شعار قسم مدونات

الحركة الإسلامية بالسودان.. تجديد وتماشي مع الواقع

BLOGS الحركة الإسلامية السودانية

كان استقراء للمستقبل البعيد حينها وما يحدث الآن حين تنبه مؤسسو منظومة الحركة الإسلامية في السودان للعقبات والعثرات التي يمكن أن تواجه مثل هذه التوجهات في ظل الهجمات الشرسة التي واجهتها حركة الإخوان المسلمين في مصر والتي تمثل البعد الأيديولوجي لها والمرتكز الفكري الذي انطلقت منه. ولأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين كان لابد من تأطير لفقه التجديد والتأصيل من خلال الاستنباط والبعد عن الغلو والتطرف حتى أنتجت مسلكاً من الإبداع لا الابتداع أصَل لحركة الحياة الإنسانية في شتى مناحيها ابتداء من الفرد فالجماعة المسلمة. ولعل بعض انحرافات الممارسة التنظيمية التي شابت التجربة يمكن أن تعلل بخروج الحركة من النخب إلى براح المجتمع ككل حين كان واجباً عليها أن تلتحم بالناس لما تحتمه ضرورة الدعوة.

فالتجديد في بناء الحركة بدأ منذ أن خطَت لنفسها طريقا وطريقة لمجابهة الواقع المحتمل بالنظر إلى تجربة الإخوان المسلمين المريرة في مصر من تنكيل وترهيب وتخوين فكان الفراق وكأن لسان الحال يقول مكره أخاك لا بطل. ولا يستطيع حتى أعداء الحركة الإسلامية في السودان أن ينكروا أنها استطاعت أن تثبت إقدامها وتتغلغل في صميم المجتمع لما تحمل من بشريات الانفكاك من التطرف وحمل لواء التفاعل والتعامل مع الأخر من منطلق حوار حضاري قدمت من خلاله صحيفتها بيضاء من غير سوء برغم الأزمنة المريرة التي عانت منها من حصار وابتلاءات كثيرة جعلتها تقف كالطود شامخة حتى أنضجت فكرها وفقهها.

وتأتي الأيام لتؤكد عن صدق تلك النظرة الثاقبة والتي استقرأت المستقبل الذي يتمثل فيما نعيشه الآن. فالصراع الخفي ما بين التيارات الإسلامية بعضها ببعض أو التي تحالفت مع التيارات العلمانية أرسى واقعاً جديداً خصوصاً بعد ثورات الربيع العربي التي أفرزت ذلك الصراع والسعي لفك طلاسم هذا الصراع من واقع تعدد الأفكار التحليلية والتصويرية ناهيك عن اتجاهات المحللين أنفسهم ينبئ ويقرَ بوجود شيء قادم وخطر داهم وهذا الخطر يحتم تحديد المسار وتوحيد الخطى لتجسس الطريق القويم في مجابهته وذلك لأن ملامحه بدأت تتشكل وبدت معالمه توضح للعيان.

تبقى التجربة السودانية جديرة بالدراسة والتطبيق بالنظر إلى ما آلت إليه تجارب بعض نظيراتها في زمن كثرت فيه المحن والابتلاءات التي اختلفت عما عانته في أزمان سابقات
تبقى التجربة السودانية جديرة بالدراسة والتطبيق بالنظر إلى ما آلت إليه تجارب بعض نظيراتها في زمن كثرت فيه المحن والابتلاءات التي اختلفت عما عانته في أزمان سابقات
 

وما يثير تساؤل المتتبع لأوضاع الحركات الإسلامية في الوطن العربي والإسلامي ابتداء من حركة الإخوان المسلمين أن فقه تلك الحركات ودعواتها لا يتعارض بعقلية الشارع الإسلامي في مجالات الحكم والاقتصاد وتسيير أمور الناس بل يتماشى مع أصول الدين الإسلامي من خلال الاحتكام إلى الشرع المتمثل في الكتاب والسنة النبوية فلماذا الهجمات المنظمة والدعوات المتكررة من قبل البعض في تخوين وشيطنة تلك الحركات حتى من قبل أولئك الذين يدعون الوصاية على الأمة الإسلامية وقيادتها زوراً وبهتاناً. وذلك ما استوعبته الحركة الإسلامية في السودان طوال مسيرتها فأنتجت واقعاً يستند على فقه الضرورة في سبيل المحافظة على البقاء دون المساس بصميم المبادئ أو الانحراف عن معتقدات وقيم الفقه الحركي في العمل الإسلامي. حتى أصبحت واقعا لا يستطيع الأعداء تجاوزه في معادلة الوضع الراهن للمنطقة ككل.

ولعل ذلك القاسم المشترك الذي يجمع الحركات الإسلامية ويقربها لبعضها ويزيد من حدة العداء لها يقيني أنه يتمثل في القضية الفلسطينية ففي زمن تتقارب فيه بعض الأنظمة العربية والإسلامية مع الكيان الإسرائيلي كانت نظرة الحركة الإسلامية في السودان برغم إمساكها بذمام الحكم في السودان إلا أنها لا زالت وبشده متمسكة بموقفها الرافض للتطبيع والتعامل مع الكيان الإسرائيلي مهما كانت الأسباب والمبررات وحتي أشكال التطبيع الذي تمارسه بعض الأنظمة في الخفاء.

وما أدركته الحركة الإسلامية في السودان وعلي مر تاريخها أن الأمة الإسلامية بما تزخر به من عقيدة سامية تأطر لحياة مبنية على السعادة في الدارين وتجعل الإنسان إنسانا بخلقه وأخلاقه وعاداته وتقاليده وحركاته وسكناته لهي هدف من قبل قوم أخرين ماديين التوجه يسلبون الإنسان كرامته ويجعلونه آلة حيوانية تركض خلف الانحلال والانحطاط الخلقي والأخلاقي لتحقيق أهداف شيطانية تم استساغها من عقائد وأفكار باطلة ابتكرها جهابذة السوء وشر البرية. وأنه وللأسف يضع البعض منا أياديهم فوق أيادي تلك القوي كرهاً لأخوة لهم وحبا للحفاظ على كراسيهم ضاربين بعرض الحائط أن الله يعطي الملك لمن يشاء وينزعه ممن يشاء. فهل من ربيع جديد؟ وتبقى التجربة السودانية جديرة بالدراسة والتطبيق بالنظر إلى ما آلت إليه تجارب بعض نظيراتها في زمن كثرت فيه المحن والابتلاءات التي اختلفت عما عانته في أزمان سابقات حيث أنه الآن الخناجر تأتي من الداخل وليس الخارج.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.