شعار قسم مدونات

هل المغرب مستعد لتبني "النظام البرلماني"؟

blogs المغرب

كثيرا ما تداول المثقفون والسياسيون قضية المطالبة بنظام ملكي برلماني على غرار بعض الديمقراطيات العريقة كبريطانيا لكنهم لم يأخذوا بعين الاعتبار الحالة المغربية الراهنة ووضعية الأحزاب هل هي مستعدة للانتقال المفاجئ إلى وضع لم تتعود عليه. هل المناخ السياسي يشجع على دخول مغامرة سياسية غير محسوبة قد تفشل أو قد تنجح؟ قبل ذلك لابد من فهم طبيعة هذا النظام البرلماني بشكل عام سواء كان ملكي أو سياسي، حتى يتسنى لنا الحكم على جدواها في المناخ السياسي المغربي. فرئاسة الحكومة فالنظام البرلماني تؤول إلى الحزب الحاصل على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية ويتكفل بتشكيل الحكومة بمفرده إذا حصل على الأغلبية المطلقة أو عن طريق ائتلاف مع أحزاب أخرى إذا لم يحصل على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة.

 

وتستمر الحكومة في ممارسة مهامها ما دام الائتلاف قائما، وفي حالة انفراط الائتلاف يكون لزاما على رئيس الدولة تعيين رئيس حكومة جديد قادرا على تشكيل ائتلاف جديد، أو الدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة للخروج من الأزمة السياسية. هذا في أغلب الديمقراطيات العريقة والتي غالبا ما يتنافس فيها قطبان أساسيان كما هو الحال في بريطانيا التي يؤسس مشهدها السياسي حزبا العمال ذو التوجه اليساري وحزب المحافظين المحسوب على اليمين، وأحزاب صغيرة لا تترأس الحكومة لكن قد تدخل في تحالف مع الأحزاب الكبيرة. وإسبانيا التي يسيطر عليها حزبان مهمان هم حزب العمال الاشتراكي اليساري والحزب الشعبي اليميني.

أما الأنظمة ذات المشهد السياسي الفسيفسائي المبلقن، فقد يقود الحزب الأول الحكومة إذا استطاع تشكيل الحكومة، وقد يقودها حزب آخر بأغلبية هشة تكون غير قادرة تنفيذ برامجها بسبب المعارضة التي لا تجيد غير المعارضة من أجل المعارضة. إذا كانت تمتلك برامجا أصلا، فأغلب الأحزاب لا تملك أي برنامج واضح. وقد ينهار هذا الائتلاف في أصغر عقبة قد تواجهه، لتدخل الدولة في أزمة سياسية لا يتم الخروج منها إلا بالدعوة لانتخابات سابقة لأوانها قد تعيد نفس السيناريو السابق.

 الدعوة إلى اعتماد النظام الملكي البرلماني في الوقت الحالي يعتبر انتحارا سياسيا قد يكون نتيجته وخيمة على الأوضاع المتأزمة أصلا
 الدعوة إلى اعتماد النظام الملكي البرلماني في الوقت الحالي يعتبر انتحارا سياسيا قد يكون نتيجته وخيمة على الأوضاع المتأزمة أصلا

وبالعودة الى الحالة المغربية والمناخ السياسي المغربي فإنه لا يعدو كونه لا زال في مرحلة سياسية يعد قاصرا عن تحمل أعباء اختياراته السياسية. فهناك أكثر من 36 حزبا تؤسس المشهد السياسي المغربي وقد تأتي موجة انشقاقات جديدة تزيد من بلقنة المشهد أكثر، كيف يمكن التفكير في نظام برلماني بهذا الكم الهائل من الأحزاب؟ كيف سنُفصِّل مشهدا حزبيا على مقاسنا؟ وبأية أحزاب سنُضحي وبأية أحزاب سنحتفظ؟ أم أن أحزابنا السياسة الصغيرة، وما أكثرها، ستصبح بين عشية وضحاها وطنية، وستقوم من تلقاء نفسها بحل نفسها أو إذابة نفسها في أحزاب كبرى، تقديما للمصلحة الوطنية على مصالح زعمائها الأبديين الذين طالت إقامتهم في مناصب الأمانة العامة والرئاسة لهذه الأحزاب؟

 

كيف يمكن لنا أن نطلب من ملك اعتاد على الإمساك بدواليب الحكم في لحظة واحدة تحويل حكمه إلى عرش فارغ يسود ولا يحكم، وأغلب هذه الحكومات قد تجد معارضة من طرف الأحزاب الكثيرة وتدخل معها الدولة في أزمة سياسية نكون مضطرين إلى تدخل ملكي لفك الأزمة. أما أن نأخذ النظام من دولة عانت الويلات حتى بلغت الرشد السياسي بحذافيره ونسقطه على بلد مختلف جذريا فهذا لن يؤتي أكله بكل بساطة، لأن ذلك يأتي عن طريق صيرورة تاريخية لا بد منها إذا أردنا أن ندخل عالم الديمقراطيات الحديثة.

خلاصة القول أن الدعوة إلى اعتماد النظام الملكي البرلماني في الوقت الحالي يعتبر انتحارا سياسيا قد يكون نتيجته وخيمة على الأوضاع المتأزمة أصلا، وقد رأينا ما حصل للأستاذ عبد الإله بنكيران بعد تكليفه من طرف الملك بتشكيل الحكومة من بلوكاج سياسي بسبب تقديم مصالح حزب الحمامة على مصلحة المواطنين والوطن، هذا في ظل حكم ملك يسود ويحكم، أما لو كان الملك بعيدا عن السياسة فإن البلاد قد تدخل في حرب أهلية وهذا ليس مستبعد، خصوصا في دولة لا زالت ترزح تحت سيطرة لوبيات سياسية تقدم مصلحتها الخاصة على مصلحة الوطن فالأحزاب لا زالت غير قادرة على تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية أمام الشعب، كما أن التجربة لا زالت في المرحلة الجنينية كما هو حال الشعب الذي لا زال يرزح تحت الأمية والجهل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.