الظواهر تقرأ من زوايا مختلفة، وفي مستويات مختلفة، ويصعب تفسيرها بسببٍ واحدٍ أو حفنة قليلة من الأسباب، ولذا دعنا نجيب على سؤال التأثير الحاصل من نصف العلمانية، أو العلمانية الجزئية، التي تتكون في المشهد الثقافي على الصحوة الإسلامية من زاوية واحدة، هذه الزاوية أسميها (قنطرة الإلحاد)، ونضرب الأمثال بعباس العقاد وعلي الوردي، وإن يسر الله وقتًا وجهدًا عدنا من زاوية أخرى.
التقى عباس العقاد وعلي الوردي على فكرتين: الأولى: حتمية العوامل الوراثية والبيئة. والثانية: التطور. فكلاهما يقول بحتمية تأثير العامل الوراثي والبيئة، وكلاهما يقول بالتطور، والقولان أعرض قنطرة يمر عليها الإلحاد لثوابتنا الإسلامية!!
ويجاهر عباس بالإيمان بـ (نظرية) دارون عن أصل الأنواع، بل ويدافع عنها، ويؤمن بأشياء أخرى أشد غرابة!! ومن يقرأ في كتاب الله ساعة يعلم أن الإنسان الأول هو آدم- عليه السلام- خلقه الله بيده وعلمه |
يدعي عباس العقاد أن العامل الوراثي والبيئة هما المكونان الرئيسيان للعبقرية، فعبقرية النبي، صلى الله عليه وسلم، سببها حب التعبد الذي ورثه عن آبائه، الذين كانوا سدنة البيت والمشرفين على شعائر الكفر قبل الإسلام، (ولم يكونوا كذلك. بل كانت فيهم السقاية، والتفاصيل عند جواد علي في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)، وعبقرية أبو بكر سببها وَلَعُهُ ببطله المغرم به (رسول الله، صلى الله عليه وسلم) وعمر صنعت الجندية عبقريته، وعلي أخلاق الفروسية هي التي صاغته عبقريًا، وعثمان بن عفان الشقاوة في بيت زوج أمه (عقبة ابن معيط) هي التي دفعته إلى الإسلام دون بني أمية؛ وفاطمة الزهراء بنت الحبيب، صلى الله عليه وسلم، ورثت شخصيتها من جد أمها الكافر خويلد.. يقول عن بنت النبي: متعبده مثل جدها الكافر!! ولا تصدق شيئًا من هذا فكله من خيال العقاد!!
ويجاهر عباس بالإيمان بـ (نظرية) دارون عن أصل الأنواع، بل ويدافع عنها، ويؤمن بأشياء أخرى أشد غرابة!! ومن يقرأ في كتاب الله ساعة يعلم أن الإنسان الأول هو آدم- عليه السلام- خلقه الله بيده وعلمه: "قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ"، "وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا"، واصطفاه من خلقه: "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ". وفي الحديث عن الإنسان الأول أنه "نبِيٌّ مُكَلَّمٌ، خَلَقَهُ اللهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ رُوحَهُ". فكان نبيًّا ولم يكن همجيًّا مشركًا كما يفتري عبَّاس. وفي محكم التنزيل أن الله بعث في كل أمة نذير، وأن الأمم السابقة أهلكت بذنوبها "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى"، فالبشرية لا تتحرك في خطٍ مستقيم تطورًا، وإنما تزدهر وتباد تبعًا لحالتها مع رسل ربها.
الفكرة الكامنة وراء تسويق مثل هذه الأفكار(التطور، وحتمية البيئة) هو صرفنا عن منظومة القيم السماوية.. النسق العقدي الرباني.. الكتالوج الجاهز والقابل للتطبيق |
المعركة حول إدعاء أرضية الرسالة هي الأشد والأوسع والأعمق في الفكر الإسلامي، وعامة ما يطرح من المنافقين والغافلين يتحرك حولها، فالذين يتحدثون عن عبقرية النبي، صلى الله عليه وسلم، والذين يقفون تحت مظلة (التنمية البشرية).. أولئك الذين يظنون أن سعادة الأفراد ونهضة الأمة بالجد والاجتهاد هو الهدف وأنه قد يتحقق بعيدًا عن النموذج الإسلامي الأول. وقد شاهدت أحد علماء الاجتماع يتحدث في مؤتمر علمي ويقول: يأتمر المختصون من الكافرين كل عامٍ ليثبتوا أن الرسالة تطور بيئي، وذلك منذ أربعة قرونٍ، ولم يفلحوا للآن.
وتغيرت الجزيرة العربية. في سنوات قليلة تحول نفس الأشخاص من رعاة للشاة إلى رعاةٍ للأمم. بحفنة من المفاهيم والتصورات البسيطة، التي تجيب على ذات الأسئلة التي تطرحها الفلسفة المعاصرة: الخلق، دور الإنسان في هذه الحياة، وماذا بعد الموت؟
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.