شعار قسم مدونات

لا تتعلموا الحب من أحد!

BLOGS الحب

على مضضٍ طالعتُ بعضاً من عناوينِ كتبٍ وإصدارات صادفتها مؤخراً بأحد أروقة دور النشر على هامش المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، مُعظم ما تقعُ عليه عيناكَ من عناوينَ في هذا الرواق الصغير المنزوِ في ممر هامشي بفضاء المعرض يُحيلُك على فلسفة العلاقات، الإنسانية منها والغرامية، فأما الإنسانية فهي في فنون التعامل مع عموم الناس والتكيف مع مُتغيرات العمل والفضاء المهني والإعراض عن الخبيثين من بني البشر والتألق اجتماعياً ولو اقتضى الأمر تصنُعاً مبتدعاً لا يلتفتُ لسجية كل شخص باختلاف توجهه. وأما الغرامية منها أو -العلائقية- ففي كيفية كسب حبِ واهتمام الزوج أو الزوجة -حسب اختلاف الجمهور المستهدف- وفنون الاغراء وأساليب استمالةِ من لا تُلقي لكَ بالاً وعناوينَ أخرى أكثر تمرُداً وأقل حياءً لا يليقُ المقامُ هنا بسردها.. 

لا غرابةَ أن إصدارات من قبيل هذا النوع تلقى إقبال فئةٍ عريضةٍ من المُهتماتِ والمُهتمين في مُجتمعاتٍ تقليدانية محافظة لا يُبادر الفرد فيها بالتعبير عن مشاعره بعفوية إلا نادراً، تلكَ سمةٌ تَغلب على المُجتمع العربي في عمومه وإن طفتْ على واجهته الحداثة في أوجِها من مَظاهر يومية اعتدنا على رؤيتها وتفاعلات نتلمسُ فيها كثيراً من التحررِ. ولأن الإنسانَ ابنُ بيئته فمُعظمُ المقبلين على ما تُنَظرُ له هذه الكتُب من فنون التعامل والعلاقات ينقسمونَ إلى فئتين اثنتين: فئةٌ متدينةٌ محافظة من مختلف الأعمار تكادُ تكونُ مميزة عن غيرها من الفئات من حيث الرموز الدينية التي يُمثلها اللباس والمظهرُ، وفئةٌ ثانيةٌ تمثلها طبقةٌ شعبية بسيطةٌ تجدُ ضالتها في كتبٍ من هذا الصنف.

لا أتذكرُ أنني صادفتُ في رحلتي الأخيرة إلى باريس وجولاتي المتكررة للمكتبات ودور النشر الكبيرة المتراصة على مستوى شارع سان ميشال Saint-Michel بالمقاطعة السادسة إصداراتٍ من قبيل تلكَ التي تصدُر في بلداننا، أَيْ نعمْ هناكَ إصدارات عن العلاقات الإنسانية والغرامية والزوجية إلا أنها مُتسقةٌ في مضامينها مُتراصةٌ من حيث مغازيها ولها كُتابٌ ومؤلفون متألقون في فرنسا، منهُم مشاهير وسينمائيون وفنانون وإعلاميون ناهيكَ عن أَنها إصداراتٌ تُغلبُ لغة الواقع الصادمة في أحايين كثيرة على التنميط الموغلِ في الأحلام والأوهام، شساعةُ الفرق بينةٌ بين هؤلاء وبين من هُم مغمورون في عالمنا العربي لا تَهمهم جودةُ الكتابة والأفكار ومنتهى ما يرقنون من حروف بقدر ما يهمهم الجدلُ والعناوين التي تُحيلك على محتوى مكرر ومملٍ.

الجميلُ في المشاعر الإنسانية من حبٍ وعشقٍ وودٍ والمحمودُ في العلاقات الإنسانية من صداقة وزواجٍ أن تكون عفوية خالصة على سجيتها فلا تقعُ تحتَ حصار أفكار غير أفكارها فتصير جوفاء
الجميلُ في المشاعر الإنسانية من حبٍ وعشقٍ وودٍ والمحمودُ في العلاقات الإنسانية من صداقة وزواجٍ أن تكون عفوية خالصة على سجيتها فلا تقعُ تحتَ حصار أفكار غير أفكارها فتصير جوفاء
 

لا أذكُر وأنا أطالعُ نفس الفصيلة من الكتب بمكتبة Gibert Jeune العريقة بباريس أن قرأتُ عنواناً يفرضُ عليَ كيف أختارُ زوجتي أو كيفَ أكونُ حبيبا جيداً أو كيفَ أعيشُ سعيداً أو كيفَ أغدو زوجاً مثالياً، لا وجود لعناوين مستفزة لمَن هو باستقلالية شخصيته معتزٌ، لا وجود لاستهلال Comment.. ? كيف..؟ إذ هيَ بمثابةِ العناوين التسويقية التي لا تُسمنُ ولا تُغني من جوعٍ إنما هي تُفقر الفكرَ وأُفقه بتفاهاتها وقصور رسالتها. 

الباعثُ على الأسى والأسف أنْ تجد كل تلكَ الحشود التي تقبلُ أن تُسَيرَ مشاعرها كتاباتٌ تكبحُ الإنسانيَ من أحاسيسها وتُضيق على رحابة الصدر التي حباها الله بها. وما كاتبُ هذه الأصناف من الكتب أصلاً إلا بشرٌ مثلُنا قدْ تكونُ تجاربه أقلَ وأفكارهُ أصغرُ من كثير كثير من عامة الناس ليُفتي الناسَ فيما يَجدُر أنْ يعشقونَ فيُحلل ويُحرم على هواه ويبني أحكاماً مسبقةً على مقاس إيديولوجي خالص.

الجميلُ في المشاعر الإنسانية من حبٍ وعشقٍ وودٍ والمحمودُ في العلاقات الإنسانية من صداقة وزواجٍ أن تكون عفوية خالصة على سجيتها فلا تقعُ تحتَ حصار أفكار غير أفكارها فتصير جوفاء مُكرهةً على اتباع ما لا تهواهُ النفس وتسقط في الدرك الأسفل مِمَن حجروا على قلوبهم غصباً ففاتتهُم لذةُ الحبِ ونعمةُ التآلفِ بين القلوب. فمنَ المجحف بحق ماهية الانسان وروحه أنْ تخرجَ أقلامٌ أو برامج لتفرض عليه كيف يُحب وكيفَ يعشق وقلبهُ أرحبُ من أنْ يضيعَ وقتهُ في قراءة ما يجبُ على كينونتِه أن تختارَ وتهوى وهي الأدرى بما هو بالعشق أولى.. كونوا على سجيتكم .. ولا تتعلموا الحبَ من أحدٍ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.