شعار قسم مدونات

الانتخابات الرئاسية المصرية بين الحشد والامتناع

مدونات - انتخابت السيسي

شهدت مصر بدءا من يوم السادس والعشرين من مارس من عام 2018 وعلى مدار ثلاثة أيام ما سمي "بالانتخابات الرئاسية". وعلى الرغم من أن للعمل السياسي عامة ما يحكمه من الأخلاقيات التي لا تقل أهمية عن الأسس القانونية والدستورية، إلا أن تلك الانتخابات قد شهدت عددا من الانتهاكات الأخلاقية مثل احتكار الترشح، التضليل بالخلط المتعمد بين الدعوة للمشاركة من ناحية والحشد القسري من ناحية أخرى، وكذلك محاولة تزييف الوعي الجمعي الداخلي والخارجي. وقد قوبلت تلك الانتخابات المزعومة برد فعل جماهيري يعكس الوعي بحقيقة ما يجرى، الأمر الذي تمثل في امتناع غالبية الناخبين عن التصويت حينما وجدوا لذلك سبيلا. وقد تمثلت تلك الانتهاكات الأخلاقية من جانب النظام في بعض المظاهر ومنها:
 

أولا.. احتكار الترشح

حيث حرص النظام على ضمان عدم ترشح أي منافس حقيقي للرئيس "السيسي"، وذلك بالضغط والتهديد تارة والاعتقال تارة أخرى .مما أدى إلى خروج كل من خالد على، محمد أنور السادات، أحمد قنصوة، أحمد شفيق، وسامى عنان من المشهد الانتخابي بعد إعلانهم نيتهم للترشح. وفي المقابل، جاء النظام بمرشح صوري لاستكمال الشكل ليبدو الأمر كما لو أن هناك منافسة حقيقية أو انتخابات من الأساس. حتى أن ذلك المنافس الصوري / موسى مصطفي موسى، قد أعلن أكثر من مرة وفي مشهد هزلي عن دعمه هو نفسه لتولى "السيسي" لفترة رئاسية ثانية.

 

ثانيا.. الخلط المتعمد بين الدعوة للمشاركة والحشد القسري

من المعروف أن الاختيار الطوعي هو جوهر عملية المشاركة. أما الإجبار على المساهمة تحت ضغط أو تهديد أو إغراء فلا يعدو كونه تعبئة أو حشد قسري. وقد حث النظام المواطنين على ما أسماه تضليلا بالدعوة ل "المشاركة" في الانتخابات، على حين أن ما جرى هو" التعبئة والحشد القسري". ومن دلائل ذلك إعلان النظام نفسه على لسان العديد من إعلاميه ورموزه بما في ذلك "السيسي" نفسه أن التصويت لأي من المرشحين الإثنين لا يهمه، وأن ما يعنيه فقط هو وجود حشود أمام اللجان الانتخابية.

 

ثالثا.. آليات الحشد
محاولته لحشد الجماهير في صورة الداعمين له، لجأ النظام للتهديد بعدو افتراضي خارجي تمثلت في قطر وتركيا وأمريكا، فضلا عن الفازع الأكبر المتمثل في الإرهاب

سخر النظام كل مؤسسات الدولة لتحقيق الحشد المنشود. واستخدم عدة آليات منها تسهيلات إجرائية، والترغيب، والترهيب بهدف دفع المواطنين دفعا إلى التجمع أمام اللجان الانتخابية حتى وإن لم يدلوا بأصواتهم.. ولذلك تم السماح بتصويت من لا يحملون بطاقات هوية سارية، كما تم توفير وسائل انتقال مجانية وسيارات إسعاف وشرطة لنقل الراغبين -وغير الراغبين أيضا- في التصويت.
 
وكان الإغراء بتوزيع المكافآت النقدية والعينية، والوعود بتنفيذ عدد مشروعات البنية التحتية المستقبلية في الدوائر الانتخابية ذات الحشد الأكبر. وبالمثل الإغراء برحلات ترفيهية مجانية للمتجمعين أمام اللجان الانتخابية. فضلا عن استدعاء رموز النظام ومشاهير المجتمع للترويج للانتخابات. وكذلك بث مشاهد الغناء والرقص أمام اللجان الانتخابية في وسائل الإعلام لجذب الجماهير حتى ولو للمشاهدة فقط. علاوة على عدم السماح للأهالي بزيارة أبنائهم من المعتقلين السياسيين إلا بعد التصويت، فضلا عن مقايضة الناخبين بالإفراج عن المعتقلين السياسيين من أبناء الدوائر الانتخابية ذات نسب الحشد والتصويت الأعلى.

وعلى صعيد آخر تمثلت بعض مظاهر الترهيب في التهديد بفرض غرامات مالية على الممتنعين عنن الإدلاء بأصواتهم الانتخابية، وإخضاعهم للمساءلة القانونية، وإجبار الموظفين على التصويت على أن يظهر الموظف الحبر الفسفوري الدال على التصويت لرئيسه عقب إدلائه بصوته، والتهديد بإبلاغ الأجهزة الأمنية لتعقب الممتنعين عن التصويت، وكذلك في قيام عناصر من الشرطة بتوقيف المواطنين في الشوارع واصطحابهم عنوة لمراكز الاقتراع، بل ومداهمة المنازل وإجبار من فيها على التوجه للجان الانتخابية.

  undefined

 
رابعا.. تزييف الوعى

وفي محاولته لحشد الجماهير في صورة الداعمين له، لجأ النظام للتهديد بعدو افتراضي خارجي تمثلت في قطر وتركيا وأمريكا، فضلا عن الفازع الأكبر المتمثل في الإرهاب. كما عملت وسائل الإعلام جاهدة لتصوير المساهمة في الانتخابات على أنها اختيار بين متلازمات: الوطنية والخيانة، الاستقلالية والتبعية، الاستقرار والتشرد، الأمان والخوف، ورغد العيش في مقابل الجوع. وكذلك في محاولة لتجميل وجه النظام وإعادة تقديم الرئيس "السيسي" في صورة المنقذ، فضلا عن الحديث المتكرر عن إنجازاته الوهمية.
 
في حين أن النظام طرد من البلاد مراسلة صحفية "التايمز" البريطانية "بيل ترو" على خلفية إجرائها لبعض الأحاديث مع مواطنين، وذلك في محاولة مستميتة من النظام ألا تخرج التغطية الإعلامية للانتخابات عن السياق الذي يريده لها، كما ألقى القبض على أحد المواطنين في مدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، واتهامه بتصوير إحدى اللجان الانتخابية الخالية من أى ناخبين.
 
وفي رد فعل جماهيري، طور المواطنون -لا سيما الشباب- أساليبا للامتناع عن المشاركة في تلكك الانتخابات بالدعوة للمقاطعة، ولإظهار العزوف الجماهيري عن التصويت، وللسخرية من تلك الانتخابات ككل. فقد دشن نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي حملة "مش نازل" والأوبريت الغنائي الساخر "الشد العضلي" بالإضافة إلى العديد من المنشورات للدعوة لمقاطعة الانتخابات، فضلا عن بث مقاطع مصورة ورسائل نصية لتوثيق خلو لجان الاقتراع من الناخبين، وكذلك الحشد القسري للمواطنين، والرشاوى الانتخابية. حتى الكثير ممن أجبروا على التصويت، قاموا بإبطال أصواتهم بترك بطاقاتهم الانتخابية خالية، وباختيار أو رفض كلا المرشحين، أو بكتابة كلمات من شأنها إبطال الصوت.
 
خلاصة الأمر أن الانتهاكات الأخلاقية التي سادت مشهد "الانتخابات" الرئاسية في مصر 2018، والتي تمثلت في جزء منها في انعدام كل من تكافؤ الفرص، المصداقية، حق تقرير المصير، وحرية الاختيار بين البدائل. تؤكد عدم نزاهة تلك الانتخابات، فضلا عن هزلية المشهد برمته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.