شعار قسم مدونات

هذا ما جنيتهُ من الإنجاب!

blogs الأمومة

كُل ما في الأمر أنني أؤمن برب الجمال في هذا الكون، الذي مدّ في روحي دروباً أهتدي فيها للتدبّر بكل تفصيلةٍ وسكنةٍ في حياتي، يجلدني قلبي كُلما اعتدتُ على أمرٍ هو أعظم المراد لآخرين في هذا الكون، فأنهض من روتينٍ قد يُبهِتُ بهجة النظر إلى النعم التي تملأ عليّ حياتي، فأضيء في نفسي مصابيح الرضا، كي لا أضِلّ من بعدها أو أحزن.

حينما أطلّت صغيرتي "يُمنى" أيقنت أنني أمام معجزةٍ من الجمال سخّرها الله لي من بين آلاف الأمهات، فيرى ما أصنع بهديته، لم آبه لحديث الكثيرين بأنّ إنجابي أمرٌ عاديّ يفعله الكثيرون، إنمّا تجاوزت كلُ تلك الترهّات، لأخبر نفسي أنّ الله وضعني على طريقِ الأمومة كي يعيد صناعة حياتي من جديد، ويفتح في عقلي مسارات أخرى للتدبر في نعمه، وفكّرت في أن وجود طفلتي، يعني أنّ الله يريد أن يُرّبي قلبي على معانٍ لم ولن أستطع الوصول إلى قمتها إلا بقدومها.

بوجودها، تنعمتُ في لطفِ الله إذ منحني تسعة أشهر، كيْ يُهيأ في قلبي موطن يُحفر فيه لحبِ شخصٍ آخر على مهلٍ، حب ليس عاديا، إنما ذلك الحب الحقيقي، الذي تتلذذ في جنباته كلما آلمك أكثر، وهل أعظم من هذا الحبّ إعجازاً، هو قادرٌ على أن يمنحني شهراً أو اثنين فقط، لكن لُيعلمني أنّ أصدق الحب ما يدوم من بعد عناٍء وصبرٍ وألم.

الإنجاب يمنحني درساً بالتربية، فالله الذي أنزل للعالمين كتابه ليُحاججهم به بالعقل والمنطق والحكمة، يُخبرنا بأننا أحقُ العباد لانتهاج ذات السبيل، وأحق الحق لأن أتعظ أنا "الأم" لطريق التعامل مع صغيرتي

ينبهني أنه الذي خلق الكون في سبعة أيامٍ وسهّل لليل رحيلاً كي يبزغ النهار، لم يجعل حملي تسعة أشهر عبثاً، إنّما لأستطيع أن أتجهّز بكل ما أملك لاستقبال صغيرتي، وقد تعلمتُ وبحثت وجربت وشعرت، فأخرج من هذه التجربة وأنا أعلمُ أن الحياة لا تُؤتى ثمارها إلا حينما تتدرج في حقولها كي تصل إلى ما تريد، فتحمي نفسك من السقوط والزلل.

يُذكرني أنّ التضحية لا تحتاج لمبررات ولا ظروف، فالذي ضحّى بأهله ونفسه كي يُصاحب حبيباً في الغار، لم يكن ينتظر شكراً من صاحبه، إنما لأن القلب الذي يُحب لا ينتظرُ شكراً أو ثناء، إنما يحلّ واجبات الحب التي تُملى عليه، وهكذا نحن مع صغارنا، نُضحي لأننا نحب، والتضحية في حرمِ الحبّ جمال.

يختبرني بامتحان الصبر منذ تكونَتْ علقة فمضغة فروح، ثم طلقات فإنسان له حياة أخرى، ييُسر المواقف ويُخيرني ماذا أفعل، وأنا ناظرة إلى نفسي، أرددُ في كلٍ مرة هل سأفشلُ في هذا الس، أم أصبر فأفوز في امتحاني معها، ومع الآخرين، لأخرج إلى المجتمع وقدْ عوّدت قلبي على احتواء اختلافات البشر، وتقلب النفوس والأمزجة، فأثبتُ أكثر.

يشدّني إلى صوتُ الحب الذي لا يخبو في داخلي مع كلِ خطأ وتجاوزٍ لصغيرتي، لينشد القرب طريقه ويعود الوصال أمتن، وعن عفو خالقها حينما نعصيه فيتوب ويغفر، ليتسع صدري فأعفو عن تجاوزات البعض التي لازالت تعلق في الذاكرة، فالذي عفا عن جبال الذنوب لعباده، لأيسر عليّ أن أعفو عن ذنبٍ لم يمرره القلب آنذاك، فأنال سعادة الدنيا ورضا الحليم.

لا يقتصر الجمال بوجود طفلة فقط، إنما الأمر يتجاوز ذلك، ليصلَ كل شيء في حياتنا منذ أن كرّمنا الله بميلادٍ في عائلة إلى تكوين عائلة أخرى، وبينهما شلالٌ من النعم التي لا تُعد ولا تحصى
لا يقتصر الجمال بوجود طفلة فقط، إنما الأمر يتجاوز ذلك، ليصلَ كل شيء في حياتنا منذ أن كرّمنا الله بميلادٍ في عائلة إلى تكوين عائلة أخرى، وبينهما شلالٌ من النعم التي لا تُعد ولا تحصى

يمنحني درساً في التربية، فالله الذي أنزل إلى العالمين كتابه ليُحاججهم به بالعقل والمنطق والحكمة، يُخبرنا بأننا أحقُ العباد لانتهاج ذات السبيل، وأحق الحق لأن أتعظ أنا "الأم" لطريق التعامل مع صغيرتي، ولو أراد الله هلاكاً للآخرين لأهلكهم من غير جدالٍ أو رحمة، لكن ليُعلمنا أنّ أساس الحياة هو الحوار والصبر والحكمة، فلم يُخلقْ الأبناء كي نكون قضاة عليهم، إنما لنحاورهم وندلهم على الطريق، وهكذا أُمّرن عقلي كيف يسير إلى عقول الآخرين.

كُل المردّدين لجملة "والله الأبناء ربّونا" صحيح ما قلتم، لكنها تربية جميلة، جعلتنا أفضل عن ذي قبل، غرست فينا معانٍ وقوّت أخرى، ممتنة لصغيرتي التي جعلتني وإياها في تربية مستمرة لكلينا، شاكرة خالق معجزتي، الذي أغدقني في نهر جمالها.

لا يقتصر الجمال بوجود طفلة فقط، إنما الأمر يتجاوز ذلك، ليصلَ كل شيء في حياتنا منذ أن كرّمنا الله بميلادٍ في عائلة إلى تكوين عائلة أخرى، وبينهما شلالٌ من النعم التي لا تُعد ولا تحصى، من صحةٍ وهمسة وكلمة وهدية وصديق، الكثير الكثير، فقط فلنحاول إعادة النظر لكُل هذا الرِزق بعين الجمال والامتنان، فننال حياةٍ أخرى فوق هذه الحياة، وليرزق الله كلّ مُريدٍ بمثل هذا الجمال وأكثر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.