شعار قسم مدونات

ضربات أمريكا.. وماذا بعد؟

مدونات - ضربة أميركا لسوريا

فجر الأمس قامت كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا بشن ضربات عسكرية على مواقع النظام السوري، ضربات جاءت بعد عدة تغريدات للرئيس الأمريكي ترمب، حيث وفى بوعده مرة أخرى وذلك بسبب غارات كيماوية قام بها نظام الأسد ضد مدنيين أبرياء بدوما شرق الغوطة. إن العالم كله يعرف جرائم نظام الأسد بحق -شعبه- الذي أذاقه بشار الأسد الويلات بأشكال عدة من القتل والتهجير. نعم نظام بشار الأسد أحد الدكتاتوريات الحديثة والتي لم يسبق في التاريخ أن قام حاكم بقتل -شعبه- بأبشع الصور.
 
لكن المشكل هنا يطرح تساؤلات عديدة والتي تتعلق بشكل أداة القتل التي يستخدمها بشار وحلفاؤه، فإذا قام بشار بقصف المدنيين المعارضين لنظامه بواسطة أدوات غير الكيماوي لا غبار على الأمر، لكن إذا ما استعمل المواد الكيماوية يتدخل الغرب معللا الأمر بأنه تجاوز للخطوط الحمر. إذا لماذا هذا التناقض في موقف الغرب من طريقة القتل وأدواتها؟ وكأنهم يعطون ذرائع لقتل الشعب السوري لكن ليس بواسطة الأسلحة الكيماوية؟
 
وهذا الأمر يعتبر تناقضا صريحا في سياسة الغرب تجاه الأزمة السورية التي طال أمدها، وذلك بتدخل أطراف عدة في الصراع، والشعب السوري هومن ي عطي فاتورة الصراع من مدنيين أبرياء طالبوا بحريتهم منذ سبع سنوات عجاف أدت إلى مقتل أكثر من نصف المليون إنسان أمام مرأى المجتمع الدولي، وشعوب العالم كله، وتهجير الملايين منهم.

 

بشار الأسد يستحق محاكمات دولية على جرائمه، لكن ليس وحده، لأن المجتمع الدولي والعالم كله مسؤول عن وقف هذه المجازر بسوريا، النظام السوري يلقى دعما من حلفاء له لكن الطريقة التي يتم التعامل بها مع هذا النظام غير فعالة. وهذا يجعل الأمور غير موثوقة في طريقة التعامل مع هذه الأزمة الإنسانية الكبيرة. ثم إن الغرب بذرائعه التي يعطيها عن طريق كيفية الرد على الهجمات الكيماوية دون باقي الهجمات التي تقتل بطرق أخرى تعتبر واهية، وتشكك من أمر رد فعل الغرب الذي يدعي بأن على بشار مجرم حرب، وكذلك في جدية الغرب في إسقاط هذا النظام بغض النظر عن الدعم الذي يلقاه من حلفائه سواء إيران أو روسيا. وهنا أيضا يمكن أن نتجه لأمر لآخر، وهو هل المقصود بهذه الضربات العسكرية التي قامت بها بريطانيا وفرنسا وأمريكا روسيا وحدها؟ ام أن الأمر متعلق بحلفائها إيران وحزب الله اللبناني وغيرهم من مليشيات أجنبية أخرى؟

  

لتبقى الأزمة السورية بين أروقة بالأمم المتحدة التي يكاد دورها باهتا وإن صح القول ليس لها أي وجود
لتبقى الأزمة السورية بين أروقة بالأمم المتحدة التي يكاد دورها باهتا وإن صح القول ليس لها أي وجود
  

الأمور جد معقدة في هذه الأزمة الإنسانية الكبيرة، خاصة وأن وسائل الإعلام تحدثت عن وجود تنسيق خاص بين أمريكا وروسيا بخصوص هذه الضربة العسكرية، إلا أن الجديد فيها هو عدم إخبار روسيا بمواقع الضربات كما فعلت أمريكا العام الماضي. ولا ندري لما يتم هذا التنسيق مع من يدعم بشار ويشارك في قتل الشعب السوري أمام العالم.

 

ها هي أمريكا ومن معها شنت ضربات عسكرية وذلك من أجل الحد من استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية فقط وهذا وفق ما صرحوا هم به، ومازال نظام بشار في سلطته فما جدوى ضربات عسكرية ليس لها أي تأثير على نظام مجرم بشهادة العالم فماذا بعد هذه الضربات إذا؟ لا شيء بشار الأسد وبمساعدة روسيا وإيران أصبحوا يسيطرون على مناطق مهمة من سوريا ومسلسل اجتماع مجلس الأمن الذي ينعقد كلما كان القتل بواسطة الكيماوي أما غيره فلا حياة لمن تنادي. المهم هو القضاء على ثورة يتيمة قام بها شعب سوريا ضد نظامه ليجد نفسه في حرب مع أكبر قوى العالم فماذا بعد هذه الضربات إلا المراوغة بانعقاد مجالس طارئة لمجلس الأمن، دون فعل حقيقي على الأرض الأمر الذي يجعل من مزاعم مجرد أفعال لا قيمة لها أمام أزمة يتم فيها التلاعب بالقيم الإنسانية.

لتبقى الأزمة السورية بين أروقة بالأمم المتحدة التي يكاد دورها باهتا وإن صح القول ليس لها أي وجود خاصة في وجود قوى كبرى غير مكترثة لما يسمى بحقوق الإنسان، فما يهمها تحقيق مصالحها. لتموت الإنسانية التي يدعيها الشرق والغرب وتحل محلها الأيديولوجية وصراع النفوذ والتفوق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.