شعار قسم مدونات

عيد المرأة.. وماذا بعد؟

blogs المرأة العربية

انتهى اليوم العالمي لحقوق النساء وتوقفت التهاني الالكترونية وأجمل الأمنيات وغادرت تلك الكرنفالات شوارع المدينة وتوقف البث الحي عن صفحات الفيسبوك وخرس ساسة البلاد عن سوق المزايدة بحقوقنا وعدت أنا إلى أيامي السابقة. أنهض صباحا.. انتظر بياتريس لترافقني نحو قاعة الدرس نجلس سويا ونتحدث عن حياتنا وعن أيامنا في الغربة وكيف نحيا كنساء بعيدا عن أوطاننا، هنا حيث لا أم ولا أب ولا لغة تمكننا من التواصل الجيد مع أهل الصين.

 

على تخوم بحيرة شينغ، كتب علينا أن نحيا كالعساكر جنود نترقب اندلاع حرب في أي لحظة فترانا على تأهب دائم للدفاع عن أنفسنا وعن سمعتنا وعن حقنا في الحياة بكرامة. لا زلت أذكر كيف ركلت أحد الشباب حين تظاهر بأنه يمازحني محاولا احتضاني فأجبته بركلة عابرة لكل المسافات ووقفت على استعداد للعنف وعلى وجهي ابتسامة وفي قلبي كل النزعات القبلية وصهيل خيل "أولاد موسى" ونداءات شطار حارتنا القديمة حين تحاول سيارات البوليس اختراع زقاق الحارة فترى الأصوات تتصاعد مختنقة ومبتهجة وعلى استعداد للحرب.  

 

نفس الصرخة المكتومة راودتني حين رفعت صوتي أمام أحد طلبة اللغة الصينية، لقد كان شابا أرعنا أصيل غينيا الاستوائية، أخبرته بأنني قد أبرحه ضربا لو تعرض لي وهو ثمل، لا زلت أذكر ذلك المساء وأذكر إصراري على عدم التواصل معه حتى بعد اعتذاره بل ولا زلت على موقفي إلى حدود هذه اللحظة. تتواتر الحوادث وتستمر عزلتي في السكن الجامعي ولا سيما حين أقول: لا! وأختار الجلوس بمفردي مساء السبت رافضة لدعوات أصدقائي وزملائي للسمر في حانات المدينة.

 

تتواتر الآلام كتلك التي عايشتها في بلادي حين أجد نفسي مضطرة لدفع تسعيرة باهظة لسيارة أجرة كي لا أواجه التحرش في وسائل النقل العمومي وحتى لا أزعج والدتي بالعودة متأخرة ولأتمكن من الوصول إلى بيتنا في أسلم الحالات وهناك عليا أن أجيب عن ذلك السؤال الفلسفي: لماذا لم أتزوج بعد؟ ولماذا أنا وحيدة؟ ولماذا شعري أشعث؟ ولماذا تغيب عني الأناقة؟ لماذا شكلي أقرب للذكور منه إلى الإناث؟ ولماذا لا أضع مساحيق كما بقية البنات؟

 

يتحدثون عن حقوق النساء وهم لا يرون المرأة أصلا ولا يسمعون صرختها المكتومة بين الزقاق ووراء الجدران
يتحدثون عن حقوق النساء وهم لا يرون المرأة أصلا ولا يسمعون صرختها المكتومة بين الزقاق ووراء الجدران
 

أسئلة مواضيع حواء والجمال كانت كما الغيوم السوداء تمطر علقما في حلقي آلام تقتلني حين أكتشف بأني القبيحة والبشعة في عيون أهلي! فأحاول جاهدة إن أكون جميلة لأنال رضاهم وتذهب محاولاتي سدى فحين أتوجه للتسوق سأبحث عن ملابس تمكنني من الوسائل النقل العمومية ولن أشتري ذلك الفستان الزهري ذي الأكمام وردية ولن أنظر لصيحات الموضة. فتجدني أبحث في المحلات عن بناطيل واسعة وسترات قاتمة اللون وينتهي بي المطاف في شارع باريس عند تقاطع شارع الحبيب بورقيبة أتنفس الصعداء وأقف لأشتري قنينة ماء لأستكمل رحلة شراء الملابس ولأجد إجابات عن تلك الأسئلة. أليس من حقي أن أمشي بسلام في شوارع بلادي وأركب مواصلتها وأعامل فيها باحترام؟ أليس من حقي أيضا أن أحيا بشعة كما يقال عني؟ أليس من حقي ألا اشتري مساحيق تجميل وأترك وجهي لشمس بلادي ولرياحها؟

 

أسئلة لم أجد لها إجابة حتى في بلاد الصين، عند زمن الغربة حيث أمارس حقوقي الطبيعية في المشي بسلام وللباس بكل أريحية والدراسة بدون التعقيدات التي نعرفها في بلادنا، هنا يمكنني الدفاع عن كرامتي مرة واحدة، لأن في بلادي عليا أن أصارع المعتدي عليا وثم علي أن أوجه سهامي للمجتمع الذي يحملني مسؤولية الجريمة حيث أنه يرى أنني أنا من حرضت المتحرش على الاعتداء علي.

 

تفاصيل أوردها هنا، لأني لا أجد صداها في سوق السياسة بوطني، هناك حيث يتحدثون عن حقوق النساء وهم لا يرون المرأة أصلا ولا يسمعون صرختها المكتومة بين الزقاق ووراء الجدران وفي وسائل النقل العمومي وحتى النقل الخاص. إذا لا تسلم امرأة في بلادي من العنف ومن الوعد والوعيد. تفاصيل تغيب في أعياد النساء وتجهلها خطب سيدي الرئيس!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.