شعار قسم مدونات

ماذا نقشت حربُ سوريا في وجدانِ أطفالها؟

مدونات - سوريا الغوطة
حرب سوريا حرب الدم حرب الجحيم حرب الضلال هي حرب راح ضحاياها ورود جميلة قد زرعت في بساتين أرضها الخضراء الجميلة التي هي جنة من جنات الله على الأرض، كم هو محزن أن ترى في خبايا عقول الأطفال مساحة من الذكرى السوداء، كم هو محزن أن ترى إلى طفل خبى في عقله صورا لم يتحمل الكبار مرور هذه الصور على عقولهم مرور الكرام كم هو أمر قد أوجع قلوب الكثير بجمرة من لهب تكوي أضلعهم الرقيقة ولكن وراء كل ذلك ابتسامة شفافة كوردة تتفتح للتو.
 
لن يعرف الإنسان طعم الحياة إلا عندما يذوق طعم المرارة منها؛ هكذا تعلمت من روايات الأطفال الذين شهدوا الحرب بصورها المرعبة التي كانت بالنسبة لهم كاستديو يصور فيه فيلم رعب قد حصل للتو على جائزة الأفلام الأكثر مبيعا والأكثر مشاهدة في العالم ألا وكان هذا الفيلم هو حرب سوريا التي بدأت في عام ألفين وإحدى عشر ميلادي ولم تنته أجزاء هذا الفيلم إلا بعد القضاء على سوريا بأكملها والتنقل إلى دول أخرى لتصوير هذا الفيلم الذي يشارك به الجميع لتصوير هذا الفيلم بصورة واضحة وحقيقية فهو فيلم حقيقي ولا ندري متى سوف ينتهي فقد وصل إلى الجزء السابع.
 
هذه الحرب التي راحت ضحاياها الكثير من الكبار والصغار والنساء والشباب ولكن كان أكثرهم ورودد هذه الحياة اليانعة ألا وهم الأطفال الذين لم يعرفوا بعد هذا العالم المشوه الذي لا يرحم كبيرا ولا صغيرا .في يوم من أيام هذه السنة قد ذهبت بخطى مترددة إلى المدرسة التي يتعلم فيها السوريون للتعرف على الذي يتحدث عنه التلفاز من صور الأطفال والموتى والدمار الشامل في سوريا التي أصبح يعني كل حرف من حروفها بالنسبة لي إلى معنى مختلف فالسين: سجين في أرضها لا يعرف سجانه، والواو :وعود واتفاقيات سلام كاذبة، والراء :رماد الحرب التي استنشقتها الأرض حتى اختنقت، والياء : يبات كل يوم مئات من مواطنيها الأبرياء في قبورهم، والألف : آه على أطفال ذهبوا بكل برودة دم وأطفال ما زالوا يعيشون الماضي بذكراه السيئة.
 

كل من قابلتهم من أطفال قد اتفقوا على شيء واحد أن سوريا لهم وسوف تعود هذه الأم إلى حضنن أبنائها وسوف يزول ظلام الحرب وتشرق شمس الغد بآفاق جديدة من النصر والتحرير

ومن هؤلاء الأطفال صديقتي سامية التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها والتني نقش في عقلها صور لم أتحمل سماعها فقد قالت لي وأنا أقرأ في وجهها حكايا الرعب بأنها قد رأت من نافذة منزلها رجل قد قطع رأسه وقد غز في جسده سكين في مركز قلبه وسكاكين عديدة في رأسه وأناس أخرى معذبين ومشاهد متتالية كثيرة أثناء وجود الحرب محيطة بمنزلم وعندما أرادوا الفرار من حرب لم ترحم طفولتهم، فقلت في نفسي هذه الفتاة التي تغلغلت في أعماقها رائحة الموت لكنها بقت طفلة بصفاتها تضحك وتلعب وترسم الابتسامات ولكنها الذاكرة اللعينة تعيد شريطها بين حين وأخرى، والذي أصابني بالذهول عندما بادرت في توقيف هذا الشريط وسؤالها ماذا تحلمين بأن تصبحين في المستقبل؟

 
فأجابتني بأنها تريد أن تصبح شرطية حينها علمت أنها تريد أن تصنع من تلك الذاكرة السوداوية مستقبلا يشق ذلك النقش فيزيله ولكن رأيت من كلامها بعض الاستحالة لأنها أخبرتني بأن أمها قد قالت لها بأنها لن تكمل تعليمها بعد الصف الثامن لأنه عادات أهلها لا تسمح بإتمام الفتاة تعليمها الإعدادية بعد نضوجها، فانتابني شعور مؤلم فوق أنهم تركوا وطنهم فلا بد لهم أن يرجعوا إليه بسلاحهم ألا وهو العلم فيستطيعون أن يعيدوه، هي فتاة ما زال يظلمها الزمان ومنها الكثير..
  
كان هناك نقش من نوع آخر قد أثر في كثيرا وهو موت صديقك وهو بجانبك بلمحة بصر فلا يستطيع عقلك أن يحدد إن هو حقيقة أم حلم، ولكنه للأسف الحقيقة المجردة التي لا مفر. منها تلك الحقيقة التي تحدث عنها صديقاي ليلى وعبدالله اللذان لم يتجاوزا الثالثة عشرة من عمريهما فكل منها لدسه قصة لها وقع مؤلم في قلبي لم أستطع حتى الآن أصدقه أم لا، فقد قالت لي ليلى أنه قد نقش هذا المشهد في وجدانها وهي في الصف الثاني في إحدى المدارس في سوريا عندما كانت سوريا قد اندلع فيها الحرب وقد سقطت قذيفة في ساحة المدرسة فجأة وانفجرت فحينها قد كان أغمي على ليلى وحين استيقظت ليلى فوجدت صديقتها قد امتلأ زيها وتشرب دمها وحينها علمت أن صديقتها استشهدت فأصابها الذعر وقالت أنني حينها تمنيت أن كنت قد مت وعندما قررت الخروج من المدرسة التي أصبحت مكان تجمع فيه أشلاء من معلمات وأطفال لم يرتكبوا ذنبا إلا أنهم رغم القصف.
 
ورغم الحرب أرادوا أن ينسوا الحرب فيأتوا إلى المدرسة ولكن الحرب أتت إليهم وهم في المدرسة، وأما صديقي عبد الله فقد تحدث لي عن قصة ابن خالته المروعة أنه عندما اتفق رفيق ابن خالته على زيارته له عندما وصل رفيق ابن خالته إلى المنزل دق الجرس فذهب ابن خالته لاستقبال رفيق دربه وطلب من أمه ماء وعندما ذهبت تحضر له الماء وفتح لرفيقه الباب لإدخاله فإذا قذيفة من قذائف الحرب الظالمة تسقط صارمة في وسط الحارة قريبا من منزل ابن خالته تدك منازل الحارة بشظاياها فإذا بشظية تأتي وتتأخذ من وجه ابن خالته مركزا فتؤدي إلى ذهاب جميع ملامح وجهه من أنف وعينين وفم وأذنين ولكن ليته كان يعلم بأنها لحظته الأخيرة يرى فيها رفيق دربه فيحضنه كأي مودع وليت أمه تعلم بأن مصير ابنها قد حان لأحضرت له بحور الدنيا لتروي عطشه تلك هي رواية صديقاي ليلى وعبدالله ومنها الكثير الكثير.
 
كل من قابلتهم من أطفال قد اتفقوا على شيء واحد أن سوريا لهم وسوف تعود هذه الأم إلى حضنن أبنائها وسوف يزول ظلام الحرب وتشرق شمس الغد بآفاق جديدة من النصر والتحرير، وما نقش في وجدان أطفال سوريا سوف تطلع عليه شمس النصر والانتصار شمس الوحدة والاتحاد شمس العدالة والاعتدال فيزول هذا النقش وينقش بدلا منه "عاشت سوريا… عاشت سوريا حرة أبية".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.