شعار قسم مدونات

المأساة الكردية من أتاتورك إلى أردوغان

مدونات - أردوغان وأتاتورك
الأكراد (أيتام العالم) عندما قسم الشرق الأوسط العثماني على يد سايكس وبيكو فإنهما تجاهلا هذا الشعب الذي يبلغ تعداده خمسون مليونا ًولم يمنحوه دولة قومية كالتي منحت للقوميات العربية والفارسية والتركية، وكان هذا باتفاق بين الحلفاء في الحرب العالمية الأولى مع القيصرية الروسية التي وافقت واتفقت معها الدولتان الاستعماريتان بريطانيا وفرنسا على منحها الأناضول نصيب لها من غنائم الحرب مقابل أن تطلق يدهما في احتلال العراق وبلاد الشام وبقية تركة الرجل المريض.
 

لكن الأمور لم تمض كما هو مخطط لقد اشتعلت ثورة أكتوبر 1917م وسقطت القيصرية الروسية على يد الشيوعيين البلاشفة الذين لم يكونوا يأخذوا نصيب بلادهم من غنائم الحرب جعل البريطانيين والفرنسيين يفكرون في تقسيم جديد للأناضول يتضمن إعطاء اليونانيين نصيب الروس وهي القسطنطينية بالإضافة إلى أزمير مع منح الأكراد قطعة من الأراضي لإقامة دولة عبر معاهدة سيفر التي وافق عليها ممثلو الدولة العثمانية ورفضها الغازي مصطفى كمال أتاتورك واستطاع تمزيقها عبر ما يسمى تركيا بحرب الاستقلال وإجبار الدول الكبرى على الاتفاق معه على معاهدة لوزان التي نصت على جمهورية تركية علمانية.

 

لقد كان أتاتورك يخشى أن من أن تعود "الخلافة العثمانية" من البوابة الكردية بينما يخشى أردوغان أن تعود "الأتاتوركية" من البوابة الكردية وهو ما كاد يحدث في انتخابات 2015م

الموقف الكردي من إلغاء اتفاقية سيفر لم يكن واضحا فالكرد شاركوا في حرب الاستقلال التركية إلى جانب قوات أتاتورك وهو ما ساعده على الانتصار على القوات الأوروبية، ولكن أتاتورك لم يحفظ هذا الجميل للأكراد بل جعلهم أكبر المتضررين من إلغاء هذه الاتفاقية حيث تعرضوا لظلم واضطهاد كبير من الحكم الأتاتوركي المتطرف عبر محاولة سلخ الهوية الثقافية ومحاولة إذابة الكتلة الكردية في الجسد التركي لدرجة إنكار وجود أكراد في تركيا ووصف المجموعة الكردية العرقية باسم (أتراك الجبل) فقد نصت اتفاقية سيفر على الحقوق الكوردية بشكل أكثر وضوحا من اتفاقية لوزان التي ركزت على حقوق الأقليات الدينية في الأناضول، وقد واجهت الحركة الكردية أتاتورك بمقاومة عنيفة وصلت حد محاولة قلب النظام الجمهوري واستعادة الدولة العثمانية ومبايعة سليم نجل السلطان عبد الحميد الثاني.

 
ما جعل الكرد يعتبرون بعبع وهاجسا لمصطفى كمال باشا دفعه للتنازل عن حقوق بلاده في الموصل مقابل منحه الحق في مواجهة التمرد الكردي عبر اتفاق 3 يونيو 1926 الثلاثي الذي ضم حكومة العراق وبريطانيا معه فالاتفاقية نصت على وضع خط بروكسل بصفة نهائية كخط للحدود بين العراق وتركيا مقابل التعاون المشترك للقضاء على كل الحركات المعادية وتعاون الدولتين في تنبيه بعضهما عن استعدادات أي شخص مسلح قطع الطرق بينهما ومقاومة الدولتين لكل شخص مسلح أو أشخاص مسلحين يقوم أو يقوموا بأعمال يقصد بها النهب والشقاوة.

  
وأن تتعهد العراق وتركيا لبعضهما برد كل من يلجئ إلى أحدهما وهو مرتكب لجناية أو جنحة أو تمرد مع غنائمه لمنطقة حدود الدولة الأخرى.

 

تذكرت هذه الاتفاقية الغريبة العجيبة وأنا أشاهد وريث أتاتورك الرئيس رجب طيب أردوغان يكرر نفس الشيء ولكن في سوريا عبر اتفاقية ثلاثية فيما يبدو غير معلنة مع الحكومة السورية وروسيا. فالسيد أردوغان مستعد فيما يبدو لبيع كل شيء مقابل تدمير الوجود الكردي المسلح شمال سوريا وأن يسمح له بتكرار عمليات على غرار غصن الزيتون ودرع الفرات لاستهداف وجود قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني في تركيا. في تكرار لنفس ما فعله أتاتورك قبل 92 عاماً في اتفاقية 1926م.

   

أردوغان - أتاتورك (رويترز)
أردوغان – أتاتورك (رويترز)

 

الغريب رغم أن مصطفى كمال باشا كان العدو التاريخي للكرد فإن الأحزاب الكردستانية حاولت استنساخ طريقة تفكيره عبر التوسع في الفضاءات التي يشكلها فيها الكرد أقلية ومحاولة فرض الهوية الكردية عليها مثل احتلال مدينة تل أبيض وتسميتها سري كانيه واحتلال مدينة منبج وتسميتها مايوك ومحاولة تطبيق نمط متطرف من العلمانية يصل إلى درجة منع الزواج الإسلامي ومحاولة فرض الزواج المدني والتضييق على العبادات الإسلامية كالصلاة والحجاب رغم أن المجتمع الكردي مشهور بالتمسك بالهوية الدينية. وهو ما استفاد منه أردوغان لتبرير مقاتلة قوات سوريا الديمقراطية.

 

عملية غصن الزيتون وما يتبعها من عمليات عسكرية لأردوغان تفهم كالآتي لقد كان أتاتورك يخشى أن من أن تعود (الخلافة العثمانية) من البوابة الكردية بينما يخشى أردوغان أن تعود (الأتاتوركية) من البوابة الكردية وهو ما كاد يحدث في انتخابات 2015م عندما تجاوز حزب الشعوب عتبة 10% ودخل ممثلوه إلى قبة البرلمان التركي مما هدد الطموح الأردوغاني بالنظام الرئاسي.

  

يبدو أن قدر المشروع الكردي أن يصطدم بالمشاريع السياسية للزعماء الأتراك وأن يختار الكرد المكان الخطأ في كل مرة ليتحدوا من هو أقوى منهم مرة بتصديق الحليف البريطاني وأخرى بالوثوق بالحليف الأمريكي أو بالأمل في الصديق السوفيتي الروسي وفي كل مرة يثبت للكردي أنه لا صديق له سوى الجبال. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.