شعار قسم مدونات

إشكاليات الترجمة والكتابة الإنجليزية للناطقين بالعربية (1)

blogs اللغة الإنجليزية

يشكو أصحاب العمل كثيراً من ضعف المادة المترجمة من العربية إلى الإنجليزية. وأذكر أن مديراً لمؤسسة نخبوية على مستوى العالم العربي أخبرني بأنه تعرض لبعض النقد من دوائر غربية مفاده أن المادة المترجمة إلى الإنجليزية في الموقع الإلكتروني التابع لتلك المؤسسة يعتريها بعض الضعف اللغوي.

 

وعلى الرغم من أن مشكلة الترجمة في العالم العربي عموماً هي مشكلة حقيقية، إلا أن مشكلة الترجمة إلى الإنجليزية بالذات قد ترقى إلى ما يشبة الأزمة. فماذا يا ترى الأسباب الجوهرية التي أدت إلى ذلك، وهل يمكن تشخيص هذه المشكلة بغية السعي لإيجاد حل لها؟ وهل توجد مؤسسات لها إرادة قوية لتبني مناهج تربوية ترتقي بمستوى اللغات الأجنبية؟

 

لو جاز لنا أن نشير إلى أهم عامل في المسألة برمتها فهو أسلوب تعلم اللغة الإنجليزية، إذ إن كثراً من المؤسسات التعليمية في العالم العربي لا تزال تتبع الأسلوب التقليدي في تعلم اللغة الإنجليزية وهو نفس أسلوب تدريس اللغة العربية. ثمة فرقاً بين تدريس لغة الأم وبين تدريس اللغة الأجنبية. عندما يتعلم الشخص لغة الأم يكون التركيز على القواعد والصرف والنواحي البلاغية لأن الشخص يتحدث اللغة أصلاً. وبالتالي فإنه يتعرف عليها عن كثب. وأما الشخص الذي يتعلم لغة أجنبية فكل شيء فيها بالنسبة له جديد، وأهمها الأصوات.

 

الطريقة المثلى -الأسلوب الطبيعي- في تعلم لغة الأم تعتمد على ثلاث خطوات رئيسية وهي:

يلاحظ أنه بمجرد انطلاق اللسان ينزع الطفل إلى التفكير جهراً فيتكلم بكل ما يخطر بباله بطريقة مزعجة ولكن هذه مسألة فطرية لأن الطفل هنا يسلّك لسانه ترسيخاً للنطق وتعزيزاً للمعنى

الاستماع: ويبدأ من أول يوم من الولادة ويستمر لمدة سنتين وهي مرحلة الفطام. يستمع الطفل خلال هذه المرحلة لأصوات اللغة خاصة من الأم. ويلاحظ أن الأم وبطريقة فطرية تتكلم مع الطفل كما لو كان مدركاً. فيبدأ الطفل بتخزين أصوات اللغة خلال السنة الأولى من الميلاد ويبدأ بربط الأصوات بالأشياء في بداية السنة الثانية. خلال هذه الفترة -فترة السنتين- يكون الطفل قد ربط الأصوات بدلالاتها المادية في البيئة المحيطة. لذلك يلاحظ أن الطفل وهو يحبو يدرك كثيراً من معاني الأشياء المادية من حوله ويمكن أن يتحرك ويلمسها أو يشير إليها بأصبعه إذا طُلب منه ذلك.

 

الكلام: يحاول الطفل النطق ولكن بصعوبة لأن اللسان لم ينطلق بعد. يبدأ بنطق الأصوات ذات المقطع الواحد أو المقطع المتكرر مثل ماما، بابا، خصوصاً المقاطع التي لا تتطلب حركة اللسان بل تعتمد على الشفتين فقط أو الجوف. ثم بعد ذلك يتطور الطفل شيئاً فشيئاً من السنة الثانية وبداية السنة الثالثة إلى أن ينطلق اللسان فينطق كل الأصوات المختزنة مع بعض الصعوبة في الأصوات ذات المقاطع المتعددة.

 

يلاحظ أنه بمجرد انطلاق اللسان ينزع الطفل إلى التفكير جهراً فيتكلم بكل ما يخطر بباله بطريقة مزعجة قد يتضجر بعض أفراد الأسرة خاصة أخوانه وأخواته الذين يكبرونه. هذه مسألة فطرية لأن الطفل هنا يسلّك لسانه ترسيخاً للنطق وتعزيزاً للمعنى. ويلاحظ أيضاً أن الطفل كثيراً ما يلتقط كلمات جديدة ويحاول يكررها بطريقته الخاصة.

 

قد يخطئ أحياناً في استخدام مفردة معينة فيُضحِك الناس. من الأشياء الملفتة أيضاً أن الطفل لا يستحي كما يفعل الكبار عندما ينطق كلمة خطأ أو يستخدم مفردة بطريقة غير صحيحة فيضحك عليه الناس. وغالباً ما يكون الطفل شجاعاً وجريئاً في الكلام. لذلك ينصح الوالدان بعدم التقليل من قدرات الطفل عندما يتحدثان معه بحيث لا يختاران المفردات والتراكيب السهلة بل يتحدثون معه كما يتحدثون مع أي شخص بالغ لأنه يختزن بسرعة.

 

التعلم: بعد أن استمع الطفل وخزن الأصوات، ثم سلّك لسانه في نطقها واستخداماتها، تأتي المرحلة التالية وهي مرحلة التعلم. لاحظوا أن الطفل ينتقل من مرحلة الكلام إلى مرحلة الكتابة ليتعلم شيئين مهمين: المفردات المفهومية وقواعد اللغة، أي التعرف على اللغة عن كثب كما قلنا سالفاً. في المرحتين السابقتين يتعلم الطفل المفردات ذات الدلالات المادية، وفي مرحلة التعلم يبدأ تعلم المفردات المفهومية أو التصورية. وهذه هي المرحلة التي يجب أن يتلقى الطفل أكبر حصيلة لغوية ممكنة وهي التي ستشكل له المساحة التصورية في المستقبل. لذلك ينصح بتحفيظ الأطفال القرآن الكريم في هذه السن لما في ذلك من حصيلة لغوية ضخمة، وقراءة القصص لهم في فترة ما قبل النوم لزيادة خيالهم.

 

وأما فيما يتعلق بدراسة قواعد اللغة فلابد أن نضع في الحسبان أن الطفل يتحدث اللغة بالفعل، وبالتالي فإن دراسة القواعد اللغوية في هذه المرحلة تعتبر بمثابة تأطير فقط. الأطفال في كثير من الأحيان يتحدثون اللغة بقواعد لغوية سليمة أفضل من الكبار. ومن هنا فإن دراسة القواعد اللغوية ليست مسألة شاقة وقد لا تتطلب جهداً كبيراً.

 

الوضع الأمثل في تعلم اللغة الإنجليزية هو أن يعيش الدارس في بيئة تتكلم اللغة الإنجليزية كلغة أولى
الوضع الأمثل في تعلم اللغة الإنجليزية هو أن يعيش الدارس في بيئة تتكلم اللغة الإنجليزية كلغة أولى
 
أين الخلل إذن في تعلم اللغة الأجنبية؟

الخطوات الثلاث أعلاه تمثل المقاربة الطبيعية الفطرية لتعلم لغة الأم، وهي الطريقة المثلى لتعلم أي لغة أجنبية. ويكمن الخلل عند الناطقين بالعربية في أنهم عندما يودون تعلم اللغة الإنجليزية يبدؤون بدراسة القواعد!! البدء بدراسة القواعد في تعلم أي لغة أجنبية مسألة مضرة جداً وربما يحول دون القدرة على مواصلة التعلم أو مواصلة التعلم ولكن بشق الأنفس.

 

المقاربة الحديثة لتعلم اللغات الأجنبية وخاصة الإنجليزية هي أسلوب المخاطبة (communicative approach) حيث يستصحب هذا الأسلوب الخطوات الثلاث أعلاه وهي الاستماع والمخاطبة ثم التعلم. قد لا يكون اتباع الخطوات الثلاث إتباعاً حرفياً باعتبار أن الدارس ملم بالكتابة والحروف وله القدرة على التمييز مما قد يسهل عليه دمج الثلاثة خطوات في بعضها بطريقة أو بأخرى.

الوضع الأمثل في تعلم اللغة الإنجليزية هو أن يعيش الدارس في بيئة تتكلم اللغة الإنجليزية كلغة أولى، ولكن إذا تعذر ذلك يمكن أن يصطنع الإنسان مثل هذه البيئة بفضل توفر الوسائل الحديثة التي يمكن أن تنقل الإنسان إلى خارج بيئته بنقرة زر.

 

ولكي يتعلم الإنسان اللغة الإنجليزية بإتقان واحترافية قد لا يتطلب منه أن يترك وظيفته ليتفرغ للدراسة، أو يسافر إلى بلد ما أو أن يلتحق بمؤسسة ذات مواصفات محددة ويدفع مبالغ طائلة. بل يمكنه أن يتقن اللغة الإنجليزية بطريقة سهلة جداً وهو جالس في مكانه. سنعرف كيف يتم ذلك في الحلقة التالية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.