شعار قسم مدونات

الانتخابات العراقية بلا برامج انتخابية

مدونات - انتخابات العراق 2018

انطلقت الحملات الدعائية لأكثر من 9 آلاف مشرح ومرشحة في سباق انتخابات مجلس النواب العراقي والتي ستستمر شهراً كاملاً. وهي مقسمة بين القوى السنية والشيعية والكردية وبعض التحالفات التي تجمع بينهم بالإضافة إلى الأحزاب التي تدعي المدنية وعدد آخر للأقليات مثل الإيزيديين والصابئة المندائيون. والجميع يتنافس من أجل الحصول على أكبر عدد من مقاعد البرلمان وهؤلاء هم من سيحدد رئيس الحكومة القادمة في وقت لاحق.

 

أظهرت الانتخابات البرلمانية العراقية حجم الهوة والتفرقة بين أبناء البلد الواحد. فالمرشحين يتعكزون في جمع أصوات ناخبيهم على أبناء جلدتهم وفي إثارة الكراهية بين أبناء الطوائف والقوميات العراقية. فالسياسي السني يخاطب الجمهور السني بأنهم الفئة المظلومة المغلوبة من قبل الطوائف الأخرى. وكذلك الحال بالنسبة للسياسي الشيعي ومنهم من دعى إلى قتل سني كلما قُتل شيعي. أما السياسي الكردي فهو ينادي إلى حماية القومية الكردية وإن كان تقسيم العراق هو الثمن. وقد أظهرت وثائق سرية تعود إلى مرحلة ما قبل الغزو الأمريكي 2003 نشرت قبل 9/4/2018. أشارت هذه الوثائق إلى استحواذ الشيعة لسدة الحكم وخسارة السنة لعدة امتيازات بالإضافة إلى صراعات دامية بين المكونات العراقية والأهم من ذلك هو ان العراق غير جاهز لهذه الديمقراطية الحديثة والتي ستأخذ وقتاً طويل من أجل التكيف والتبني من قبل الشعب العراقي.

 

لم تكن التفرقة فقط على مستوى أبناء المكونات بل بين أبناء المكون الواحد كذلك. فتجد عدة اتجاهات وأحزاب داخل المكون الواحد، وابناءه منقسمين بين الأحزاب الإسلامية والمدنية. أن هذه الاتجاهات لم تأتي عن طريق قناعة خاصة بالحزب أو التوجه، بل بميل العشيرة مع مرشحها الأقوى. فالمرشح الأقوى سياسياً أو مالياً هو من يوجه أبناء العشيرة إلى التوجه الإسلامي أو المدني. وتجد عدد كبير من المرشيحن إما أن يكون شيخ عشيرته أو ابن شيخ هذه العشيرة والقبيلة. وقد استغلت القوائم الانتخابية هذه الفرصة لزيادة فرصها بالنجاح او لجمع أكبر عدد ممكن من اصوات الناخبين لصالحها.

 

لم ينشر المرشحين العراقيين عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي برنامجاً انتخابياً كاملاً. وهم يعتمدون على عدد محدود من أصحاب الشهادات العاطلين عن العمل في إدارة صفحاتهم الشخصية

لهذه الأسباب وغيرها جعلت البرامج الانتخابية للمرشحين خاوية هزيلة ولا تتصف بالموضوعية والواقعية. أن غالبية المرشحين لا يعتمدون على برامج واضحة تنادي لمستقبل واعد ومشرق بل يعتمدون على حجم عشائرهم وعدد افرادها وفي كيفية كسب العشائر الأخرى وضرب العشائر التي لها مرشحين أقوياء من نفس المحافظة. أن الولاء للعشيرة أصبح الأقوى والغالب على الولاء للوطن مما ينذر إلى المزيد من التفرقة والعنف بين هذه العشائر. وظهور عوائل تتحكم بسدة الحكم. ومحاولات شتى لشراء ذمم الناخبين.

  

على الرغم من ذلك، إلا أننا نجد عدداً من المرشحين الذين يملكون برامج انتخابية واعدة يرُجِىَ خيرُها للعراق، ولكن كم عددهم وكم شخص سيستطيع من الوصول لقبة البرلمان. ستكون لبغداد كلمة الفصل. فحصة بغداد من مقاعد البرلمان هي 69 مقعداً والذي يعول عليها في انتخاب ذوي الكفاءة. قد تكون بغداد الاقل حدة من باقي المدن العراقية في مسألة التقاسمات العشائرية لما لمسوا وعايشوا من صراعات دموية، والنفور من هيمنة الأحزاب الإسلامية.

 

أن غالبية المراقبين والمحللين يغلب عليهم التشاؤم في إيجاد حل ومخرج للازمات السياسية، الاجتماعية والاقتصادية عن طريق مجلس النواب القادم مع هيمنة الوجوه القديمة وضعف الجديدة. لم تظهر إلى الآن شخصية سياسية أو حزب سياسي يستطيع من كسر الروتين الذي خيم على مجلس النواب العراقي. كان نوري المالكي وإياد علاوي مرشحين بقوة لاستحواذ السيادة بموافقة ومباركة العراقيين إلا أن صراعاتهم أدت إلى تقليل شعبيتهم ونفور الناس من حولهم.

 

لم يقرأ المواطن العراقي برنامج انتخابي واعد، لم ينشر المرشحين عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي برنامجاً انتخابياً كاملاً. وهم يعتمدون على عدد محدود من أصحاب الشهادات العاطلين عن العمل في إدارة صفحاتهم الشخصية، وما إن يتم اللقاء مع المرشح وتبدأ بطرح اسئلة عميقة تتطلب رؤيا وخبرة، ستكتشف ضعف هذا المرشح وعدم أهليته للعمل التشريعي. بالإضافة إلى ذلك، هنالك عدد كبير من المخضرمين في مجلس النواب العراقي إلا أنهم لم يجدوا مشروعاً وهوية واضحة بهم. في هذه الانتخابات كشفت زيف المتأسلمين والذين استخدموا الدين ليحققوا غاياتهم. وقد تفاجئ الشارع العراقي في تحول شخصيات إسلامية عديدة تحت مظلة المدنية.

 

سيكون في نهاية هذه الانتخابات الصراع الدامي حول المناصب الثلاث رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء. والأخير هو من يقرر كيف ستكون السنوات الأربع القادمة. وهذه المرحلة أخطر من مرحلة انتشار الدولة الاسلامية "داعش". هنا ستكون الأنظار حول البناء ومكافحة الفساد واللذان أهملا من قبل غالبية المرشحين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.