شعار قسم مدونات

خيباتنا.. لآلئنا النادرة!

مدونات - لآلئ وورد

الفرح نشوتنا المنشودة، تصالحنا مع القدر الذي يعبث دوما بأوراقنا، يصفعنا بما لا يمكننا تخيل حدوثه، ويباغتنا بقدرتنا الخارقة على تخطي آلامه، فنضحك من قهرنا، ونستسلم للقوة التي لم نع مصدرها، كيف انبثقت فينا من لحظة ضعف ظنناها قاسية، لكنها عوض أن تكسرنا، تلهب عزيمتنا على الانتصار لذواتنا، لأنها حقيقتنا الصادقة فينا.
 
الحزن والانكسار يسمحان لنا باكتشاف كنه الحياة، كونها مبنية على الثنائيات المتضادة، فلا سعادة دائمة ولا حزن أبدي، لكنه صمام الأمان المنقذ لحالات الغرور والثقة المبالغ فيها في ما نمتلكه أو نحن متيقنون من دوامه واستمراريته، نسلم باستحالة الفقدان أو الفراق عن أحبابنا، نعتقد للحظة أننا تحكمنا في زمام الأمور وأن كل شيء على ما يرام، فجأة تأتينا الصدمة من حيث لا نحتسب..
 
الانكسار يجعلنا نسترد إنسانيتنا في حقنا في البكاء بعفوية، بحرقة تدمي القلوب، لكنها تؤجج صراعا داخليا بين الاستسلام والمقاومة، بين الذل والكرامة، بين الاحتراق قهرا والانفلات من عنق الزجاجة، به نعيد ترتيب أوراقنا في محاولة لإعادة الثقة في قدرتنا على التخطي، نجالس الجراح، نحاورها، نبحث عن مكامن الخلل فينا، في عمق الأزمات نفك ألغاز الفشل ونؤسس لعلاقة جديدة مع الأمل، نتطلع إليه بتحد لأنه ملاذنا الوحيد للخلاص، للخروج من متاهات الشك والتيه، لا مفر من المحاولة مرات متتالية فلا سبيل أبدا الى التراجع أو الالتفات إلى الوراء وإلا فالفشل مصيرنا المحتم .
 

الهموم، التعثرات والاخفاقات شرخ الروح الذي يتسرب منه نور الأعماق الكامن فينا ونجهله، في كل مرة نسقط نكتشف حقائق أخرى عن قدراتنا الخارقة على تجاوز المحن ونرسم أفقا آخر لحلم جديد نعاهد أنفسنا على تحقيقه

في كل مرة نتجاوز تعثراتنا، نتساءل إن كنا فعلا نحن من مررنا بكل تلك الخيبات والإخفاقات، ندرك كم كنا ظالمين لأنفسنا، مستهترين بقوة الصبر في دواخلنا، يوم احترقنا ألما، لعناه لأنه أصر على خذلاننا بتجاربه المرة، تلك التي أكسبتنا مناعة ضده، جعلتنا أقسى من أن نقهر، وأصلب من أن ننهار لخيانة صديق أو خذلان حبيب أو فقدان عزيز.
 
الفرح غربة أخرى، مؤقت، لحظي رغم انبهارنا به، زائف كسراب، لكننا نجاهد لنتلبس به كي يمنحنا زهوه وألقه، نحتاجه لأنه يحررنا من عبوديتنا لأوهام الحياة وهمومها، يتماهى مع سذاجتنا المتعلقة بمرآه، ببضع ومضات من انعكاسه في مخيلتنا، يتربص بنا كظلنا، يرصد من بعيد خطواتنا المدروسة ليجهز على مخططاتنا في غفلة من يقظتنا، هو هوسنا المؤرق، المتعب الذي لا ييأس، يصر على التبجح بإنجازاته فينا في لحظة ميتة من الزمن نصر على إحيائها بتوثيقها، متناسين أن الحزن أجدر بالتخليد لأنه يبقينا أحياء بحميميته المتفردة، يأتي دائما في موعده ليذكرنا بقيمتنا في عين أنفسنا، باستحضار اللحظات الصعبة التي علمنا فيها الصمت بدل الرد، كيف نحول هزائمنا الداخلية إلى نفس طويل يحرضنا على انتزاع النجاح من فم الفشل، كيف نقاوم، كيف نقسو على أنفسنا اليوم لنرتاح غذا، كيف تكون الحاجة، القهر والحرمان محفزات المثابرة والعمل إلى حين تحقيق المراد والمبتغى .
 
لولا الأحزان، الخيبات والأزمات، لما استطعنا تبوأ مراتب الشرف والعلم والتميز، قد تتفاوت مقدرتنا على التنافس وإتمام مسار النجاح، لكننا نظفر بروح إيجابية تعلمنا كيف نجعل من الصعب المستحيل حقيقة معاشة وواقعا أجمل مما تخيلناه في يوم من الأيام.
   

undefined

 

لعل الجميل في العراقيل أنها تلقننا كيف نشيد من الحجارة التي تعثرنا بها جسرا لعبور ضفة الانتصار على ذواتنا أولا، في صراعنا ضد مخاوفنا، نكتسب آليات جديدة للتكيف مع الصعاب وتخطيها، نبرمج عقلنا الباطن على توقع الانهزامات والاخفاقات، ندرس جميع الاحتمالات ونضع خططا بديلة لكل حالة، يقوى فينا وبنا هاجس مواجهة الحياة بحلوها ومرها، ونصر على ربح رهان تحد الذات، وإثبات جاهزيتنا لخوض معاركنا الداخلية ضد التوجس، القلق والاحباط فنقرر فجأة المضي قدما غير عابئين بتبعات جرأتنا وجسامة مانحن مقدمون على خوض غماره بقوة إرادة لا تقهر.
 
الهموم، التعثرات والاخفاقات شرخ الروح الذي يتسرب منه نور الأعماق الكامن فينا ونجهله، في كل مرة نسقط نكتشف حقائق أخرى عن قدراتنا الخارقة على تجاوز المحن ونرسم أفقا آخر لحلم جديد نعاهد أنفسنا على تحقيقه، لنعيش لحظة سعادة تائهة، مرت بنا مجبرة، لأننا أثبتنا عن جدارة استحقاق المكافأة عن تعب وجهد لا يستهان بهما، أعمق من الوصف بكثير وأقرب إلى لذة التعقل واليقظة المنبثقة فينا بفضل صفعات الانكسارات، وحدها تعنينا لأنها تكشف معادن الناس وتفسيرات ردود الأفعال من حولنا، بفضلها نميط اللثام عن الخفي الأعظم، تقوى شوكة العزم فينا ولا نلين.
 
الخيبات تعتصر عزائمنا لتخرج أروع ما فينا: لآلئ فضائل فريدة اكتسبناها في كل مواجهة، تماما كالمحارات، تحتضن الجسم الغريب فيها تقاومه بصناعة مادة تسمى: "عرق اللؤلؤ" الذي يشكل فيما بعد لآلئ لا تشبه بعضها لكنها جميلة لأنها نتاج ألم برهن أنها كائن حي خلق ليثبت وجوده ويشهد العالم على قوته، قد يبدو في الظاهر هينا وهو في جوهره عظيم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.