شعار قسم مدونات

هل سيصدّر نتنياهو أزماته الداخلية باتجاه الحرب؟

blogs إسرائيل

تمضي الأحداث تباعا وبوتيرة ملحوظة داخل أروقة "إسرائيل" فيما يخص ملفات الفساد التي طالت رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، والتي كان آخرها الملف "رقم 4000" والمتعلق بشركة "بيزك" للاتصالات وموقع "واللا" الإخباري العبري، و"ملف 1270″. وقد بدأت المعارضة الإسرائيلية ممثلة بأكبر أحزابها (المعسكر الصهيوني) بترويج نفسها وشخصياتها، لتكون البديل المحتمل لرحيل قد يكون قريبًا لرئيس وزراء إسرائيل، الذي اتهم حتى اللحظة بـخمس قضايا فساد.

وبالتزامن مع دعوات أكبر أحزاب المعارضة داخل إسرائيل لنتنياهو بتقديم استقالته والرحيل، كشفت القناة العبرية العاشرة، عن قضية جديدة أطلق عليها اسم "القضية 1270″؛ وتتعلق بقيام المتحدث السابق باسم عائلة نتنياهو، نير حيفتش، في عام 2015، بعرض منصب النائب العام على قاضية مقابل موافقتها على وقف تحقيق ضد سارة نتنياهو.

ويدور التحقيق في قضية الفساد الجديدة التي تلاحق نتنياهو وتُعرف إعلاميا باسم "الملف 4000″، حول تقديم الأخير تسهيلات كبيرة بملايين الدولارات لرجل الأعمال الشهير شاؤول أولفيتش؛ مالك شركة "بيزك"، مقابل تلقي رئيس الحكومة وزوجته وأسرته دعمًا إعلاميا كبيرًا من موقع "واللا" الإخباري الذي يملكه أولفيتش.

قبل الحرب الأخيرة على غزة، شنّ الاحتلال سلسلة غارات على قطاع غزة استهدف عبرها مواقع أمنية فلسطينية وأراضٍ فارغة، في محاولة منه لتصدير أزمته الداخلية إلى غزة

وفي 13 فبراير 2018، قررت الشرطة الإسرائيلية تقديم توصيات بمحاكمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بتهم الرشوة؛ والتي حملت اسم "ملف 1000″، وخيانة الأمانة "ملف 2000″، والذي يعني زلزالًا كبيرًا، سيؤدي إلى قتل أو نهاية حياة نتنياهو السياسية، وسيضرب مصداقية الليكود، والطبقة الحاكمة في إسرائيل.

وتثير هذه الملفات، بالإضافة لملف آخر يحمل اسم "القضية 3000″، شكوكًا حول استمرار عمل حكومة نتنياهو الذي يحكم منذ أكثر من أحد عشر عامًا، وسيصبح أكثر رئيس وزراء إسرائيلي بقاء في السلطة إذا ظل في منصبه حتى نهاية 2019.

ومن وجهة نظر أخرى، فإن هذا الزلزال قد يُجبر نتنياهو على أن يُقدم على إلقاء قنابل كبيرة؛ كافتعال أزمات مع الفلسطينيين أو اللبنانيين، بحيث يصدر أزمته للخارج. ولكن مراقبين سياسيين شددوا على أن أحدًا لن يقف إلى جانب نتنياهو في هذا السيناريو؛ ليس قبل تقديمه للمحاكمة على الأقل.

ويُلاحظ مؤخرًا أن نتنياهو بدأ بقرع طبول الحرب واللعب على وتر الأوضاع الأمنية الخطيرة، لا سيما في لبنان وسورية وحديثه الدائم حول التواجد الإيراني في سورية وبناء قواعد عسكرية لحزب الله قريبة من حدود "إسرائيل"، والغمز المتواصل تجاه قطاع غزة، والحديث حول الخطر الوجودي على إسرائيل وأمن مستوطنيها في ظل "تعاظم" قوة المقاومة وتنامي خطر الأنفاق وتوريد أسلحة من ليبيا وغيرها عبر الأنفاق، وفق ادعاءات يُطلقها نتنياهو دومًا لإقناع خصومه السياسيين أن الخطر ليس في فساده وأسرته، وإنما يأتي من خارج إسرائيل.

والمتابع للأحداث الأخيرة على الحدود الجنوبية لقطاع غزة، والتي أعقبت إطلاق قذائف صاروخية لا تسفر في الغالب عن إصابات، وتفجير قنبلة في وحدة عسكرية إسرائيلية على السياج الحدودي شرق خان يونس، يرى أن "إسرائيل" تستغل تلك العمليات لتنفيذ هجمات وقصف ممنهج ضد مواقع "تدريب" تابعة للمقاومة الفلسطينية. والبيان الأخير للناطق باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، الذي ادعى فيه أن الطيران الحربي الإسرائيلي دمّر نفقًا استراتيجيًا للمقاومة الفلسطينية في غزة، وحديثه عن قصف مواقع لحركة حماس، يُؤكد أن حكومة الاحتلال تُريد صرف النظر عن فساد رئيسها وأعضائها من الوزراء.

قبل الحرب الأخيرة على غزة؛ والتي اندلعت في صيف 2014، شنّ الاحتلال سلسلة غارات على قطاع غزة استهدف عبرها مواقع أمنية فلسطينية وأراضٍ فارغة، في محاولة منه لتصدير أزمته الداخلية (اقتصادية واجتماعية) إلى غزة، والتي أكدت حكومتها (غزة) آنذاك أن الشعب الفلسطيني لن يدفع فاتورة عجز وفشل نتنياهو. وبعد ذلك ذهب لحرب على غزة عقب فشله في إعادة ثلاثة مستوطنين يهود اختطفوا وقتلوا في الخليل.

وفي مارس 2017، وبالتزامن مع تسريب بعض الأوساط الإعلامية والسياسية في دولة الاحتلال لتقرير مراقب الدولة فيما يخص العدوان على غزة عام 2014، وأسباب فشل الاحتلال بتحقيق أهدافه وتجنب الحرب بطرح خيارات سياسية، اتجهت حكومة الاحتلال لتفجير الأوضاع مع غزة، دون أن تُحقق هدفها هذه المرة. ويرى مراقبون وسياسيون أن الحرب الأخيرة على غزة، وإن لم يكن نتنياهو يُخطط لها، ولكنها جاءت عمليا لإخراجه من أزمته الداخلية التي رافقته حينها، لا سيما في حزيران 2014، والذي شهد اختطاف وقتل ثلاثة مستوطنين يهود في مدينة الخليل، وأزمة إضراب المعتقلين الإداريين في السجون الإسرائيلية.

وتعرض نتنياهو في تلك الفترة لانتقادات حادة من نفتالي بينيت (وزير التعليم الحالي) وأفيغدور ليبرمان (وزير الحرب الذي شغل حينها وزير الخارجية)، لا سيما الدعوات المتكررة لإعادة "احتلال" قطاع غزة لوقف صواريخ المقاومة التي قصفت لأول مرة حيفا وتل أبيب.
ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي -حاليا- شبهات فساد متعلقة بثلاث قضايا؛ أولها تُعرف باسم "الملف 1000″، وتتضمن اتهامه شخصيا، وزوجته سارة، ونجله الأكبر يائير؛ بتلقي هدايا من رجل الأعمال الأمريكي أرنون ميلتشين.

وأطلقت الشرطة على ملف تحقيق آخر يطال مقربين من نتنياهو اسم "الملف 2000″، ويتعلق بشبهات إبرام نتنياهو لصفقة مع ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، نوني موزيس، تتمثل في سعي الأخير لتجميل صورة رئيس الحكومة في صحيفته مقابل إغلاق صحيفة "يسرائيل هيوم" المنافسة لها. كما يواجه نتنياهو في قضية الغواصات الألمانية المعروفة إعلاميا بـ"الملف 3000″ شبهات بالتورّط في ارتكاب جرائم مالية شابت صفقة شراء غواصات حربية من ألمانيا لتعزيز الأسطول الحربي الإسرائيلي.

وعلى الرغم من تأكيد نتنياهو في أكثر من محفل سياسي بقاءه في منصبه، بصرف النظر عن الضغوط والمطالبات الداعية لإسقاط حكمه، إلا أنه واقعًا بات يدرك اقتراب تاريخه السياسي من نقطة النهاية، ما يضطره إلى الدفع باتجاه خطة بديلة تكفل له المناورة على عامل الزمن في إطالة مدة بقائه على رأس الحكومة، مستغلا بذلك حالة الضعف التي تمر بها المعارضة، والأوضاع الإقليمية التي تثير مخاوف الإسرائيليين، بحسب مختصين مراقبين للشأن الإسرائيلي.

 

ما تشديد الخناق على قطاع غزة والحصار المستمر منذ 11 عامًا، إلا دليل على محاولة نتنياهو الخروج من أزماته الداخلية بحرب يعلم جيدًا أن ردود فعلها ستُنسي المعارضة الإسرائيلية المطالبة بإقالته
ما تشديد الخناق على قطاع غزة والحصار المستمر منذ 11 عامًا، إلا دليل على محاولة نتنياهو الخروج من أزماته الداخلية بحرب يعلم جيدًا أن ردود فعلها ستُنسي المعارضة الإسرائيلية المطالبة بإقالته
 

ويُنظر إلى نتنياهو اليوم على أنه يشرعن الفساد في إسرائيل، ويسعى لاستنفاذ كل الإجراءات القانونية لبقائه في منصبه، رغم أن الأعراف والدبلوماسية تحتم عليه الاستقالة. وتولى نتنياهو (67 عامًا) السلطة بشكل متقطع منذ عام 1996، وهو الآن في فترته الرابعة رئيسًا للوزراء، وسيصبح أكثر رئيس وزراء إسرائيلي بقاء في السلطة إذا ظل في منصبه حتى نهاية العام المقبل. عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيس القائمة العربية المشتركة، أيمن عودة، قال في تصريحات متلفزة عبر قناة "الميادين"؛ الثلاثاء 20 فبراير 2018، إن "نتنياهو يصبح أضعف وأخطر"، وأضاف أن نتنياهو يسعى إلى صرف اهتمام الجمهور الإسرائيلي عن التهم المنسوبة إليه محاولًا إثارة نقاش حول شؤون "أمنية وطنية"، وأعرب عودة عن أن نتنياهو مستعد لشن حرب، لافتا إلى أن الاتهامات ضده آخذة بالازدياد فحسب.

نهاية القول، حكومة الاحتلال تُحاول منذ عام تقريبًا -لا سيما بعد تقرير مراقب الدولة فيها حول حرب 2014- أن تجرّ المقاومة في قطاع غزة لحرب "طاحنة" إن جاز التعبير، وفي هذا الوقت تحديدًا؛ لأن تل أبيب تحظى بدعم واهتمام أمريكي أكثر من أي وقت مضى.

وما تشديد الخناق على قطاع غزة والحصار المستمر منذ 11 عامًا، إلا دليل على محاولة نتنياهو الخروج من أزماته الداخلية بحرب يعلم جيدًا أن ردود فعلها ستُنسي المعارضة الإسرائيلية وآلاف المستوطنين الذين يتظاهرون كل يوم سبت للمطالبة بإقالته واستقالة حكومته، ستُنسيهم جميعًا فساده وتُجبرهم على دعمه لإعادة "الأمن" للمستوطنات ومنع سقوط الصواريخ عليها. وتفرض إسرائيل حصارًا على قطاع غزة، منذ فوز حركة "حماس" في الانتخابات البرلمانية الثانية في 25 يناير 2006، ثم شددته في منتصف يونيو 2007 بعد سيطرة الحركة على القطاع، تبعته ثلاثة حروب.

ختامًا، إسرائيل قد فقدت "البوصلة الأخلاقية"، هذا إن كانت تتمتع بها أصلًا، وقرار الحرب من عدمه هذه المرة في يد الجيش (مع الأخذ بعين الاعتبار أن وزير الجيش ليبرمان هو من يرفض منح تسهيلات لقطاع غزة)، والمرجح سياسيا أن أي سيناريو لحرب في المنطقة من قبل نتنياهو قد بات مكشوفًا من حيث أن غايته التغطية على اتهامات الفساد التي تلاحقه، وهو يدرك أن نتائج الحرب القادمة قد لا تكون في صالحه.. مع العلم أن سورية أسقطت طائرة إف 16 إسرائيلية، والمضادات الأرضية في غزة أجبرت ذات الطائرة على مغادرة أجواء غزة مؤخرًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.