شعار قسم مدونات

وتلك إرادة الله

blogs - pray muslim

سامحني يا لله..

قد فقدت الثقة فيك لوهلة حين هجرني ذلك الحبيب، وحين أخذ الموت مني أعز قريب، وحين أصابني المرض فنظرت في السماء وقلت بجهل لماذا أنا يا رب لماذا؟ تعصف بنا الأيام بمصاباتها، فنشعر كأن الدنيا ضاقت بنا من كل حدب وصوب، كأن لا نقطة ضوء في السماء، فينهك جسدنا من الحزن، وتسود وجوهنا وتشحب، ونعيش ساعة بسنة وشهرا بدهر، ننسى أن الله أرحم بأنفسنا منا، وأرحم بنا من والدينا، وننسى أن الدعاء جرعة من الدواء لكل أمراضنا، لكل حاجاتنا "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ". يكفي أن تهرب إليه بكل خيباتك وانكساراتك بكل ضعفك وآلامك، فإذا قال للفرج كن فسيكون. فادعو ليعطيك، واقتنع ليرضيك، واشكره ليزيدك.
   
وجعل لنا من القصص ما فيه عبرة، فلنقرأ قصص الأنبياء والصالحين، ألم تستوقفك قصة أيوب لازال يشكر الله حتى بلغ به الضر أقساه فرفع يديه للسماء قائلا يا رب "أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين". ويوسف كان ليأكله الذئب أو يقتل، لكنها إرادة الله، أخرجه من غيابات الجب ليضعه حاكما على مخازن الأرض، من غلام ضائع مسكين، إلى سيد ونبي شريف، وقد يطول البلاء ليعظم العطاء!
وسيدنا يونس في بطن الحوت كان سيلبث إلى يوم يبعثون، وحدها تلك الكلمات أنقذته من موت محتوم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. كم يكون للكلمات وقع كبير حين تكون قدرة الله أكبر من كل شيء. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصديقه في الغار، أنقذته حمامة وشباك عنكبوت نسجت بوحي إلاهي، فكانت كلماته لصاحبه أقوى "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا"، إنها الثقة الكبرى بالله!

 

لا تسرف في التعلق بما يفنى، فهذه الدنيا بما فيها من أناس وعلاقات ومتاع وكواكب ومجرات لا تساوي عند الله جناح بعوضة فأين تظهر أنت من هذه القطعة الصغيرة، أليس الأمر مضحكا؟!

إنك أيها العبد الضعيف لا تحيى إلا بقدرته، وهذا الكون لا يسير إلا بإرادته، فأي تصرف لك في ماخلق الله، أنت وعظمك ولحمك وروحك كلكم ملك لله فسلم له أمورك كلها. يقول ابن القيم: "لو أن أحدكم هم بإزالة جبل وهو واثق بالله لأزاله". نحتاج إلى إيمان جارف يملأ قلوبنا، نحتاج الإيمان في كل شيء، كلما مرت بنا نائبة واجهناها بالصلاة، نسجد فنضع على الأرض همومنا وأحزاننا يزول كل هم بسجدة، ونكلم الله بدعاء، لا سبيل لك أن تلقاه إلا بالدعاء فالزمه واستعن بالصبر والصلاة ما دمت حيا.
   
ستهب عليك رياح السعادة من حيث لا تدري، سيفرح الله قلبك بعد ضائقة وإن طالت، فحتى وإن تأخرت الأشياء الجميلة سيأتينا بماه وأجمل، ولربما كفاك الله شيئا تحبه لكي لا يمسك ضره، وما أشقاك إلا ليسعدك، وما أبكاك إلا ليضحكك، وما أخذ منك إلا ليعطيك، وما حرمك إلا ليتفضل عليك. فقل فوضت أمري لمن لا يرد عنده سائل ولا ينصر عنده باطل، ولا يحس بنعمه غافل.
   
توكل على الله وامضي في هذه الدنيا، وكلك يقين أن سفينة الدعاء سترسو يوما على شاطئ أحلامك.. لا تسرف في التعلق بما يفنى، فهذه الدنيا بما فيها من أناس وعلاقات ومتاع وكواكب ومجرات لا تساوي عند الله جناح بعوضة فأين تظهر أنت من هذه القطعة الصغيرة، أليس الأمر مضحكا؟! ستضحك يوما على أشياء كانت تبكيك، وسترى كم كنت غارقا لولا أن أنقذك الله وربط على قلبك،، سترى كم كنت غافلا لولا أن أيقظ الله في قلبك الإيمان، فهممت تجري إليه طارقا أبواب الرحمة، سائلا بعض القوة، فيأخذ بيدك، قال سيدنا علي ابن أبي طالب:

لا تيأس فإن اليأس كفر
لعل الله يغني من قليل
وأن العسر يتبعه يسر
وقول الله أصدق كل قيل

سيختفي كأن لم يكن، ذاك الشوق بعد اللقاء، ذاك الجفاء بعد الحب، ذاك الداء بعد الشفاء، تلك العتمة بعد الضياء، لا حدود ليسر الله فأبشر!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.