شعار قسم مدونات

البيوتكنولوجيا الطبية.. بين الحلم والحقيقة

blogs أبحاث طبية

ذاك الجسد الذي تسكنه أرواحنا.. ولد بأشكال وألوان مختلفة وبقدرات متفاوتة أيضا.. لابد له من أن ينهار يوما بفعل مرض ما، تتساقط قواه وتنهار بنيته شيئا فشيئا ليغدو عليلا على سرير إحدى الغرف بمصحة طبية ما.. تنهال عليه الأطر الطبية بمحاولات الإنقاذ من هنا وهناك.. كل يقدم يد المساعدة.. يد تشخص الحالة وأخرى تصف دواء العلة ويد تبلسم وتقدم جرعات لعلها الشافية.. أملا في النهوض والعودة إلى حال ما فات.. 

لكن ليس بالأمر المضمون.. فجسدنا جزء من العالم المظلم والغامض. بداخله أسرار تحتاج إلى هاكرز أيضا فهو ليس بالموحد عند الجميع إذ إن لكل جسد نظامه الداخلي الخاص به.. وبالتالي فنحن كبشر أيضا في حاجة إلى دراسة رقمية معمقة تفكك شفرات مكوناتنا، ومع تقدم العلم في الآونة الأخيرة نجد أننا ما زلنا في حاجة إلى المزيد منه ولم لا إلى فرقاء متخصصة في قراءة ذواتنا.. كما هو الحال في حواسبنا المحمولة.

تعتبر البيوتكنولوجيا أمل العام في الحد من السرطان، وأمل السكري في تصحيح الخلايا المنتجة للأنسولين، وأمل أمهات أطفال التوحد في خلق النظام الصحيح بداخلهم

ويأخذني خيالي الوردي إلى انتظار ذلك الفريق المعلوماتي بتقنيات حدقة يتوغل إلى داخلنا شيئا فشيا.. منطلقا من عضو إلى جزء منه إلى خلية إلى صبغي إلى سلسلتين حلزونيتين مكونتين من أحماض نووية تحمل خبايا تشكلنا.. محاولين التغلغل في أصغر روابطه شيئا فشيئا إلى حين ضبط الخلل الذي طالما حاول الهروب والاختباء وهو المسؤول عن انهيار جسد ما.. تحت اسم مركب من حروف لاتينية.. اسمه عبارة عن رموز فقط وكلت له مهمة خاصة به حتى يلبي "تعبيرا جينيا" خاصا به، لكنه امتنع عن القيام بمهمته تلك؛ مما يجعلنا نشك في أنه المتهم في جريمة الجسد، فيكون الحل الوحيد هو إخضاعه إلى التصحيح أو التخلص منه نهائيا.

قصه من الجانبين مع الاستعانة بإنزيمات وفية للخدمة نهايته ما إن انعدم الحل، ويظل قطعه الحكم الصادر في حقه كمتفرج شاغر للمكان وتعويضه بسلسلة جديدة من الرموز ذات كفاءة عالية لها القدرة على ممارسة الوظيفة وتبليغ الرسالة والقيام بالواجب.. و"مطيعة" عند الطلب كأسمى الصفات، وما دامت تسكن وحدة الجسد فعليها طاعة وطنها عند النداء، وبعدها تقوم تلك المستوطنة الجديدة بالتعايش بسلام مستغلة الفرصة الذهبية التي قدمت لها.. فينهض الجسد من جديد متخلصا من عجزه مبتهجا شاكرا العلم.. مكملا حياته بأريحية أكثر.

 

وأستيقظ من حلمي الوردي لأحاول فهم ما مكونات هذا الفريق.. ذلك الفريق المنتظر الذي سيتخذ دور القاضي في مسألة الجرائم المرضية.. فريق بذاكرة طبية وعقل تكنولوجي قادر على البرمجة والابتكار، وحس باحث ومحلل بيولوجي أو نختصره في بيوتكنولوجي طبي؛ هو حلم العالم للتخلص من أشباح على هيئة أمراض فتاكة تستوطن الأجسام منذ سن اليرقة ومنها التي قد تتوارث بفعل التوالد مما يجعل الشخص يمتنع عن التزاوج حتى لا يخلد مأساته للأجيال الصاعدة.

البيوتكنولوجيا الطبية المتخصصة في وحدة الجينية للإنسان غدت واقعا موجودا وملموسا، وتعد تأكيدا لما آلت إليه بأحاثها العظيمة مما يجعلنا نلتفت لفعل هذه الثورة العلمية كحلم منتظر ظهرت معالم تحققه
البيوتكنولوجيا الطبية المتخصصة في وحدة الجينية للإنسان غدت واقعا موجودا وملموسا، وتعد تأكيدا لما آلت إليه بأحاثها العظيمة مما يجعلنا نلتفت لفعل هذه الثورة العلمية كحلم منتظر ظهرت معالم تحققه

فالبيوتكنولوجيا الطبية هي علم يقوم على الغوص في عالم الأحماض النووية لكشف الستار عن أمراض عرفت منذ القدم بفك رموزها الغامضة وغير الوظيفية، إذ إنها تعتبر أمل العام في الحد من السرطان. وأمل السكري في تصحيح الخلايا المنتجة للأنسولين وأمل أمهات أطفال التوحد في خلق النظام الصحيح بداخلهم.. وأيضا طموح العديد في هذا العالم لابتكار لقاحات تحميهم من هذه الأمراض.

وحتى لا يظل الأمر حلما هائما في سماء المرضى والمتعطشين للتقدم الطبي. فبشرى اليوم أن البيوتكنولوجيا الطبية المتخصصة في وحدة الجينية للإنسان غدت واقعا موجودا وملموسا، يسطع نورها من ثقب ملحوظ وجاذب للنظر مخلفة وراء خطواتها بصمات تعد تأكيدا لما آلت إليه أبحاثها العظيمة مما يجعلنا نلتفت إلى فعل هذه الثورة العلمية كحلم منتظر ظهرت معالم تحققه. وكل ما علينا فعله هو تصويب الكاميرا إلى هذا النوع من العلم ودعمه بقوة حتى يتسنى لنا رؤية القادم بوضوح أكثر مما مضى، وأن نجدد أملنا في عالم البحث والاكتشاف ليكون مستقبلنا مغايرا عن حاضرنا الذي نعيشه.. فنحن في حاجة إلى أكثر من التشخيص والعلاج.. نحن في حاجة إلى حلول جذرية في بعض الأحيان، وأجمل ما في العلم أنه يحقق الأمنيات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.