شعار قسم مدونات

سيادة الرئيس الفاسد

مدونات - نتنياهو

أن تسرق وطناً ذلك مشروع، إما أن تسرق شيئاً من الوطن المسروق فذلك ممنوع.. هذا العنوان العريض للحكم في كيان "إسرائيل"!

أمس استجوبت الشرطة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" وزوجته حول قضايا فساد جديدة تتلخّص بتقديم مزايا حكومية لأكبر شركة اتصالات في الكيان مقابل تغطية إخبارية ايجابية لنتنياهو من قبل مؤسسة إعلامية تابعة لشركة الاتصالات الكبرى..

 

لا أدري هل يعدّ تطبيعاً أم إنصافا إذا ما رأينا ما ينقصنا في محتّلنا وجلاّدنا ومغتصب أرضنا؟ هل نتجاهله أم نذكره من باب اذكروا محاسن جلادكم؟؟ هل نفضح فساده ونضخّمه أم ندهش لأن القانون هناك لا ينحني تحت قدمي السلطة؟.. أنا في حيرة من أمري لقد توقّفت عن الكتابة طويلاً في أول السطر، فالوجه المشكّل بالدم والاحتلال والاغتصاب لا أستطيع أن أرى فيه ملمحاً غير ذلك، لكن يا ترى إذا ما رأيت جلاّدي باراً وأميناً ومستقيماً في سلوكه مع غيري كيف أتصرّف؟..

 

الشرطة تحقق مع رئيس الدولة!! هذه بحدّ ذاتها مفارقة مضحكة "عربياً" لا يمكن أن نتخيّلها في أي من دولنا المترامية من البحر إلى البحر، فالشرطة في عرفنا جهاز في جسد السلطة التنفيذية التي يرأسها الحاكم بأمر الله فكيف يجرؤ هذا الجهاز الصغير على استجواب الرئيس الكبير.. كيف لليد أن تصفع الرأس إذا ما انحرف عن المسار أو حاد عن نزاهة الحكم في الدولة أو تغيّر اتجاه نظره.. هناك الشرطة تتبع (الدولة) ويحق للدولة أن تحاسب الرئيس متى شاءت وأنى شاءت!

 

عندما تكون أجهزة الدولة للدولة فقط، يتبدد الغيم الكاذب حول ألوهية الزعيم، فلا يجرؤ أن يبطش أو يسرق أو يفسد أو يتفرّد بالحكم أبدا.. عندها لن تجد عربياً جائعاً أو يقف على أبواب السفارات طلباً للجوء أو للهجرة

المسألة المضحكة عربيا أيضاَ.. أن الفساد الذي يواجهه رئيس وزراء الكيان الصهيوني (مزايا حكومية) مقابل (تغطية إخبارية جيدة) بمعنى مقايضة خدمات لا أكثر أو هكذا تبدو على الأرجح، لم تدخل فيها لعبة المال ولا شهوة الثراء ولا المليارات التي تغتصب من أموال الدولة تحت مسمسيات كثيرة، ولا يستطيع أي جهاز من أجهزة الرقابية الداخلية الحكومية والمستقلة أن تعترف أو تبوح أو تستجوب.. هم يعاملون الرئيس المنتخب كأي موظف في الدولة تماماً كموظف شباك الجوازات، وكساعي البريد، أو جابي الكهرباء، أي شبهة فساد أو تواطؤ يجب أن يحاسب ويحاكم ويعيد كل ما أخذ، أنت مؤتمن على تسيير أعمال الدولة، لا "شفط" أموالها..

 

ونحن نعامل الزعيم العربي على أنه إله الأرض، هو المعطي والواهب والآخذ والرازق والمنزّه عن المسائلة أو الاستجواب، له مفاتيح الخزائن كلها فليفعل ما يشاء وإن مات شعبه جوعاً ومرضاَ وذلاً وكبتاً. فالطائرات الخاصة، والقصور المنتشرة بعواصم الأرض مثل اللؤلؤ المنثور، والجزر المشتراة، واليخوت العائمة، والأرصدة ذات الأسماء السرية، والاستثمارات العالمية، والأسهم في البورصات الدولية.. هو يعتبرها من فضل الله عليه لأنه قد تولى الحكم على الشعب الطائع.. ولن يجرؤ أي كان على سؤاله أو اعتراض قراره، ومن يكشف أمره من الطبقة (الأتموسفيرية) القريبة، يتم إسكاته بفتات الثراء والملايين فيرضى ويشبع ويتخم ويسكت إلى الأبد والى ولد الولد.

 

لذلك المشهد الذي تناقلته وسائل الإعلام لضابطي شرطة وهما يدخلان مكتب نتنياهو لاستجوابه والتحقيق معه مشهد من الخيال "السياسي" العربي لم ولن يحدث حتى في أحلامنا، لأن أحلامنا أيضاَ تم مصادرتها وأصبحت أحلاماً "flat" تماماً كالأشرطة الفارغة وكمقاطع اليوتيوب التي حجب بثها "غباش ووشيش" فقط..
 
عندما تكون أجهزة الدولة للدولة فقط، تستقيم الأمور كلها، ويتبدد الغيم الكاذب حول ألوهية الزعيم، فلا يجرؤ أن يبطش أو يسرق أو يفسد أو يتفرّد بالحكم أبدا.. عندها لن تجد عربياً جائعاً أو يقف على أبواب السفارات طلباً للجوء أو للهجرة، عندما تكون أجهزة الدولة للدولة فقط.. يستطيع الشرطي الصغير أن يتأبط محضر التحقيق ويطرق مكتب الرئيس قائلا: سيدي الرئيس أنت فاسد.. جئت لأحقق معك!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.