شعار قسم مدونات

لماذا يرفض السوريون "غصن الزيتون"؟

مدونات - غصن الزيتون

تأثرت جميع دول الجوار السوري بالحرب الدائرة في البلاد منذ سبع سنوات، وسعت جاهدة للحفاظ على مصالحها في خضمّ المَعمَعة وتعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين، فمنها من شارك بالحرب عبر قواته ومنها من شارك عبر مليشياته ومنها من شارك عبر حلفائه.
 
وبيد أن لبنان والعراق شاركا في الحرب إلى جانب النظام السوري عبر "حزب الله" و"الحشد الشعبي" وغيرهما، برزت تركيا على الطرف النقيض؛ داعمة للجيش الحر ومشاركةً بعمليات عسكرية داخل الأراضي السورية عبر جيشها وقواتها الخاصة، ما يعني تورطها بحجم أكبر وبمسؤولية رسمية مباشرة.
 
اللاعبون "الكبار" في سوريا -الولايات المتحدة وروسيا وإيران- لهم مواقف مناقضة تمامًا للموقف التركي في سوريا، فواشنطن أوقفت دعمها علنًا لفصائل الجيش الحر وهي متجهة بكل عزمها نحو "قوات سوريا الديمقراطية"، وموسكو وطهران مستمرتان فعليًّا بدعم الأسد حتى النهاية، والأتراك برغم محاولتهم الظهور إلى جانب الروس في كثير من المواقف، يبدون غير قادرين على السير بعيدًا معهم، ولا حتى مع الأمريكان الذين يوغلون بتهميش مصالحهم في الشمال السوري.
 

التجييش والتضليل الإعلامي وصل إلى درجة وصف لما يجري في عفرين بأنه احتلال تركي، بينما لم تجرؤ تلك الوسائل على إطلاق وصف مشابهٍ على التدخل الروسي أو الأمريكي الذي رافقه إنشاء قواعد عسكرية 

أطلق الأتراك برفقة الجيش الحر عملية "درع الفرات" في آب 2016 واستمرت سبعة أشهر تقريبًا، تمكنوا خلالها من بسط سيطرتهم على مناطق شاسعة من سيطرة تنظيم الدولة "داعش" بريف حلب، وحظيت العملية آنذاك بدعم عسكري أمريكي عبر غارات الطيران، وتأييد غربي وعربي سعودي واسع.
 
بُسط الأمن في مدينة الباب وما حولها وانهالت المباركات بتحرير المنطقة من "داعش"، واعتبر الشارع الثوري آنذاك أنه برفقة الأتراك في خندق واحد يواجهون عدوًا واحدًا ومشروعًا واحدًا، وامتدّ هذا التحالف إلى أن أُطلقت عملية "غصن الزيتون"، فما الذي تغير؟

 

بقيت فصائل الجيش الحر في مناطق "درع الفرات" إلى جانب تركيا في عمليتها الجديدة، فخطر الانفصال الكردي وانتهاكات المليشيات يهدد الشمال السوري كما أنه يهدد أمن تركيا، والمسؤولية مضاعفة على تلك الفصائل في الظهور كبديل سوري مُطَمْئِن عن تلك المليشيات التي وثقت انتهاكاتها بحق الأهالي من العرب والتركمان مؤسساتٌ حقوقية وناشطون.

 

كان الرفض الأمريكي والغربي لـ "غصن الزيتون" سيد الموقف، حتى تغيّرت المواقف نسبيًا وأكدت -بخجل- على حق تركيا في "حماية أمنها"، الموقف العربي كذلك لم يبدِ دعمًا أو تأييدًا كبيرًا، أحمد أبو الغيط هاجم تركيا علنًا في ميونيخ، وعادل الجبير لم يطلّ بتصريحٍ داعم كسابقه في "درع الفرات"، الروس وحدهم أبدوا موافقة طفيفة للأتراك نكاية بالأمريكان.

 

لا اعتبار لمصالح السوريين، هذا ما تشير إليه تلك المواقف، فالعملية الأولى كانت ضد "داعش"، وهذه ضد " وحدات حماية الشعب" الكردية، وكلاهما يشكل خطرًا على وحدة سوريا ومستقبلها، لكن الثانية استهدفت بشكل أو بآخر المشروع الأمريكي في الشمال السوري، ما استدعى رفضًا من واشنطن وحلفائها، وتجييشًا إعلاميًا طال حتى وسائل إعلام عربية وسياسيين سوريين ضدّها.

 

بغض النظر عن مقدار رضا السوريين حيال دور تركيا في بلادهم على مدار السنوات السبع الأخيرة ، إلّا أن الأتراك أظهروا أن مشروعهم أكثر المشاريع تقاطعًا مع مشروع الثورة السورية
بغض النظر عن مقدار رضا السوريين حيال دور تركيا في بلادهم على مدار السنوات السبع الأخيرة ، إلّا أن الأتراك أظهروا أن مشروعهم أكثر المشاريع تقاطعًا مع مشروع الثورة السورية
 

التجييش والتضليل الإعلامي وصل إلى درجة وصف وسائل إعلام عالمية وعربية لما يجري في عفرين على أنه احتلال تركي، بينما لم تجرؤ تلك الوسائل على إطلاق وصف مشابهٍ على التدخل الروسي أو الأمريكي الذي رافقه إنشاء قواعد عسكرية بحرية وبرية وجوية، في مؤشر واضح على أن ما يزعجهم في "غصن الزيتون" ليست مزاعم سقوط ضحايا مدنيين أو سيادة الأراضي السورية أو حقوق الأكراد، ما يزعجهم هو أن الفاعل تركيا، الطامحة باسترداد أمجاد العثمانيين في المنطقة، كما يُقال.

  

بغض النظر عن مقدار رضا السوريين حيال دور تركيا في بلادهم على مدار السنوات السبع الأخيرة ، إلّا أن الأتراك أظهروا أن مشروعهم أكثر المشاريع تقاطعًا مع مشروع الثورة السورية، نعم، لتركيا مصالح في سوريا ومن أبجديات التخطيط الاستراتيجي القومي أن تسعى الدول إلى تحقيق مصالحها، وهذه قضية أوسع تحتاج إلى دراسة أكثر عمقًا وتفصيلًا للدور التركي في سوريا، لكن التأثر بالدعاية الأمريكية والغربية لتشويه ما يقوم به الأتراك في عفرين، أمرٌ لا يعني الناشطين الثوريين ولا حتى السياسيين المحسوبين على الثورة؛ إرضاء لبلوى التحالفات والولاءات التي تسيطر على المشهد السوري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.