شعار قسم مدونات

نماذج الإسلاميين الانتخابية.. أزمة مؤهّلات أم حداثة؟

مدونات - انتخابات الأردن

جرت العادة في دول العالم أن يرى الناس مرشحي الأحزاب ينتسبون لذات المنبع الذي يبلور سياسة ورؤية هذا الحزب، فلن يقوم حزبٌ يمينيّ بتقديم شخص ذو تاريخ يساري تعارض مواقفه السابقة كل مواقف الحزب الذي سيقوم بترشيحه!

 

على ضوء ما نرى ونشاهد في الانتخابات في السنوات القليلة الماضية وحتى هذه الأيام، أصبحنا نرى العقد الاجتماعي -الذي يتمّ ضمنيًّا بين الحزب والمجتمع- قد بدأ بالانفراط. إذ قد نشاهد حزبًا ذو توجهات إسلامية يرشّح نموذجًا ذو صبغةٍ بعيدةٍ عن وجوهه المعتادة، وقد يظهر ذلك للعلن في ترشح بعض النماذج النسائية لدى الأحزاب الإسلامية في الانتخابات -البرلمانية تحديدًا- في بعض الدول كتونس مثالًا.

 
وعندما تصدر هكذا مواقف من الأحزاب الإسلامية في الآونة الأخيرة، فمن حقّ المرء أن يتساءل ما الذي أودى بهم إلى هذه النتيجة؟! هل كان الخلل في نظام الفرد المسلم فالأسرة المسلمة فالمجتمع المسلم؟ إذا كان الحديث يدور حول الأحزاب الإخوانية كترشيح حزب النهضة لنساء من خارج إطارهم المعهود عن لباس المرأة المسلمة الذي هو من ضمن بنود العقد الاجتماعي في المجتمع التونسي كما غيره من المجتمعات. أم أنّ الخلل في الكفاءة ذاتها لهذه المرأة التي جعلت حزب النهضة يقفز عن كل أعضاءه من النساء ليختار هذه المرأة التي هي من خارج إطاره؟

 

الناس تجري خلف الأصلح والأقدر على منصب معيّن، ولذلك لن يكون هناك إشكال بين الناس -في حال كانت أجواء الانتخابات الحرة متاحة- إن كانت هذه المرأة هي الأصلح مع اختلاف حزبها حتى عند المعارضين لحزبها

يقفز إلى أذهاننا في هكذا موضوع طريقة الإدارة في البيت المسلم إنْ قُمنا بالقفز عن جزئية الفرد المسلم الذي سيكون في حالتنا هو ربّ البيت ومدير شؤون الأسرة. هل عجز هذا البيت المسلم الذي يحتوي هذه الأسرة المسلمة عن انتاج نموذج نسائي مؤهّل للترشح في انتخابات معيّنة أيًا كان نوعها وزخمها؟ أم أنّ صانعي القرار في الأحزاب الإسلامية يريدون بهذه الخطوة إضفاء مظهر الحداثة والانفتاح على الآخرين؟

 

النموذج السلطوي للرجل في المجتمع الشرقي قد يكون أحد العوامل، فقد رأينا بعض الإسلاميين وأصحاب الأفكار القوية والمتينة يناقضون أقوالهم في مملكتهم! إذ يخرج على الملأ يحدّث الناس عن دور المرأة وأنّها نصف المجتمع، وتجده في منزله ينهر زوجته عن الحديث برأيها أمام الناس بخصوص مواقفها وآرائها حول مختلف القضايا، وأن يقف خلف التيار الذي يردد "المرأة ناقصة عقلٍ ودين" بفهمها الخاطئ طبعًا، وأن مكان هذه المرأة هو المطبخ وتربية الأطفال -رغم أهمية هذا الدور- ولكن فكرة تكوين شخصية المرأة ستكون حاضرة هنا، إذ كيف ستتحلى هذه المرأة بشخصية ذات ملامح وصفات قيادية تجعلها تتحلى بالمسؤولية المنوطة بها في المنصب الذي ستترشح له! وهذا الحديث يأتي بعد تجاوز الحديث عن تعليم المرأة وحقها في ذلك.

 

فهل المطلوب أن يقوم الرجل بإعطاء المرأة المسلمة في الأسرة المسلمة مساحتها الحقيقيّة التي تكوّن شخصيتها وتجعلها جديرة بأن تكون مكان تلك المرأة التي تم ترشيحها بدلًا منها -مع عدم التعميم على جميع الإسلاميين-؟ أم أن أزمة الأحزاب هي أزمة حداثة تجعلهم يحاولون بهذا التصرف يُظهرون أنّهم يتحلّون بعقلية منفتحة، فبعد أن يفوزوا لن يقوموا بجلد شارب الخمر وقطع يد السارق؟

 

نجد الأمر في الأردن ومصر مناقضًا لما يجري في تونس، ففي الأردن نرى مرشحاتٍ جديراتٍ بالترشح ولديهنّ المؤهلات التي يتفق عليها الإسلامي والعلماني بأنها لا تقل عن نظيراتها من المتشرحات على قوائم الأحزاب الأخرى بل وتفوقها. هل هذا الانفتاح يُقصد به تغطية نقص ذاتي في داخل الإسلاميين -حال فهمهم الخاطئ للمنهج الإسلامي- بخصوص التواصل والانفتاح على الغير؟ أم أنّه تحوّل من دائرة صغيرة إلى دائرة أكثر اتساعًا مع المحافظة على أسس نشأتهم الإسلامية وعدم تمييع المواقف على حساب الشريعة الإسلامية كما يقولون؟

   undefined

 

إنّ الذي يتبدى هو أنّ أحزاب الإسلاميين أهملت جزئيًا دور علومٍ أخرى ظهرت أهميتها بعد تسلّم الحكم في بعض بلدان الربيع العربي، إذ كانت الجماعات تركّز على الأمور الدعوية -على أهميّتها- وتُهمل جوانب أخرى متمثلة بمجالات تحتاج المتخصصين والدارسين لها فعليّا وليس الدعاة فقط! فكانت العناوين الدعوية التي توسع بعضهم فيها -لغير المتخصصين- على حساب الاقتصاد، والسياسة، والإدارة وغيرها من المجالات التي نرى كثيرًا من الإسلاميين قد تخصّصوا وبرعوا فيها -على مستوى الأشخاص- ولكن لم نرى الاستغلال اللازم لخبراتهم يُنشَر ويُبَثّ بين أبناء وشباب هذه الأحزاب، فمناصب اليوم تحتاج عزم ونشاط الشباب، وحكمة ورزانة الكبار معًا.

 

بعد ما ذُكِر آنفًا، وهو الذي ينحصر كلامي فيه عن الرجال فقط، نرى حصّة المرأة في هذه الأحزاب أضيق وأقلّ من حصّة الرجل التي ذكرنا نقصانها وقصورها عن بعض الأمور. نتيجةً لهذا من الممكن أن يُفسّر ما يجري من ترشيح الغير على أنّه أزمة مؤهلات -إن كان فعلًا كذلك في بعض البلدان-، وهو أمرٌ على الجماعات الإسلامية مراجعته وإعداد الخطط وتوزيع الأدوار المناسبة لإصلاحه.

 

أمّا بخصوص أزمة الحداثة وجعل هذا الأمر أحد خطوات الانخراط بين الناس وجعل خطاب الحركات الإسلامية دوليًا ومرضيًا عنه، فإنّه بلا شك نهجٌ خاطئ يأتي على حساب مبادئ الشريعة الإسلامية التي تزعم هكذا جماعات أنّها مرجعيتها، وكذلك يأتي على حساب جماهيرها التي يكون عقدها الاجتماعي مع الجماعة قد تزعزع بموجب هكذا خطوات.

 

إنّ الناس تجري خلف الأصلح والأقدر على منصب معيّن، ولذلك لن يكون هناك إشكال بين الناس -في حال كانت أجواء الانتخابات الحرة متاحة- إن كانت هذه المرأة هي الأصلح مع اختلاف حزبها حتى عند المعارضين لحزبها، ولهذا على الحركات الإسلامية أن تجمع الخيرين، عراقة المبدأ وتجذّر الهوية الإسلامية لديهم، مع السعي إلى الجدارة والاستحقاق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.