شعار قسم مدونات

القيم الصوفية.. سلالة العاشور في "الحرافيش"

مدونات - الحرافيش

من خلال عشرة فصول تعرض من خلال حكايات ولكل حكاية اسم خاصة بها أو اسم الشخصية الأبرز فيها، هي حكايات تبدأ بعاشور الأول اللقيط انتهاء بعاشور الأخير وما بينهما سلالة العائلة تماما كما في مائة عام من العزلة لماركيز، وكما جرت العادة فتتوارث الخصال من جيل إلى الآخر، لكن اُسلوب نجيب البديع تحس أن عاشور الأول هو نفس الشخص لكن مع كل حكاية يستعرض فضيلة إنسانية أو خصلة سيئة.

 

تدور أحداث الرواية في حارة عاشت فيها السلالة جميعا لذا يجب أن أنوه لبعض الكلمات التي ستذكر كثيرا في الرواية مثل الحرافيش: هم الفقراء والدراويش وبعض الطبقة الدنيا من الحارة وتشمل أيضا اللصوص، السادة و"الأبهات" وأيضا الفتوة: هو شخصية ذات سلطة محلية أرفع من الناس يقوم على جمع الإتاوات من الوجهاء والأغنياء والسادة وتوزيعها على الفقراء "الحرافيش" وينصب نفسه فتوة عندما يغلب جميع الرجال قوة، كما أنه يعد سلطة تحت الشرطة مباشرة ويهابه جميع من في القرية ويحتكمون لرأيه نتيجة تأثير قوته وعدد الرجال حوله. ويوجد أيضا شيخ الحارة: وهو باعتباره عين الحكومة على الحارة ويتم تعيينه من قبل السلطة..

 

الحكاية الأولى.. عاشور الناجي
خصلة الغرور وحب النفس هو المميز لزهيرة حفيدة الناجي بطلة هذه القصة التي تزوجت من عبده الفران ومحمد أنور وعزيز الناجي، وبسبب جمالها الفائق لم ترض بزيجتها

الرجل الذي وجد طفل على قارعة طريق هو شيخ فاضل سماه عاشور، ولما كان مؤمنا إيمانا حقا علم عاشور الكتابة وقام بتحفيظه القرآن، ومع كثرة الحرافيش هناك كان لا بد من تأثر عاشور بهم فما سكتت أناشيدهم يوما وهو يسمعها في تلك الساحة يوما بعد يوم حتى تعلق بهم أيما تعلق، كما أوصاه أبوه من التبني من اتخاذ الحلم والصبر والحكمة قيم ثابتة لا تتغير مهما طال به الزمن خصوصا مع ضخامة جثمانه الظاهرة للعيان.

 

مع وفاة أبواه التحق برجل طيب زوجه بنته وأعطاه كارو وحمارا ليعمل ويرزق منه، توالت السنين وبدأ مرض عضال يفتك بالقرية، فجاءته رؤيا أن اخرج بزوجك وطفلك حتى ينتهي، وفعلا خرج وعندما عاد لم يجد أحدا في الحارة فنزل في أحسن منازلها وبدأت الحارة تعمر من جديد بأناس آخرين، وأصبح سيد الحارة وتمت تسميته بعاشور الناجي لأنه الوحيد الذي نجى من الموت، ولكن تم سجنه عاما على المكوث والتصرف في دار ليست له وعندما عاد جلس فترة بسيطة ورحل نهائيا دون عودة وترك وراءه شمس الدين ولده من زوجته الثانية فلة التي كانت في خمارة.

 

الحكاية الثانية.. شمس الدين

حافظ على شمس الدين على القيم التي ورثها عن أبيه من حب الخير والعدالة للحرافيش وأيضا تربية أبناءه على القيم المتوارثة لكنه وقع في شهوة حب السلطة فلم يك يريد أن يتخلى عن دوره كفتوة حتى آخر يوم في عمره، فمات وترك وراءه ولده سليمان الذي عين فتوة دون صراع مع أحد نظرا للقوة الجسدية التي تشبه جده عاشور.

 

الحكاية الثالثة.. الحب والقضبان

سليمان شمس الدين عاشور الناجي الفتوة الجديد الذي حاول في بادئ الأمر أن يكون مثل جده وأبيه وتزوج من الحرافيش ناسه وعزوته، ولكنه انقلب حين تزوج "سنية" من الهوانم وسكن معها دارها الفخم وأنجب منها ولداه خضر وبكر وترك عمله في الكارو وأيضا أصبح يأخذ من مال الإتاوات لنفسه ليصرف على زوجته الأولى، وقد وقع في فريسة ضعف النفس البشرية أمام مغريات الدنيا، أصيب سليمان بالشلل وتنازل عن الفتوة وأيضا اختلف بكر وخضر بسبب زوجة بكر وهجر خضر الحارة وتم تطليق سنية في أول كارثة حقيقية تمر على العائلة، وفي آخر المطاف رجع خضر وهرب بكر وقتل إبراهيم زوجة بكر واختفت أمجاد الأسرة لفترة لا تبدو قليلة وبقي منها خضر وثلاثة أبناء لبكر الهارب.

 

الحكاية الرابعة.. المطارد

تحكي عن التسليم الكامل للعقل وذكائه على حساب حسن التدبير والحلم الذي تمتع به جده الأول، صفية بنت بكر تزوجت وتزوج خضر من أخت رضوانة الصغرى ولم ينجب. وأما رضوان فقد أصبح محل أبيه في الدكان وآخر العنقود سماحة هو بطل هذه الحكاية فقد كان سكيرا عربيدا حاول من خلال ذكائه استمالة الفتوة وقرر الزواج من إحداهن فقرر الفتوة أنها له فحاول الهرب بها فقتلها الفتوة وشهد عليه رجاله أنه قتلها، فهرب وذهب ليعيش في أحد الحارات البعيدة وتزوج هنالك وأنجب ثلاثة أولاد هم رمانة وقرة ووحيد بانتظار مرور خمسة عشر عاما على سقوط الحكم بإعدامه، لكن المخبرين أبلغوا عنه فهرب مرة أخرى ورجع بعد سنين فوجد امرأته قد تزوجت آخر وحاول قتله وهرب مرة أخرى وأولاده تَرَكُوا عند جدهم خضر! وعاش مطاردا عمره كله نتيجة عدم التزامه بالحلم والجلد الكافيين لاستعادة مجد الأسرة!

  undefined

 
الحكاية الخامسة.. قرة عيني

توالت الأحداث عقب قتل خضر عميد العيلة على يد مجهول والفتوة الجديد يسيطر ويذل آل الناجي ولكن وحيد هزمه وأصبح الفتوة، ويمكن تخليص هذه الحكاية على خصلتين أساسيتين الحقد الذي نشأ من رمانة وزوجته على قرة وزوجته، كما أصبح وحيد شاذا السلوك راغبا في الغلمان وضاعت هيبته وسط الحرافيش الذين فقدوا الأمل في ظهور عاشور الأول في شخص وحيد، فقتل رمانة أخوه قرة وترك ابنه عزيز يتيما.

 

الحكاية السادسة.. شهد الملكة

خصلة الغرور وحب النفس هو المميز لزهيرة حفيدة الناجي بطلة هذه القصة التي تزوجت من عبده الفران ومحمد أنور وعزيز الناجي، وبسبب جمالها الفائق لم ترض بزيجتها الأولى وكانت أنجبت منه جلالا وشهدت صراعا بين المأمور والفتوة عليها فقتل المأمور الفتوة وتزوجت من محمد أنور وتم نقل المأمور وهرب محمد أنور فطلقت منه لكنه عاد وقتلها وترك أيتام هم جلال بن عبده الفران وشمس الدين بن عزيز الناجي الذي وافته المنية بعد ذلك هو وأبوه وراضي بن محمد أنور القاتل، لم ينفع الجمال سيدته ولا المال ولا الجاه في بقى حتفها على يد عاشق مجنون!

 

الحكاية السابعة.. جلال صاحب الجلالة
الخصلة التي تعرض الحكاية التاسعة من رواية الحرافيش هي الجشع، من خلال سماحة الفتوة تاجر الغلال الذي في ظل المجاعة خزن الحبوب في المخازن ورفع الأسعار

تلخيص هذه الحكاية في الخوف من الموت ومحاولة مصارعته وعدم الإيمان بالحتميات مثل الموت، جلال صار فتوة الحارة وتزوج من قمر ابنة عزيز الناجي واتخذ من زينات الشقراء العاهرة عاشقة له، بنصيحة من دجال اعتكف في بيته سنة ولم ير أحد وبنى مأذنة طولها عشرة طوابق إيذانا ببدء عهده الخالد وعدم موته لكن سرعان ما اكتشف خيبته عندما وضعت له زينات السم ومات عاريا في منتصف الحارة!

 

الحكاية الثامنة.. الأشباح

الخصلة التي طرحها هنا في هذه الحكاية هي الخوف لكن من وجهة نظر مختلفة من حيث إعادة التاريخ لنفسه والخوف من الهواجس الداخلية التي تفتك بمستقبل الإنسان، رزقت زينات بولد سمته جلال على المقتول ولكن أسرة الناجي وعبده الفران لم تعترف به وتزوج جلال من عفيفة وأنجب منها شمس الدين ولكنه بعد تجاوزه الخمسين ماتت أمه فطبع في قلبه الجنون فذهب وتزوج دلال "العاهرة" وفي أثناء عراك بين جلال وعفيفة تهجَّم عليه شمس الدين فأرداه قتيلا ولم يكن هنالك شاهد فدفن مع بقية آل الناجي، بعد ذلك تزوج من نور صباح وأنجب منها سماحة ولشدة خوف شمس الدين من مصير والده ظل متوجسا وخائفا من سماحة الذي انتقل للعيش مع أمه بعد زواج أخيه من أخت الفتوة وفي معركة مع الفتوة أصيب سماحة ومات الفتوة وأبوه شمس الدين وأصبح سماحة هو الفتوة الجديد!

 

الحكاية التاسعة.. سارق النعمة

الجشع هو الخصلة التي تعرض في هذه الحكاية من خلال سماحة الفتوة تاجر الغلال الذي في ظل المجاعة خزن الحبوب في المخازن ورفع الأسعار لكن أخيه من أبيه فتح الباب الذي عينه أمينا للمخزن فتحه للحرافيش الذين هجموا على سماحة فقتلوه ومات فتح الباب بعد ذلك نتيجة الإقامة الجبرية التي فرضت عليه من الفتوة الجديدة خوفا من تهيج للحرافيش مرة أخرى.

 

الحكاية العاشرة.. التوت والنبوت

يستعرض هنا عودة الإنسان لأصله الأول ألا وهو عاشور الأول الذي حكم بالعدل والحلم والصبر، في هذه الحكاية ثلاثة شخصيات هم فايز وضياء وعاشور أبناء ربيع بن سماحة القبيح، فايز وضياء أخذتهم الدنيا فطمعوا وانتحر فايز اللص وضياء تزوج من غنية وهجر الحارة، أما عاشور فاستغاث بالحرافيش في مواجهة الفتوة وعصابته وغلبهم وصار الفتوة وتجسد له عاشور الأول فضبط قيمه وسلوكه!
_______________________________________________________
هوامش:
التكية والساحة والزاوية وأناشيد الصوفية والقيم الصوفية هي القاسم المشترك بين سلالة العاشور فكانت هداهم ومرجعيتهم الدائمة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.