شعار قسم مدونات

الزواج.. سكر مر

BLOGS - BRIDE
يقول الله عز و جل في كتابه الكريم "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ " (الروم 21) ؛ فبدون المودة والرحمة لا يمكن الحديث عن الزواج. ذلك الرباط المقدس و الميثاق الغليظ، الذي يستوجب اتحادا وترابطا وتمازجا بين الرجل والمرأة على جميع المستويات؛ سواء الديني أو النفسي أو الفكري أو العاطفي أو الجسدي… ليشكل بذلك اتحادا شاملا يخلق من شخصين مختلفين كيانا واحدا؛ يستمد طاقته وقوته من المودة والرحمة، اللتين تحملان في طياتهما كل الحب و التقدير والاحترام المتبادل، لتشكيل البيئة السليمة لتربية ثمرة هذا الاتحاد، في ظل أسرة متماسكة، ألا و هي الطفل.

 
لكن، أين نحن في زماننا من هذا كله؟ هل أصبحت لدينا أهداف أخرى تقرر مفهوم ومصيرهذه المؤسسة؟ هل هي الشهوات والغرائز ما يدفعنا للزواج؟ أم هو الشوق لذلك الاتحاد ما يحركنا للبحث عن شريك الحياة؟

 

أسئلة كثيرة تتضارب في ذهني كلما تطرقت لهذا الموضوع، فبحسب ما أصبحنا نرى في مجتمعنا، هنالك خلط كبير بين مفهوم الزواج وبين إشباع الشهوات وتلبية الرغبات. فنجد هناك من يتزوج طمعا في مال أو جاه.. ومن يتزوج لإشباع رغباته الجنسية، أو لإشباع غريزة أبوته أو أمومتها في إطار مقنن يحد من ألسنة الناس.. وهناك من يتزوج ليتباهى أمام أصدقائه وعائلته.. وآخر لرفع مستواه المادي وخفض تكاليف معيشته.. وهناك من يتزوج ليجد من يتسلط عليه ويتحكم فيه ويمارس عليه كل ما تمليه ساديته و عقده وجميع أمراضه النفسية والعقلية…

 

من أراد الزواج فليخلص النية لله..  وليبحث في هذا الشريك عن السند؛ الذي يمكنه من تجاوز محن وفتن هذه الدنيا بسلام. فالطيب الذي رزق بالطيبة خير وبركة من الله

والأفظع من هذا كله، تلك "البائسة" التي تلقي بنفسها في الجحيم، لكي لا تُنعت بـ "العانس"، لتعيش بذلك حياة مظلمة تعيسة في مجتمع معاق، يعيق فكرها فـ"تنتحر"! نعم تنتحر..لأن العيش مع الشخص الخطأ هو انتحار يومي مكرر بطرق عدة.
   
أذكر مرة وأنا في صالون الحلاقة حين انفجرت إحدى الزبونات وهي تشتكي لصديقتها عن لؤم زوجها، الذي تعيش معه في تعاسة لا تطاق!! (على حد روايتها).. فكيف لهكذا علاقة عقيمة أن تسمى زواجا؟ وكيف لها أن تكن له كل هذا البغض وهي تقاسمه البيت نفسه والطعام نفسه والغرفة نفسها و السريرنفسه…؟ والله أعلم كيف يصفها، هو أيضا، أمام أصدقائه؟
 
في ظل كل ما أشرت إليه، فقد الزواج ماهيته وأسسه وأهدافه السامية، التي وضعها الخالق سبحانه وتعالى، لتأسيس أسر متماسكة مبنية على المودة والرحمة والحب والتفاهم والاحترام والأخلاق، فتشكل بذلك مجتمعات خيرة نيرة، تصنع أمجادا تتوارثها أجيال يعد أجيال.

  

كل واحد منا مسؤول عن قرار الزواج لأنه قرار مصيري، يغير مجرى حياة الإنسان، سواء كان ذكرا أم أنثى، فيصعد به لأعلى المراتب أو يلقي به في شباك الذل والهوان. واتخاذ قرار كهذا لا يبنى على رغبات وشهوات مؤقتة، ونوايا معجونة بخبث وأنانية، تجعلك تشيد قصورا من الرمال. لأن الله يعلم ما في قلوبنا فلنحذره.. وكما قيل "على العبد النية وعلى الله التمكين، إن خيرا فخير وإن شرا فشر!" ولنتقي الله في أنفسنا وفي عباده.

 

الزواج في نظري لا يمكن أن يكون هدفا نسعى وراءه، و إنما هو عون على تحقيق الأهداف.. و هو قطعة السكر التي يجب أن تضفي حلاوة على هذه الحياة لا أن تزيدها مرارة
الزواج في نظري لا يمكن أن يكون هدفا نسعى وراءه، و إنما هو عون على تحقيق الأهداف.. و هو قطعة السكر التي يجب أن تضفي حلاوة على هذه الحياة لا أن تزيدها مرارة
  

من أراد الزواج فليخلص النية لله.. وليبحث في هذا الشريك عن السند؛ الذي يمكنه من تجاوز محن وفتن هذه الدنيا بسلام. فالطيب الذي رزق بالطيبة خير وبركة من الله، أما الطيب الذي ابتلي بخبيثة أو الطيبة التي ابتليت بخبيث، لا ندري!!.. هل هو تكفير للذنوب؟ التي من بينها سوء اختيار الشريك (باعتباره ذنبا في حق النفس)، أم لحكمة لا يعلمها سوى الحكيم علام الغيوب؟؟

  

وبما أنني فتاة في منتصف العشرينيات، عروس في نظر البعض وربما "عانس" في نظر البعض الآخر!.. فأنا أرى أنه من الأجدر أن نضع أهدافا نعيش من أجل بلوغها؛ لأن الزواج في نظري، لا يمكن أن يكون هدفا نسعى وراءه، وإنما هو عون على تحقيق الأهداف.. وهو قطعة السكر التي يجب أن تضفي حلاوة على هذه الحياة لا أن تزيدها مرارة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.