شعار قسم مدونات

بعد سبع سنوات.. لا ربيع إلا ربيع ثورة

مدونات - الغوطة

ما لها وما عليها؟! ألم تكن تهنأ بسلام قبل هذا؟! ألم تكن تعيش الرغد وتأكل المن والسلوى؟! تلك التي تغنَّى الماضي والحاضر بربوع أراضيها وجمال صحاريها، تلك التي ما إن كان للمرء أن يروِّح عن نفسه ذهب إليها، بلاد من أقدم البلاد العربية، كانت مركز خلافة ومهد حضارة، هي البلاد الأولى والآخرة هي الفسطاط الذي لنا في وعده حقا، سوريا..

 

في ذكرى السابعة للثورة السورية، نكتب لمن ما زال في قلوبهم دما يُنبض، ولمن إلى الآن في رئتيه نفس يمشي. نكتب لمن فقدوا الأمل ولمن يئسوا من كلمة "اصبروا، بتهون بتهون". نكتب كي ترتاح قلوبنا وعقولنا، نكتب لنخفف من آلام عجزنا، نكتب لكي لا يقول الأبناء عنا أين كنا؟! نكتب لهم ولنا، نكتب لهم لنشجعهم على الثبات ولننصرهم على من ظلمهم وظلمنا. أعان الله القلم أو الجهاز الذي نطقطق فيه الأزرار ونحن نكتب عن آلامنا وعجزنا، يا هل ترى؟ أولو كان لهم ألسن أو أيدي ماذا فعلوا بنا؟ هل بطشوا بأيديهم ودفعوا بنا إلى الخروج والكف عن كتابتنا التي تعبوا منها ومن خلاصة ما تحويه من فكرة تماماً كأولئك الذين يقولون لنا أننا شغل تنظير فحسب؟ الحمد لله بأنهم موجودين لنكتب ونرتاح ونزيح جزءاً من هم يحيط بنا، الحمد لله، الحمد لله.

 

في الحديث عن أبي الدّرْدَاءِ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: فُسْطَاط المُسْلِمِينَ يَوْمَ المَلْحَمَةِ بالْغُوطَةِ إلَى جَانِبِ مَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشّامِ. في الغوطة حرستا وعربين، دوما وجرمانا وعربين وغيرهم من المدن التي تكسو الأشجار أراضيها، الشجرة تعانق الشجرة، والزهرة تقبل الزهرة، مياه الغوطة لا تهدأ صيفا كان أم شتاءً، ولا حتى مياه سوريا، الحب المتشكل في أرضها يعبّر عن الحب الموجود بين أهلها، تماماً كما نراه اليوم على مواقع التواصل، عائلات بأكملها تعيش الآن تحت الأرض هرباً من قصف لا يرحم.

 

غداً ستضيء أيدي الأطفال التي هدمت البيوت فوق رؤوسها آفاق قاسيون والغوطة، والأطفال الذين رأوا أمهاتهم تحت الحجر ستبقى تحتفظ في الصورة لتثأر

تُقبل بلاد الشام والمنطقة على أيام ربيعية، تخضر فيها الأرض بعدما ارتوت في الشتاء، تزهر الأشجار وتنمو الثمار، الكرز واللوز والجانرك والحلو والحامض من فواكه الربيع والصيف الحار نحن في انتظارهم، ولكن في الغوطة الشرقية حديث آخر، فلا ربيع إلا ربيع ثورة ولا زهرَ إلا زهر الدم، وبدلاً من أن تُثمر الشجرة، تُدفن الأطفال والنساء مكان الشجرة، فلا أرضا تتسع للقبور ولا وقتا يكفي لدفن الأشخاص الذين ما خرجوا من ديارهم إلا خشية من الأسوأ. نعم، الأسوأ أن يُذل المرء تحت عرش طاغية وأن تهان الكرامة بعدما أن حوصرت الأمعاء وجوِّعت الأطفال ولا ماء ولا دواء يدخل أو يخرج لأكثر من ستة أعوام، ولماذا؟ لأننا السبّاقون إلى الثورة، لأننا خرجنا أول أهل الشام وقلنا: (ما مِنركَع إلا لله).

 

في ظلِّ الأيام التي تعيشها الغوطة من قصف بشتّى أنواع الأسلحة، ورغم أنهم يملكون السماء إلا أنهم وإلى الآن لم يستطيعوا أن يدخلوا فيها ويحققوا مرادهم، تتنوع الأخبار فتارة تجد الخبر بأن هناك أفواجاً مدنية تخرج وأخرى عسكرية تغادر لإدلب وغيرها من المناطق المحررة من أسد الأسد وأعوانه، وتارة تجد الخطابات العسكرية من الفصائل الموجودة هناك بأنهم باقون وما هم بخارجون. يقف المرء فينا حيراناً، أيبقوا تحت كل هذا العذاب وصوتهم وصل وما وصل؟! أم يخرجوا ويغادروا الغوطة ويتركوها كحلب وغيرها؟! هل عليهم أن يهاجروا إلى يثرب لأن الله لم يأذن بإحقاق النصر بعد؟!

 

على أهالي الغوطة أن لا يغادروا شبراً واحداً، وأن يستمروا بالدعم لكل من هو واقف بالمرصاد ضد مليشيات الأسد وبوتين وغيرهم، اصبروا آل ياسر. نحن الذين نقول هذا الكلام نعلم أنها صعبة أن ترى ابنك أو ابنتك أو أمك أو أبيك أو اخوتك تُقتل وما أنت بقادر على شيء، ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم كُسرت رباعيته وهو في أحد، نزف الدم من قدميه في الطائف من أجل كلمة واحدة ودين واحد وعقيدة واحدة، مثلكم تماماً، تخليتم عن الركوع لذل الأيام والأنظمة إلى الركوعل لرب كل شيء.

  undefined

 

وإن جارت الأيام وخرجتم من دياركم فهذه الآية لكم: "الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز"، ولكن لا تخرجوا قبل أن تعلموا أبناءكم بأن الفسطاط في الغوطة، سنزرع الكرز واللوز والجانرك والفراولة والعوجا وغيرهم لتعود الغوطة خضراء كما كانت، ولكن هذه المرة خضراء بحريتها، وبكرامتها، وبدماء من رووا ترابها لتُخصب.

 

الغوطة جزء لا يتجزأ من دمشق، ودمشق عاصمة الأمويين ومربط صلاح الدين ضد الصليبيين هي أيضاً من بلاد الشام الذي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: (سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق. قال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ فقال: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبى إليها خيرته من عباده فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم فإن الله توكل لي بالشام وأهله). واحتمالاً ثالثاً كي لا يصاب المرء بالإحباط واليأس من رحمة الله، أن علينا جميعاً أن ننظر بعينن النصر البعيد، فلربما الغوطة لن تكون الأخيرة تماماً كما كانت حلب وغيرها، وما تعيشه الغوطة هو جزء من قصة ما تعيشه الأمة اليوم من ظلم مختلف الألوان متعدد النكهات فائق الأسعار.

 

إن النصر الذي نرجوه يجب أن يمضي في جادة التضحيات، وأن الفتن التي تعيشها الأوطان كافة ما هي إلا باب محنة واختبار، ستدخل قعر كل دار منا، حتى ولو هَجرنا ما هَجرنا، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ). نعم، في الآية الكريمة ذُكر الجهاد والنصر بعد البلوى، سنبتلى ليعلم الله منا المجاهد والصابر، فما أهون أن نعرفهما وما أصعب تطبيقهما.

  undefined
 

غداً ستضيء أيدي الأطفال التي هدمت البيوت فوق رؤوسها آفاق قاسيون والغوطة، والأطفال الذين رأوا أمهاتهم تحت الحجر ستبقى تحتفظ في الصورة لتثأر، والأم التي فقدت أولادها ستنجب بدلاً منهم عشرة لأنها على يقين بأن البلاد تطلب أهلها، ولا أهل إلا أهلها، والأب الذي دفن ابنه بيديه سيحرث الأرض كي يبني الولد، شريان الحياة ماضٍ، وروح الحرية والكرامة حي، والثورة وإن طالت فهي في الأفق قد لاحت.

 
يا رب الثورة و يا رب الأرض، يا رب من أيقظ فينا شعلة الحرية، يا رب السماء ويا خالق الأطفال، يا من ترى الحال، يا رب الحرية والكرامة، يا رب النساء الثكالى، ويا رب المجاهدين منا، يا ناظراً إلى حال الرجال الصابرة والأمهات المحتسبة الأجر على الله، أرنا آمال كل من خرج وهتف وقال: "الموت ولا المذلة" "ما منركع إلا ل الله"، يا الله ما لنا غيرك يا الله، أحينا حياة السعداء وأمتنا ميتة الشهداء، أجرنا من فتن لا نقدر على احتمالها، ارحم بنا، وألطف بأهلنا، يا رب المظاليم القابعة في السجون، ويا رب الفقراء والمساكين، أرنا فيهم عجائب قدرتك، استخدمنا ولا تستبدلنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.