شعار قسم مدونات

حقًا.. ما خفي أعظم

blogs ما خفى أعظم

لم تكن مجرد حلقة من برنامج تليفزيوني تلك التي تابعتها على قناة الجزيرة الإخبارية بعنوان "ما خفي أعظم" بقدر ما كانت زلزالا مدويا ستنعكس ارتداداته طويلا على النظام العربي القائم حاليا، وستبقى في ذاكرة الأجيال وضمن سجلات كتاب التاريخ. أقول هذا رغم يقيني السابق بأن هناك عشرات التفاصيل الصادمة التي لا يعلم عنها المواطن العربي شيء، ولو علمها لتغيرت نظرته لكل ما حوله، ولفهم واقعه المرير بصورة مغايرة.

فالقليلون فقط هم من يعلمون مثلا أن جمال عبد الناصر كان قد أبدى موافقته على الاجتماع سرا بــ "ليفي أشكول" رئيس وزراء إسرائيل في موسكو ليلة الخامس من يونيو 1967، ولولا مكالمة تمت بينه وبين الرئيس السوري الأسبق نور الدين الأتاسي الذي حذره من القيام بمثل هذه الخطوة خشية قيام إسرائيل بتسريب أنباء هذا الاجتماع إلى وسائل الإعلام فيفقد بطل العروبة صورته المهيبة في مخيلة المواطن العربي ما كان عبد الناصر قد اعتذر عن السفر لموسكو قبل الموعد المحدد بساعات قليلة. والقليلون فقط يعلمون قيام المملكة العربية السعودية بمنع الاعتمادات المالية عن الفلسطينيين لحصار الانتفاضة الأولى 1987-1993، وأنها فشلت في تبرير هذه الخطوة أثناء القمة العربية التي عقدت في بغداد في مايو 1990 رغم الانزعاج الشديد الذي أبداه ياسر عرفات وصدام حسين بسبب هذا الموقف غير المفهوم.

 

القليلون فقط قرأوا مذكرات الجنيرال الأمريكي "نورمان شوارزكوف" وعرفوا منها أنه قد كُلف بتجهيز خطة لضرب العراق في العام 1988، أي قبل قيام صدام بغزو الكويت بعامين كاملين، وأن مبارك قام بتوسعة "غاطس" قناة السويس بالتزامن مع هذا، فبات يسمح بمرور حاملات الطائرات الأمريكية العملاقة صوب الخليج!

يجب أن يعلم قادة دول الحصار أن كل من انتمى بعقله وقلبه ووجدانه للربيع العربي سيظل ممتنا لدوحة الحلم العربي والحق العربي والطموح العربي، ومعظمهم من الشباب، أي من المستقبل

القليلون فقط يعلمون أن صدام حسين لم يبد استعداده فقط الانسحاب من الكويت، بل لقد قام بالفعل بسحب الفرقتين الأهم للحرس الجمهوري العراقي من هناك بدباباتها الأحدث حينها T72 في الموعد الذي حدده له وزير الخارجية السوفيتي "إدوارد شيفردنادزه" بناء على اتفاق مع "بوش الأب"، ولكن ما حدث أن الطائرات الأمريكية قامت بتدمير الفرقتين بمجرد خروج القوات من مخابئها وأثناء انسحابها صوب البصرة في مذبحة قال السكان المحليين عنها أنهم كانوا يشمون رائحة شواء اللحم البشري على بعد بضعة كيلومترات بسبب حجم القتل في ضباط وجنود الفرقتين العراقيتين، ثم بدأت عاصفة الصحراء بمباركة من دول الحصار لتدمير العراق الشقيق.

الكثير والكثير من الأسرار يحملها النظام العربي الحالي وشواهدها في أمتنا حالة التردي والاضمحلال الفكري والثقافي والديني والأخلاقي والعلمي، يشهد عليها التراجع في كل المجالات عدا الاستهلاك المحموم الذي ينعش الخزائن الغربية -ورغم ذلك- كانت صدمتني في المعلومات الموثقة التي وردت في حلقة " قطر 96 " من برنامج " ما خفي أعظم " كبيرة. 

فها هو ملك عربي يوجه بعمل تفجيرات إرهابية في دولة عربية شقيقة – هي قطر – بغية إحداث اضطرابات داخلية تمهيدا لمحاولة انقلابية جديدة – أي عبث – هل هذه أصول الحكم والسياسة، أم سبل القراصنة وقطاع الطرق، وإلى هذا الحد تهون الدماء العربية عند هؤلاء الحكام؟ وآخر كنا نُلقبه بحكيم العرب، فإذا حكمته تتجلى في تقديم الدعم المادي والمعنوي لمجموعة من المنشقين تهدف تقويض دعائم الاستقرار في البلد الشقيق.

ما الذي فعلته قطر حتى تكون مرمى لسهام حقدهم ومكرهم على مدار 22 عاما، وهل كادوا لإسرائيل يوما مثلما يكيدون لقطر على مدار الساعة، الحق أقول لكم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يكاد ينطق بأسمائهم وهو يتغنى ابتهاجا بتعاون عربي غير مسبوق. والحق أقول لكم أن قطر صاحبة الإنجاز العربي الأهم في العصر الحديث حيث اعترفت ذات مرة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية أمام إحدى لجان الاستماع في الكونجرس أن قناة الجزيرة تفوقت على الإعلام الأمريكي من حيث التأثير وأنهم يخسرون المعركة الإعلامية أمامها. 

قناة الجزيرة هي التي كسرت معظم "التابوهات" المشوهة في ذهنية المواطن العربي وأهمها الهالة المقدسة التي كان يكسبها عرابو النظام العربي الحالي للحكام بالإسهاب في وصف حكمتهم ورشدهم، وكيف لا يأتيهم الباطل من خلفهم أو من أمامهم، وكيف يقيمون الليل ويسعون في النهار من أجل استعادة الحقوق العربية المهدرة والمجد العربي القديم لإسعاد المواطن العربي المكلوم. قناة الجزيرة هي القاطرة التي غيرت أسلوب الخطاب الإعلامي العربي كله رغم اختلاف الأجندات من منبر إعلامي لآخر، ولكنهم جميعا كانوا ومازالوا يحاول السير على درب الجزيرة ومهنيتها وشفافيتها وليتهم ينجحون.

ثم كانت الفرحة التي يجب أن تدخل قلب كل عربي مخلص لقوميته، باختيار قطر لاستضافة كأس العالم 2022، مما يعني ثقة المنظمين في كفاءتها الإدارية والتنظيمية وبنيتها التحتية، فبتنا نحلم بالمنشئات الجديدة التي ستدشن لاستضافة هذا العُرس العالمي الكبير لتكون فخرا لكل العرب، ولكن الفجيعة أنهم حاولوا طعن الفرحة من الظهر بأصوات ارتفعت تطالب بسحب ملف كأس العالم من قطر.. ألهذا الحد تحقدون؟!

 

ذكرني هذا الجهر بالخيانة باعتراف وزير الخارجية المصري الأسبق والذي يشغل حاليا منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية "أحمد أبو الغيط" في إحدى حلقات برنامج "رحلة في الذاكرة" الذي يبث على قناة "روسيا اليوم" والذي أقر فيه بأنه وبتعليمات من مبارك سعى لإفشال القمة العربية الطارئة بالدوحة التي دعى إليها سمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني لبحث العدوان الصهيوني على غزة، ليفتتح سمو الأمير القمة ويختمها بعبارة كدنا نسمع نبض قلبه وهو يتلوها من فرط الحسرة والألم هي: حسبي الله ونعم الوكيل. 

ودعوني أيها المتآمرون أنقل إليكم مشاعر الشباب الذين ثاروا واعتصموا في ميدان التحرير قبل سبعة أعوام مضت، وكانوا يتوقعون أن يحاول النظام الفتك بهم ليلا بإحدى وسائله المرعبة، حينها كان الشباب على يقين بأن قناة الجزيرة هي العين الساهرة عليهم لفضح أي انتهاك قد يحدث لهم، وهي التي تنقل للعالم حقيقة نضالهم بعد قيام إعلام النظام بمحاولات مضنية لتشويههم باتهامات باطلة وساذجة.

يجب أن يعلم قادة دول الحصار أن كل من انتمى بعقله وقلبه ووجدانه للربيع العربي سيظل ممتنا لدوحة الحلم العربي والحق العربي والطموح العربي، ومعظمهم من الشباب، أي من المستقبل، وسنظل نذكر، بل سنخبر أبناءنا أن الدول التي تآمرت لإحداث انقلاب في قطر عام 96 وقدر الله أن تفشل وتبوء بالخزي والعار، نجحت في دعم انقلاب دامي على الثورة المصرية ، انقلاب أحدث أفظع المذابح في العصر الحديث بعدما ظننا أن هذه المذابح باتت تنتمي فقط للماضي السحيق، وخلف أيضا عشرات الآلاف من المعتقلين، والمئات من المختفين قسريا ، ومثلهم من المنفيين. هذه الدول استغلت ضعف الاقتصاد المصري بسبب التخريب المتعمد المستمر فيها وسلخت منها الجزيرتين الاستراتيجيتين "تيران وصنافير" حتى يتحول خليج تيران إلى ممر ملاحي دولي بدلا من كونه مياه إقليمية مصرية وفق كل المعاهدات والقوانين الملاحية الدولية، وذلك بالطبع خدمة للمشروع الصهيوني. 

إن الحديث عن المرارات التي تحدثها دول حصار قطر والآلام التي تنبتها يوميا في جسدنا العربي قد يطول، ولكن يبقى التأكيد اللازم على وحده أمتنا شعوبا وتاريخا ودينا ووجدانا وقضية وسعيا رغم كيد الخائنين، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.