويتضمن أن يتدفق نفط جنوب السودان عبر السودان إلى العالم بمبلغ 20 دولارا للبرميل الواحد لمدة خمس سنوات، بعد ذلك يسمح بمرور نفط دولة جنوب السودان حسب الأسعار العالمية وهي دولار واحد لكل برميل.

 

ظهر للحكومة السودانية فشل مراهناتها السابقة على أي حل خارجي لإنقاذ اقتصادها المتهاوي فحتى العقوبات الأميركية التي تم رفعها من شهور تعتبر عقوبات مرفوعة مع وقف التنفيذ

واجه الاتفاق صعوبة أن هناك فريقا داخل دولة جنوب السودان كان ينادي بالتوقف عن دعم "المستعمرين الجلابة" واستبدال تصدير نفط دولة الجنوب عبر ميناء بورتسودان بتصديره عبر ميناء جيبوتي وميناء ممبسا الكيني، أو الاتجاه بدعم الأطراف المتمردة في داخل دولة السودان على أمل إسقاط نظام الخرطوم واسترداد السودان بالتخلص من النظام "الإسلامي العروبي"، الذي يدير البلاد وتولية حكومة موالية لجوبا في الخرطوم، وقد فشل هذا الفريق في مسعاه لأنه لم يكن يقدر بشكل جيد قوة خصمه، ولأن جنوب السودان نفسها سقطت في حرب أهلية مرعبة هي الأبشع في إفريقيا منذ كارثة رواندا قبل عقدين.

 

عندها اتجهت الحكومة إلى البحث عن الدعم العربي، ما دفع الدولة لتعديل بوصلة تحالفاتها بفض العلاقة مع إيران لصالح علاقات أكثر حميمية مع دول الخليج العربي، وتحديدا الإمارات والسعودية، على أمل أن تقوم هذه الدول بدعم السودان اقتصاديا، وكإثبات لنوايا السودان تجاهها قرر السودان المشاركة (الفعالة) في عاصفة الحزم دفاعا عن "الحرمين الشريفين".

 

لم تقدم هذه الدول للسودان سوى الدعم السياسي، فقد رفعت العقوبات الأميركية بمجهود سعودي وإماراتي كبير، لكن الدعم الإقتصادي الذي يحتاجه السودان لم يأت، وهذا الأمر مرده غالبا إلى الأزمة التي يعيشها السعوديون والإماراتيون نتيجة انخفاض سعر برميل النفط الذي وصل قبل عامين إلى أدنى مستوى له منذ عقود، أي ما دون 30 دولارا، ما دفع الدولتين لاتخاذ إجراءات تقشفية جبارة لم يكن من المنطقي معها دعم أي دولة أخرى، لأن ذلك لن يكون مقبولا شعبيا بالدولتين.

 

حانت ساعة الحقيقة وظهر للحكومة السودانية فشل مراهناتها السابقة على أي حل خارجي لإنقاذ اقتصادها المتهاوي، فحتى العقوبات الأميركية التي تم رفعها منذ شهور تعتبر عقوبات مرفوعة مع وقف التنفيذ، بسبب تخوف البنوك العالمية والمؤسسات الدولية من التعامل مع السودان الذي مازال مدرجا على قائمة جورج بوش الإبن للدول الراعية للإرهاب إلى جانب سوريا وإيران.

 

والبنوك العربية الشقيقة المسيطر عليها من رأس المال السعودي والإماراتي في الخليج أو حتى بيروت والقاهرة وغيرها، تنتظر قرار الرياض وأبو ظبي للتعامل ماليا والتعاون مع السودان، وهذه الدول حتى الآن تنتظر من الخرطوم موقفا مناوئا لقطر.

 

كثيرون لا يعرفون قدم وعظمة الحضارة السودانية القديمة في كوش رغم أنها حضارة تم ذكرها في مختلف الكتب الدينية والتاريخية منذ زمن الإغريق
كثيرون لا يعرفون قدم وعظمة الحضارة السودانية القديمة في كوش رغم أنها حضارة تم ذكرها في مختلف الكتب الدينية والتاريخية منذ زمن الإغريق
 

الأزمة شكلها اقتصادي ولكن أصلها سياسي، فلا يمكن أن يبقى اقتصاد أي دولة رهينا للتجاذبات الإقليمية، ولذلك كان على الحكومة السودانية ألا تضع نفسها فيها بالاتجاه لزيادة الإنتاج في القطاعات الإقتصادية التي توفر العملة الصعبة، كالتنقيب عن الثروات الطبيعية والزراعة ومحاولة فتح أسواق جديدة لصادرات الثروة الحيوانية، وترسيخ العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية المجاورة بما فيها جمهورية مصر العربية.

 

كذلك تنشيط قطاع السياحة الذي يبدو أنه استثمار المستقبل الذي تتوجه إليه كل الدول المجاورة، والسودان زاخر بكل مقومات السياحة القادرة على جذب سياح العالم سواء كان في الآثار أو الشواطئ أو الحياة البرية.

 

وهناك سؤال يخطر في بالي دوما: لماذا لا تتوجه وزارة السياحة السودانية للقيام بعمل إعلانات في الفضائيات العربية والعالمية لدفع السياح لزيارة السودان؟ فكثيرون لا يعرفون عن محمية الدندر الطبيعية وما تحويه من مختلف أنواع الحيوانات، وزيارة هذا المكان سوف تكون مثيرة لكل الباحثين عن المغامرة.

 

undefined

وكذلك الآثار، فكثيرون لا يعرفون قدم وعظم الحضارة السودانية القديمة في كوش رغم أنها حضارة تم ذكرها في مختلف الكتب الدينية والتاريخية منذ زمن الإغريق. ودعوة النشطاء الأفارقة لزيارة الحضارة السوداء التي تهزم بوضوح الأكاذيب النازية والهيجيلية عن أن الإنسان الإفريقي لم ينتج الحضارة، فقد كانت كوش العظيمة تعم بالنور وتؤمن باليهودية والمسيحية والإسلام بينما كان غالب الأوروبيين برابرة وثنيين لا يعرفون القراءة والكتابة، باستثناء الشعوب الأوربية التي كانت تسكن حوض المتوسط.

 

لماذا لا توجه الدولة السودانية الدعوة للسياح الأميركيين من أصول إفريقية لزيارة الآثار السودانية باعتبارها آثارا تشير بلا شك إلى عظمة الحضارة الإفريقية؟ أقول هذا لأنني شاهدت أمرين:

 

أولا: مقطع فيديو لأحد رموز الأميركان الأفارقة يفتخر أنه فحص عبر الحمض النووي بحثا عن جذوره ليكتشف أن جذوره ترجع للنوبة، وعندما رجع إلى تاريخ عائلته عرف أن جده تم اختطافه من غرب إفريقيا وقال بفخر إنه سعيد بمفاجأة أن هناك ما يربطه بالحضارة النوبية.

 

ثانيا: عرفت أن الأفارقة الأميركيين يحتفلون سنويا بما يسمونه بالرموز الإفريقية ومنها الرحالة الإسباني من أصل مغربي استفيانكو أو مصطفى الأزموري، ويدعون أنه هو المكتشف الحقيقي لأميركا، وأن الأوربيين يحرفون التاريخ لكيلا ينسبوا الفضل لأي شخص من أصول إفريقية.

 

لماذا لا يستفيد السودان من حرارة الإحساس بالهوية عند الأميركيين السود ليقنعهم بالتوجه لزيارة آثار شمال السودان، مثلما وعد أردوغان بدفع الأتراك لزيارة سواكن ومشاهدة الآثار العثمانية قبل أن يتوجهوا إلى الحج، وبذلك تتحول آثار شمال السودان إلى مقصد سياحي "قومي".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.