شعار قسم مدونات

أسرارُ علوم في القرآن

blogs القرآن الكريم

كان علماء المسلمين في القرون الوسطى يسمون علم الهندسة والميكانيكا بعلم الحيل، ويعنون به استخدام العقل مكان القوة، وتوفير الجهد البشري والقوة البشرية بالتوسع في التفكير والإنتاج العقلي، ومحاولة الاستفادة من الجهد البسيط الميكانيكي للحصول على نتيجة أكبر مما ينتجه المجهود البشري، وهذا يقودنا إلى أهمية العلم والمعرفة وتحريك العقل والتفكير ومحاولة الابتكار والتجربة، وأن الله جعل نظماً وقوانين دقيقة تسير عليها الحياة وأن النتائج قبلها مقدمات توصل إليها.

  
ولو تأملنا في كتاب الله العزيز وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- لوجدنا أسراراً كثيرة تشير إلى مكانة العلم وأهميته وأسراره، فقد قال تعالى حاكياً عن نبي الله سليمان صاحب الملك العظيم، حين قال: "يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُك" النمل: 38 -40) وهنا فرق بين صاحب القوة عفريتٌ من الجن، وصاحب العلم الذي لم يذكر اسمه وصفته ووسيلته لقلة الفائدة من جهة، وصعوبة الاستيعاب من جهة أخرى، فقد ذكر النقطة الرئيسة، أن عنده علم من الكتاب، ما هو الكتاب وما نوع العلم؟! لا نعلم، وقد لا نستوعب نوع العلم لكن المفهوم والمستوعب هو أنه عنده علم من الكتاب (والكتاب معرف بالألف واللام)، إشارة إلى مكانة العلم وأهميته وإشارة إلى إمكانية التقدم والتطور إن تعلمتم فقد تختصرون المسافات وتخترقون الحواجز وتتجاوزون الصعاب.

 

ثم في الآية الثالثة في المقطع ذاته يقول: "وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ" النمل: 42، فبلقيس صاحبة حضارة عملاقة وعندها من العلم الكثير، فلا يمكن لها بناء حضارة بدون العلم، لكن سليمان بتيسير الله له ومنحه إياه آتاه وفريقه العلم من قبلها مع الإسلام لله رب العالمين.

 

إذاً فالآيات تشير إلى أهمية العلم ومكانته وتدوينه في الكتب وكتابته بالقلم كتابةً ورسماً وهذا ما صرحت به السورة الأولى نزولاً في القرآن بقوله: "الذي علم بالقلم" فالله يكرمك ويفتح عليك إن تعلمت وقرأت وكتبت بالقلم، وهنا يقسم الله به في سورة تسمى بالقلم فيقول تعالى: "ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ" القلم والكتابة، ويبرز لنا هنا حديث للنبي صلى الله عليه وسلم فيه سرٌ لطيف نعرض عنه في الغالب لصعوبة فهمه وكأنه من الغيب، ولا أظنه كذلك، فحين سأل صحابي النبي صلى الله عليه وسلم عن علم الكهانة والتطير حذر منهما لأن الأول خرافة وكذب وادعاء علم الغيب بدون مقدمات ولا معرفة، والثاني التطير والذي هو مبني على الظن الباطل والتخريص والتشاؤم، ثم سأله عن علم دقيق، فقال: ومنا رجال يخطّون، فلم يذمه جملةً بل قال: "كان نبيٌ من الأنبياء يخط، فمن وافق مثل خطه فذاك".

 undefined

 

فشرط الخطِّ موافقة خط النبيِّ، بمعنى لم يقل هو حرام، وقد ذكر ابن حبان في صحيحه حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أن نبي الله إدريس عليه السلام أول من خط بالقلم، وما أظن السائل يعرف أن نبياً كان يخط حتى نقول يزيل شبهة عنده، لكن مجرد ذكره يدل على إمكانية معرفته بعد التتبع، وهو في الحقيقة يظل سراً يحتاج إلى مزيد من البحث والنظر وكشف غمار العلم وسبر أغواره، لكن المتأمل اليوم يجد أن هناك علوماً مختلفة تستعمل فيها الخطوط لإنتاج الأشكال، كعلم الهندسة والذي هو أساس العمران والحضارة المعاصرة، فناطحات السحاب والجسور والأنفاق والقصور والبنى التحتية كلها نتيجة للخطوط في الحقيقة، وهذا تفسير ظني وليس قطعي، فقط للتأمل.

 
ثم لو تأملنا أسرار بعض العلوم فسنجد الإشارات كثيرة في الكتاب والسنة، ففي القرآن مثلاً حكايته عن السامري حين صنع عجلاً لبني إسرائيل فقد خاطبه موسى قائلاً: ما خطبك يا سامري، فقال: "بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي" طه: 96. ولو تفحصنا قوله: "بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ" لم يقل بصرت مالم يبصروه، وإنما بما لم يبصروا به، وكأنها آلة معينة استعملها لرؤية المحجوبات والله أعلم، وهي بلا شك نتيجة علمية توصل إليها.

 

وقد حدثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بعض النتائج العلمية التي ستحدث مستقبلاً، وهي من علامات الساعة فقال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى يكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده" فنرى اليوم أجهزة الاتصالات وآلات التسجيل والتنصت وكامرات المراقبة فائقة الدقة وذواكر التخزين صغيرة الحجم كبيرة الفائدة، وإمكانية وضعها في جسم الإنسان وعصاه ونعله وأغراضه، وكذلك تطور العلم الحديث في تعليم الحيوانات وسماع أصواتها بالآلات الحديثة التي تجعل الإنسان يتعدى حدود السمع عنده، والتي هي من 20 ذبذبة إلى 20000 ذبذبة، كل هذا ناتج عن تطور العلم وتقدمه بمقدمات وتجارب متنوعة توصل لنتائج كبيرة أشار إليها القرآن الكريم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.