شعار قسم مدونات

مسيرات العودة.. واقع وتحديات

blogs العودة

بعد مُضي سبعين عاماً على احتلال فلسطين (النكبة) من قبل العصابات الصهيونية وبصك من الانتداب البريطاني، لازال الفلسطينيون مشردون يقبعون في مخيمات اللجوء وفي كل أصقاع الأرض، آملين بالعودة إلى هذه البقعة الطاهرة المقدسة، وعلى النقيض من هذه الصورة التي تجسد الواقع الفلسطيني الرازح تحت وطأة المأساة والمعاناة، هناك شعب أتى من كل أرجاء المعمورة بناءاً على فكرة صهيونية تدعي ملكية هذه الأرض على أساس ديني كما وتفتخر هذه الدولة "الكيان الصهيوني" بهذه النكبة وتطلق عليها بما يسمى عيد الاستقلال.

سبعون عاماً والفلسطيني يتعرض لشتى صنوف العذاب والمضايقات على كافة الأصعدة والجبهات، في تحدي قائم مع كل لا يؤمن به وبحقه الذي كفلته كل الشرائع الدولية بلا استثناء، يعاني اليوم من محاولات طمس الهوية، وتركيعه للذوبان في الشعوب الأخرى أو الالتفاف على حقوقه وتصفية فضيته، كما وأن الغير مُهَجرين من الفلسطينيين في الداخل المحتل تعتبرهم دولة الاحتلال مواطنين من الدرجة الثانية ويعاملون كطابور خامس، إضافةً الى المعاملة السيئة التي يلاقيها هذا الشعب في بعض البلدان، لا فرق فالفلسطيني أينما حل يعاني من تبعات هذا الاحتلال.

سرائيل يرعبها هذه المسيرات التي تعريها أمام المجتمع الدولي بكل مؤسساته وحكوماته، لذا بدأت تثير الاشاعات المغرضة تارة عبر ماكناتها الإعلامية وتارة تتوعد المشاركين وتنهاهم

وبعد هذه السنيين بدأت مؤشرات جيدة يتبنها الجيل الجديد، الذي بات يتعامل مع التحديات بصورة مختلفة ربما عن سابقتها بما تتطلبه المرحلة الراهنة بعيداً عن المناكفات السياسة، التي يكمن جوهرها في عدم الاتفاق على أيديولوجيا معينة موحدة يتفق عليها الجميع لمجابهة الغطرسة الصهيونية، وكأن الشعب الفلسطيني وخاصة الشباب اليوم يقول أما آن لأن نتبنى أيدلوجيا معينة تُفضي إلى إجماع وطني تستظل به كافة أطياف الشعب الفلسطيني لمجابهة الغطرسة الصهيونية ذات الأيدلوجيا الإمبريالية الدموية الإرهابية العنصرية التي يتبنها في المقابل الشعب اليهودي في "إسرائيل".

في هذه الأيام ومع بدء انطلاق مسيرات العودة تعود بنا الذاكرة إلى الشباب المنتفضين من الجليل ومن قرى سخنين وعرابة وديرحنا في الثلاثين من آذار/ مارس من عام 1976 في يوم عرف بـ "يوم الأرض" حيث انتفض هؤلاء الشبان رفضاً لسياسة الحكومة الإسرائيلية في قضم أراضي القرى والجليل لبناء تجمعات استيطانية فوق أراضيهم، انتفضوا متمردين على سياسة التفرقة العنصرية التي تعد سِمَة من سِمات الحركة الصهيونية في الحقيقة، ومع أن المظهرات سلمية ورغم التأكيدات التي قام بها رؤساء العشائر والبلديات المحلية للشرطة الإسرائيلية على سلمية المظاهرة آن ذاك، إلا أن حكومة الاحتلال لا تكن احتراماً للبشر وخصوصاً إذا كانوا من العرب الذي اعتبرهم يسرائيل كنغ بالسرطان المتفشي في قلب الأمة، فقتلت إسرائيل خلال هذه المظاهرات ستة من الشبان وحرفوا مسار هذه المسيرة السلمية عن هدفها السلمي باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين.

الشاهد من هذا أن إسرائيل يرعبها هذه المسيرات التي تعريها أمام المجتمع الدولي بكل مؤسساته وحكوماته، لذا بدأت تثير الاشاعات المغرضة تارة عبر ماكناتها الإعلامية وتارة تتوعد المشاركين وتنهاهم عن مثل هذه المسيرات وهذا بات واضحا في أدواتهم الإعلامية، لكن هذا برأي لن يفيد رغم التأثير الضئيل الذي قد تحدثه؛ وذلك نتيجة للوعي الفلسطيني تجاه هذا اللون من الإعلام، لكن ما أخشاه في هذه المظاهرات رغم أهدافها المعلنة مسبقا… هو حرفها عن مسيرتها السلمية كما فعلوا في السابق وإن كانت الوسائل ربما قد تختلف لكن الهدف واحد وهو إفشال هذه المسيرات، والأدوات في هذا المضمار كثيرة، حذر منها الكثير من المحللين السياسيين.

مسيرات العودة تأتي في وقت اعتراف الولايات المتحدة بالقدس موحدة عاصمة لدولة إسرائيل ضاربة بعرض الحائط مسارات التسوية، كما وأبدت اعتزامها نقل سفارتها إلى القدس كاعتراف منها بيهودية الدولة وطمس الوجود الفلسطيني المتجذر في هذه الأرض منذ خمسة آلاف سنة، وكاعتراف ضمني أيضاً لإسرائيل بشرعنة الاستيطان ومصادرة الأرضي وتبني سياسة التهويد، وليس بعيدا عن هذه التحديات "صفقة القرن" التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وانتزاع الحقوق الأخلاقية والقانونية منها كحق العودة وحق تقرير المصير، الذي تبناه الميثاق العالمي لحقوق الانسان قرار 194 بند رقم 13 "لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده".

الوضع المتردي الذي يعيشه قطاع غزة قد يزيد من اشتعال الكرة الملتهبة التي ستقذف في وجه الاحتلال
الوضع المتردي الذي يعيشه قطاع غزة قد يزيد من اشتعال الكرة الملتهبة التي ستقذف في وجه الاحتلال
 

تأتي هذه المسيرات لتؤكد المؤكد أنه لا تنازل عن حق العودة، حق هؤلاء المتظاهرين بالرجوع إلى بلادهم وقراهم، وهو حق لا يسقط بالتقادم فهو حق فردي جماعي أخلاقي قانوني كما أسلفنا، ولتؤكد المسيرات أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بغير أرضه وبالرجوع إليها، في إشارة لمشاريع التوطين و"صفقة القرن" المزمع الإعلان عنها عما قريب، هذه المسيرات التي تتبنى شكل من أشكال المقاومة لا تعني بالمطلق عدم النظر إلى الجوانب الأخرى من المقاومة والنضال، فالمقاومة المسلحة حاضرة وربما هذا كان من ضمن الرسائل التي أرادت كتائب القسام قولها في مناورتها الأخيرة "الصمود والتحدي".

إن ما تحاول "إسرائيل" قوله في هذه الأيام أن المظاهرات خرجت للتعبير عن الوضع البائس الذي يتعرض له قطاع غزة بالتحديد جراء الخطط العقابية التي ينتهجها رئيس السلطة محمود عباس، رامية كل التهم الموجهة إليها في هذا الاتجاه، وهذا فعلاً صحيح ووارد، فالوضع المتردي الذي يعيشه قطاع غزة قد يزيد من اشتعال الكرة الملتهبة التي ستقذف في وجه الاحتلال، وربما تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها ستكلف الشعب الفلسطيني الكثير، لكن بإمكان السلطة تفويت هذه الفرصة على الاحتلال والعمل على تحسن الوضع في قطاع غزة برفع العقوبات التي تسير في اتجاه خط فصل غزة عن الضفة، آمل لهذه المركبة أن تسير وفق الهدف المرسوم لها بإذن الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.