شعار قسم مدونات

ما أجمل العيش لولا كذبة الأمل

blogs خيبة الأمل

لعل الطغرائي لم يكن على صواب عندما قال: أقاوم النفس بالآمال أرقدها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. لم يكن على صواب لأن هذا الأمل ليس حلا ناجعا في واقع ميئوس منه، وفي واقع لم يعد ينفع معه ذلك الذي يلقبونه خيط الأمل، إن المرء يقترف خطأ عندما يقرر تصديق أكذوبة الأمل، بدل من أن يصنع أمله بنفسه، وذلك عن طريق الاجتهاد والعمل المتواصل، وقد كان ممكنا للطغرائي أن يقول: ما أجمل العيش لولا كذبة الأمل. هذا يبدو واقعيا، لأنه ليس هناك أجمل من أن يكون المرء واقعيا، ويمارس حياته بناءا على ما يفرضه الواقع، وبعيدا عن وهم الأمل، هذا الأخير ليس سوى مبرر يدفعنا للمزيد من التماطل وانتظار المجهول.

لطالما نُمنّي النفس بالقليل من الأمل، هذا يجعلنا لا نمل انتظارًا، لكن بعد التحقق ممّا نحن بصدده، يبدو أن ذلك ليس أكثر من التماطل على شيء يمكن أن يأتي وأن لا يأتي، ولإلغاء الفرضيتين، وتجاوز ذلك الانتظار الممل، لابد من أن يحاول المرء أن يضع نفسه في الواقع، ويبحث لنفسه عن نفسه، بدل استجداء غموض الأمل، في واقع مجهول.

الحياة تفرض أن نواجهها بكل ما نملك من قوى، وأن نعيشها كما ينبغي، لأن الحياة وُجدت لكي نعيشها، لا أن نتركها تفعل بنا ما تشاء، أو أن ننتظر منها أن تحقق لنا ما يصعب علينا تحقيقه، ومن أجل ذلك، كان لابد أن يتسم المرء بالواقعية؛ يعني أن يمارس طقوس حياته بناءا على ما يجري في الواقع، وأن يدفع نفسه إلى أخد الحياة وفق منطقها المعقد، المنطق الغامض، المنطق الذي يفرض أن نتعامل معه بحزم وصرامة، المنطق الذي يلغي شيئا اسمه الكسل! ولا يعترف بشيء اسمه الأمل، هكذا يجب التعامل مع الحياة بصفة عامة.

يجب أن نتجاوز الأمل نهائيا، أن نتجاوزه إلى أبعد من ذلك، نحو إلغائه، ونضع أنفسنا أمام الواقع، ثم نختار ما نريد، ونفعل ما نريد، وأن نجتهد من أجل الحصول على ما نريد، ودون ذلك سوف نبقى مكتوفي الأيدي وننتظر ما لن يتحقق

ما أتعس الحياة عندما نميل فيها إلى الكسل، ولعل الإنسان كسول بطبعه، ويميل إلى الراحة أكثر مما يميل إلى الاجتهاد، عندما يصبح المرء كسولا يمكن أن يعتنق الأمل، لأنه ملاذه الأخير لطلب المزيد من الوقت، وما أسوأ هذا الأمل، إذ أن الكسول سينتظر منه أن يحقق له المستحيل، بينما هو غارق في كسله الذي يؤجل موعده مع الاجتهاد واللحاق بالعلى، إنه الأمل الكاذب، ذاك الذي يخبرنا بأن الغد يمكن أن يكون أجمل، ولا يخبرنا بأن ننهض لتونا، ونبحث عن ذواتنا دون أن ننتظر هذا الغد المجهول، إن الأمل الحقيقي يتمثل في أن نلغي من قاموسنا هذا الوهم الذي يسمونه الأمل، ونستبدله بالنهوض والاجتهاد والعمل بناءا على ما يفرضه الواقع، وممارسة الحياة كما هي، وعندما نمارسها كما هي، فإن ذلك يفرض علينا أن نواجهها بعنفوانها ومآسيها وأحزانها، وأن نتعامل معها بالمنطق الواقعي، وأن لا نهدئ من روعنا بأكذوبة الأمل، أن نمارس الحياة يعني أن نخرج من عباءة الانتظار ومن عباءة الأمل، وأن نضع أنفسنا في الواقع، حينها يمكن أن نؤمن بما نحن فيه.

يرتبط الأمل بنا على نحو غريب، فيجعلنا نتشبت به ليحقق لنا ما عجزنا عليه، عن طريق الانتظار والانتظار، لكننا نخطئ إليه الطريق عندما يحدث ذلك، لأن أسوأ ما يرتكبه المرء عندما يدّعي أنه معتنق للأمل هو أن ينتظر أن يكون الغد أجمل، ولا يفعل حيال ذلك سوى الانتظار، بينما المفروض منه أن يعمل ويجتهد ليجعل من هذا الغد أجمل وفقا لما كان ينتظره من الأمل، هذه هي حقيقة الأمل، إنه ليس مصباح علاء الدين ليخرجنا من معاناتنا، الأمل هو أن نعيش الحياة بواقعية، وأن نتخبط فيها بكل ما فيها، وأن نبذل قصارى جهدنا للخروج من معاناتنا، وأن نغامر بما ملكت أكتافنا من أجلنا، ومن أجل أن نجد ذواتنا بعيدا عن الأمل.

لا أريد أن أحطم من قواميسكم الأمل الذي يربطكم بالحياة قليلا، لكن الحقيقة أنه يجب أن تحطموه بأنفسكم، لأن الأمل ليس أكثر من وهم نستنشقه لكي نطلب المزيد من الوقت، ولا يغير فينا شيئا، ولن يجدينا نفعا، ولن يحقق لنا حلما، نحن من نحقق ما نريد، نحن من يصنع حياتنا، نحن من يختار الصواب الذي يناسبنا، نحن من سيضيع إذا تعلقنا بالأمل، وسنضيع إذا لم نبحث عن ذواتنا خارج الأمل، وذلك عن طريق التكيف بالواقع وممارسته، والعمل على تغييره لصالحنا. عندما تكون هناك رغبة في التغيير، لا يجب انتظار وهم كي يحقق هذا التغيير، التغيير نقوم به نحن على النحو الذي نريد، وبالشكل الذي نريد، وفي الوقت الذي نريد، المهم أن هناك إرادة قوية وصادقة وجدية نحو التغيير، هذه الإرادة هي التي ستدفعنا لبذل مجهودنا كما ينبغي نحو غايتنا بعيدا عن وهم الأمل. وما كل ما يتمناه المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن.

يقول ألبير كامو: " لم يبحث عن الكآبة يومًا، ولكن الإفراط بالأمل هو من ألقى به إلى تلك الزاوية المظلمة "، إذا كان ذلك كذلك، فيجب أن نتجاوز الأمل نهائيا، أن نتجاوزه إلى أبعد من ذلك، نحو إلغائه، ونضع أنفسنا أمام الواقع، ثم نختار ما نريد، ونفعل ما نريد، وأن نجتهد من أجل الحصول على ما نريد، ودون ذلك سوف نبقى مكتوفي الأيدي وننتظر ما لن يتحقق، لأن انتظار المبتغى دون العمل لأجله هراء، ومن يريد شيئا ما فإنه يعمل لأجله منذ اللحظة التي يقرر فيها ذلك، ولن ينتظر إلى أبعد من ذلك، هذا الانتظار يمكن أن نصفه بأنه هو الأمل الذي يؤخرنا ويؤجل موعدنا مع ذواتنا في اللحظة التي كان لزاما علينا أن نمارس فيه الحياة بواقعية. وما نيل المطالب بالتمني، ولكن الدنيا تؤخذ غلابا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.